للمخرج المغربي إسماعيل فروخي

«رجال أحرار».. فيلم يعــــاين نجاة اليهود على أيدي المسلـمين

المفارقات التاريخية في رواية الحرب العالمية الثانية.. رهان الفيلم. أرشيفية

هناك الكثير من الأزقة والمساحات المتوارية في التاريخ، ولعل الفيلم يأتي لينتشلها ويخرج بها من الظلمة إلى النور، ولتكون هذه الظلمة فعل غياب سرعان ما تصبح عبر تسليط الضوء فعل حضور له أن يكون مدوياً إن كان الحامل الفني لذلك مستوفياً لشروطه الإبداعية، وعليه نكون أمام رواية موازية للتاريخي والإحصائي.

تلك المساحات المتوارية لها أن تكون في حدث تاريخي خصصت له آلاف الأفلام، ومع ذلك يبقى التواري حاضراً، خصوصاً إن كان هذا الحدث هو الحرب العالمية الثانية، وحين نقول آلاف الأفلام فإن هذا تماماً ما نقصد به عدد الأفلام الكثيرة التي تناولت تلك الحرب الفاصلة في تاريخ البشرية، لكن الفيلم الذي سنقدم له هنا يدفعنا لسؤال مفاده: ما الذي مازال لدى العرب ليقولونه في هذا الخصوص؟ ونحن نرى منذ ما يقرب الخمس سنوات إجابات متعددة، ولنا أن نحصر ذلك ربما في المغرب العربي مع أول من قال لنا جديداً عن الحرب العالمية الثانية ألا وهو المخرج الجزائري رشيد بوشارب، حيث قدم عام 2008 فيلمه الشهير «بلديون»، ووضعنا أمام مساحة تاريخية مجهولة تماماً متعلقة بالجنود الجزائريين أو الشعوب المستعمرة من قبل الفرنسيين عموماً الذي أسهموا في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، ومساحة البطولات والتضحيات التي قدموها لتحقيق هذا الهدف، والنكران والظلم اللذين لحقا بهم رغم تضحياتهم التي سرعان ما غمرها النسيان، ووضعت رهينة عنصرية لا تعرف الرحمة ولا الوفاء لمن ضحوا بحياتهم من أجل فرنسا، مع استحضار نقطة اشكالية تتمثل بعلاقة الاحتلال بالمحتل، والمفارقة التاريخية المتمثلة بتحول بلد استعماري كفرنسا إلى بلد محتل أسهمت في تحريره الشعوب التي يحتلها الفرنسيون أنفسهم.

هذه المفارقات التاريخية، خصوصا المغيب منها، له أن يكون الرهان الأكبر الذي يحمله جديد المخرج المغربي اسماعيل فروخي «رجال أحرار»، فهنا أيضاً سيسلط الفيلم الضوء على جانب مغيب من تاريخ الحرب العالمية الثانية، ومعه أيضاً فصل من فصول العلاقة بين المسلمين واليهود إبان الاحتلال النازي لفرنسا، عبر نبش تاريخ جامع باريس الكبير ودوره في توفير الحماية لليهود من المحرقة النازية، وذلك من خلال استعادة قصة حقيقية متعلقة بشخصيات معروفة مثلما هو الحال مع المغني الجزائري اليهودي سليم هلالي (1920 - 2005)، ونجاته على أيدي العرب المسلمين المقيمين في فرنسا من معسكرات الاعتقال النازية.

سنقع مع بداية الفيلم على شخصيته الرئيسة يونس (طاهر رحيم) الذي نتعرف اليه كـ«تاجر شنطة»، إن صحت التسمية، يوفر الاشياء المفتقدة من جراء الحرب والاحتلال، وهو غير معني بكل ما يجري من حوله، وهمه الاساسي الحصول على المال وإرساله إلى أهله في الجزائر.

تشكل الطبلة التي يقايضها أحد المشترين من يونس مفتاح عبوره إلى عالم المغني الجزائري سليم هلالي (محمود شلبي)، ومع بيعه تلك الطبلة لسليم تنشأ علاقة بينهما، بينما يتورط يونس مع الاستخبارات الفرنسية المرتبطة بالنازيين الذين يساومونه على بقائه في فرنسا -كونه مهاجراً غير شرعي - لقاء تحوله إلى مخبر يجمع لهم المعلومات، خصوصا تلك المعلومات المتعلقة بأنشطة جامع باريس الكبير، وما يقوم به من حماية لليهود باستصداره شهادات ميلاد مزيفة لليهود تقول إنهم مسلمون.

سنتابع في الفيلم تورط يونس في العمل المقاوم والتغيرات التي تطاله من جراء ما يعيشه ويكون شاهداً عليه، سيكتشف أمره إمام الجامع، وسيتحول إلى عون له في مساعدة اليهود، إضافة للعب الجامع دوراً في حماية المقاومين وتوفير المكان ليختبئوا فيه من النازيين الذين يلاحقونهم، كما أن يونس ومن خلال قريبه المنخرط في المقاومة، والذي سرعان ما يقتل على أيدي النازيين، سيضعنا أمام الدوافع الرئيسة التي تحرك هؤلاء المقاومين العرب، وذلك عبر تبنيهم شعار مفاده «إسقاط الفاشية والاحتلال».

سيكون جامع باريس الكبير بؤرة للأعمال النبيلة، سيساعد اليهود ويحميهم ومن ثم سيسعى إلى تسفيرهم بعيداً عن المخاطر المحدقة بهم، ولعل قصة المغني سليم هلالي ستكون القصة الرئيسة في هذا الخصوص، فالنازيون لن يكتفوا بتصديق أن سليم مسلم من خلال شهادة ميلاد إسلامية قدمها له الجامع ليصدقوا أنه ليس يهودياً، بل سيقودونه إلى المقبرة التي دفن فيها والديه ليتأكدوا من ذلك، لكن حتى هذا التفصيل سيكون مأخوذاً بالاعتبار، حيث سيكون لوالديه قبرهما في المقبرة الاسلامية، كما سيفعل يونس بناء على توجيهات إمام الجامع.

هذه المفارقة التاريخية ستكون رهان فيلم الفروخي الرئيس، ولعل الأهمية الكبرى التي تحملها متأتية من واقعية تلك القصة المستعادة، ونحن نتكلم عن صراع مرير ممتد لأكثر من 70 سنة بين اليهود والعرب، مع حضور الدور العربي مجدداً في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، وتلك الفكرة النبيلة المتمثلة باسقاط الفاشية والاستعمار، ومع سقوط الأولى فإن الجزائريين سيحتاجون لأكثر من 20 سنة ليحققوا استقلالهم، فهم سيسعون جنباً إلى جنب مع الفرنسيين لاسقاط الفاشية، وليتخلى عنهم الفرنسيون بعد ذلك، ويبقوا طوال المدة التي تلت سقوط النازية والفاشية تحت رحمة الاستعمار الفرنسي، والذي لم يقابل تلك التضحيات والدماء العربية الزكية التي سالت على الأرض الفرنسية إلا بمحاولة الحفاظ على الاستعمار ومجابهة مساعي التحرر بكل أصناف القتل والتدمير، والذي أفضى إلى مقتل مليون ونصف المليون شهيد جزائري لتحقيق الاستقلال.

تويتر