«إل غوستو».. الموسيقى تروي تاريخ الجزائر

صورة

يستجيب الفيلم الوثائقي لمادة وثائقية بعينها، يمضي خلفها في استحضار كل ما يساعد على تسجيلها وإعادة إحيائها من جديد بما يتسق مع الذاكرة، وتلقينها درساً لئلا تقع في مطب النسيان، وإيجاد المساحة الملائمة التي تضمن للمشاهد معاينة ما يجهله أو حتى ما يعرفه، ودائماً من خلال الاستجابة لنداء التوثيق وغاياته النبيلة.

المادة التي تتبعها المخرجة الجزائرية صافيناز بوصبابا في فيلمها الوثائقي «إل غوستو» (جائزة أفضل مخرج عربي في مسابقة الأفلام الوثائقية في الدورة الخامسة من أبوظبي السينمائي) متمركزة حول موسيقى «الشعبي» الجزائرية، ولكنها سرعان ما تتحول ملاحقة تلك الموسيقى وروادها وكل ما له علاقة بها إلى تفرعات كثيرة ومتشعبة لا تأتي إلا من الهم التسجيلي المتمثل بإحياء هذه الموسيقى وتسليط الضوء عليها، فالفيلم أولاً وأخيراً عن هذه الموسيقى، لكن وعند الانتهاء من مشاهدته فإننا سنكون حيال تاريخ الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي والثورة عليه وما بعد الاستقلال، وصولاً إلى أيامنا هذه، ولعل حضور كل ذلك لن يكون إلا على ألسنة عازفي ومؤلفي ومغني تلك الموسيقى، وانعكاس كل تلك الأحداث على تلك الموسيقى.

تقول بوصبايا إن قصتها مع فيلمها بدأت من المرآة، وللتوضيح فهي ولدى شرائها لها من أحد الباعة في حي «القصبة» الشهير فإنها ستتعرف الى واحد من رواد موسيقى الشعبي، ما سيجعلنا نحن المشاهدين نعيش من خلال الفيلم مساحة وثائقية غنية ونحن نلاحق تجميع أولئك الرواد ومصائرهم وحكاياتهم، وكل ذلك برفقة مادة أرشيفية جميلة ستكون الموسيقى والأغاني عنصرين حاسمين فيها، لا بل إننا سنكون أمام المكون الاجتماعي للجزائر من خلالها، وكما أسلفنا فإن تاريخ الجزائر سيمضي يداً بيد برفقة هذه الموسيقى.

المقصود بالمكون الاجتماعي للجزائر سيكون حاضراً من خلال مكون موسيقى «الشعبي» نفسها، فهي خليط بين الموسيقى العربية والبربرية واليهودية، وعازفوها ومغنوها ليسوا إلا من المكونات سابقة الذكر، والذين سيلقون مصائر مختلفة، فالعازفون الجزائريون اليهود سيكونون قد غادروا الجزائر، بينما عازفون آخرون من اصول فرنسية فإنهم سيخرجون مع الاستقلال ليعودوا إلى فرنسا والتي لن تعني لهم شيئاً، كونهم ولدوا وعاشوا كامل حياتهم على أرض الجزائر، لا بل إنهم كما سيورد أحدهم سيعيشون غربة معكوسة لدى عودتهم إلى فرنسا البلد الذي احتاجوا بذل الكثير ليتمكنوا من التأقلم والعيش.

أسماء مثل الحاج العنقا ستتكرر كثيرا في الفيلم، كونه رائد هذا اللون الغنائي، سيكون الانتصار لقيم الحياة حاسماً في كل ما نشاهده، إنها الموسيقى من تقرر للحياة أن تكون على هذا القدر من الجمال والتسامح، إنها موسيقى تختلط فيها من حيث روحانيتها التراتيل اليهودية بالتلاوة القرآنية بوصفهما مصدرين أيضاً لتوليفة تلك الموسيقى.

ومع نهاية الفيلم سنكون شهوداً على إعادة تجميع جميع من شاهدناهم أثناء الفيلم من عازفين، وعليه سنجد أن عنوان الفيلم سيكون اسم الفرقة التي أعيد تشكيلها أي«إل غوستو» ما يعني المزاج، سنكون شهوداً على عودة الحيوية والتدفق لمن كانوا منسيين ومهملين من رواد هذه الموسيقى، سيجتمعون من جديد في فرنسا، ومن ثم سنشاهد لقاءهم في مطار «شارل ديغول»، ومن ثم سهراتهم التي يستعيدون فيها ماضيا كانوا يحسبونه غير موجود إلا في ذاكراتهم الخاصة، وصولاً إلى الحفلة الأولى التي يقيمونها، ومن ثم مواصلتهم ذلك عبر سلسلة من الحفلات التي مازالت متواصلة وحاضرة.

تويتر