«تشاينيز تيك أواي».. بين الصين والأرجنتين بقرة
لاداعي لتخيل ذلك، هذا يحدث وإن كان ما سأستعرضه يحدث في فيلم، كأن يكون رجل وامرأة جالسين في قارب في بحيرة تحيط بها الجبال الخضراء من كل جانب، والأجواء المهيمنة مملوءة بالهدوء والسكينة وكل شيء مدعاة للرومانسية، وهذا ما سيفعله الرجل، إذ إنه سيتقدم بخطبة المرأة، فهو سيلتفت ليخرج العلبة التي تحتوي الخاتم، وما إن يفتح العلبة، حتى تقع من السماء بقرة تأتي مباشرة على المرأة وتقضي عليها.
هذا المشهد الافتتاحي لفيلم بعنوان hinese Take Awa (تشاينيز تك أواي) للمخرج الأرجنتيني سباستيان برونزشتاين، نعم إنها بقرة تهبط من السماء، وهذا يحدث في الصين، ومن ثم سينتقل الفيلم إلى بوينس آيرس، إذ سنتعرف إلى روبرتو (روبرتو دارن)، وهو في محله يعد البراغي التي تحتويها علبة استلمها ليكتشف أن عدد تلك البراغي أقل مما هو مكتوب على العلبة.
مع روبرتو سنمضي مع شخصية واضحة المعالم، إنه رجل أرمل، يعيش في محله الذي يحتوي كل الأشياء الصغيرة والمهمة في الحياة، مثل مقابض الأبواب والمفكات والمسامير والبراغي بمقاساتها المتعددة. ونشاطه الوحيد يتمثل بتصفح أعداد كبيرة من الصحف، وقص أي خبر غريب يقع عليه والاحتفاظ به، ولمرة أو مرتين تجسد في الفيلم القصص التي يقرأها، والتي تتميز إلى جانب غرابتها بمأساويتها، لكن هذه المأساوية تدفع للضحك في الوقت نفسه، إنها أخبار طريفة، نصفها بهذه الصفة مع أنها قد تكون قد تسببت في مقتل أكثر من شخص. روبرتو يفضل أن يمضي بسيارته القديمة إلى مكان يقع على مقربة من المطار والجلوس ومراقبة هبوط وإقلاع الطائرات، وأثناء قيامه بذلك سيتوقف تاكسي على طرف الطريق ويرمى برجل منه، هذا الرجل سيكون صينياً لا يعرف كلمة واحدة بالاسبانية، وهنا سيقوم روبرتو مضطراً بمساعدته، وليدخل معه في نفق طويل من المتاهات، ولكم أن تتخيلوا هذه المتاهات، طالما أن روبرتو لا يعرف حرفاً واحداً بالصينية، ولا جون اسم ذلك الرجل الصيني (اغناسيو هوانغ) يعرف حرفاً من الاسبانية.
بصعوبة بالغة سيعرف روبرتو أن جون يبحث عن عمه الذي يعيش في بوينس آيرس، سيأخذه بسيارته إلى العنوان، لكن سيكتشف أن عم جون انتقل من ذلك العنوان، وهكذا سيأخذه روبرتو إلى بيته، خصوصا أنها ليلة ماطرة وعاصفة.
كل الأفعال التي سيقدم عليها روبرتو ستكون على العكس تماماً من شخصيته، وسيكون مسار القصة مملوءاً بالاكتشافات والتغيرات، والتي لن تتخلى عن حيويتها حتى نهاية الفيلم، فالسيناريو ومن اللحظة الأولى ينجح في جذب المشاهد، برفقة شخصيات سرعان ما تنسج معها علاقة من نوع خاص.
كل شيء سيتضح بالفيلم، ستتاح فرصة الحوار بين روبرتو وجون من خلال فتى «تيك واي» لمطعم صيني يقوم بالترجمة بينهما، وذلك في الثلث الأخير من الفيلم، دون أن يدعنا كل ما شاهدناه أن ننسى المشهد الأول في الفيلم، والرهان على أن جون على علاقة بتلك البقرة التي هبطت من السماء وقتلت تلك المرأة، إنه روبرتو في الأرجنيتن من سيقع على هذا الخبر في إحدى الصحف، بينما سيكون جون ذلك العاشق الذي يكون في طريقه للتقدم لخطبة تلك المرأة، بينما سنعرف أن هذه البقرة جاءت من عصابة تقوم بسرقة قطعان الماشية بواسطة طائرة شحن، وفي مشهد مستعاد فإننا سنراهم يقومون بسرقة بعض الأبقار ليجابهوا من قبل مزارعين يلاحقونهم ويطلقوا النار عليهم، واثناء هربهم وتحليقهم فإن باب الطائرة لا يكون قد أوصد بإحكام ولتقع منه إحدى البقرات، لتكون من نصيب جون وخطيبته التي تنتهي حياتها بهذه الطريقة العجيبة، لكن ما يحدث في الصين لن يكون بعيداً عن من يعيش في بوينس آيرس، هكذا هي الحياة أيضاً، عجيبة وغريبة!