« الأحفاد » و« واحد صحيح ».. كوميديا سوداء مقابل الميلودراما
لي أن أقول بداية هناك أفلام كثيرة يمكن الكتابة عنها، حسناً إنها عبارة ملتبسة، سرعان ما تصير تبريرية لتناولنا فيلمين هنا، الأول افتتح برنامج «سينما العالم»، أول من أمس، بينما افتتح الثاني برنامج «ليال عربية»، وعليه سنكون بين أميركا ومصر، الأول بعنوان «الأحفاد» جديد الكسندر باين إخراجياً، وجديد جورج كلوني تمثيلاً، ما بينهما نحن حيال فيلم له أن يحقق الكثير عند الحديث عن أوسكارات هذا العام، وكل ما في الفيلم يضعنا حيال بنية تنتمي لتلك الأفلام التي لا تمر مروراً سريعاً، ومن ثم سنمضي إلى فيلم «واحد صحيح» للمصري هادي الباجوري في أولى تجاربه الإخراجية.
مجدداً يقدم جورج كلوني دوراً مهماً، وبكلمات أخرى فيلماً يتمركز حوله بوصفه الشخصية الرئيسة، التي ما لم يكن كلوني مجسداً لها فليس لنا أن نفكر في أحد غيره، ولعل «الأحفاد» ينتمي بامتياز إلى «الكوميديا السوداء» بعيداً عن «الكوميديا العائلية» وإن كان الفيلم يرصد حياة شخصية مات كينغ التي جسدها كلوني بوصفه الأب والزوج لكن بأثر رجعي، إضافة لمضي الفيلم أمام مساحة جغرافية قليلاً ما تظهر على الشاشة الأميركية وهي جزر «هنولولو»، حيث الجميع في سراويل قصيرة وقمصان مشجرة، ويمكن لاجتماعات العمل أن تجرى بهذا النمط من الثياب والأزياء، والبحر موجود على الدوام طالما أن الحديث عن جزر.
دراما الفيلم تتمركز حول اكتشافات مات كينغ حين يعود إلى عائلته، هو الذي كان غارقاً في عمله على الدوام، وريث أراضٍ مترامية الأطراف والوصي عليها، كون عائلته تعود جذورها إلى القرن الـ17 وهي خليط بين المهاجرين وسكان أميركا الأصليين الهنود الحمر، لكنه في الوقت نفسه يعيش حياة متواضعة، يقود سيارة «هوندا» ولا يسرف في شيء، وهناك من يصفه بالبخل، وسبب عودته إلى عائلته هو تعرض زوجته لحادث أدخلها غيبوبة من الصعب التنبؤ إن كانت ستخرج منها.
الفيلم مبني على توليفة متكاملة ومحكمة، وله أن يشكل وثيقة اجتماعية في ملمح من ملامحه تضيء على طبقة اجتماعية أميركية ليس لها إلا أن ترث الأراضي عن الأسلاف، وضمن كل ذلك تضاء مفاهيم كثيرة من خلال مرض الأم، مثلما هو الحال مع استعادة مات كينغ علاقته بابنته الصغرى سكوتي ثم الكبرى الكساندرا، والمشي جنباً إلى جنب مع موت الأم، ووصيتها التي تقول إن عليهم ان ينزعوا عنها الأجهزة إن كانت تعيش عليها فقط، ومع هذا نمضي مع مات وهو يتتبع برفقة ابنته الكساندرا الرجل الذي اكتشف أن زوجته كانت تخونه معه.
فيلم «الأحفاد» مأخوذ تماماً بالتوصيف الذي بدأنا به ألا وهو «الكوميديا السوداء» ما يجعلنا في هذا المرور السريع بالفيلم نقول: إنه فيلم يشبه الحياة التي يتجاور فيها الضحك مع البكاء، بمنتهى الجمال والتناغم.
بالانتقال إلى «واحد صحيح» فإننا سنكون وجهاً لوجه أمام الميلودراما، ولعل فيلم افتتاح برنامج «ليالٍ عربية» في الدورة السابعة الماضية من «دبي السينمائي» كان فيلماً بعنوان «الخروج» لهشام عيساوي في أولى تجاربه الإخراجية أيضاً، وتناول علاقة شاب مسلم بشابة مسيحية لكن في نطاق العشوائيات والمناطق الأكثر فقراً في القاهرة، ولتكون علاقة مسلم بمسيحية واحدة من ملامح فيلم «واحد صحيح».
يتحرك «واحد صحيح» في أجواء طبقة الأغنياء، ويدور عالم الفيلم حول عبدالله (هاني سلامة) الذي لن يكون إلا مهندساً ناجحاً، وشخصية عامة محط إعجاب كثر حوله، خصوصاً من النساء اللاتي سيكن تنويعاً في ما تخاطب كل امرأة منهن لدى عبدالله، فالدكتورة لن تكون إلا مخاطبة لحواس عبدالله، إنها امرأة الشهوات والجنس وبالتالي فإن حلاوة الحب تؤخذ في ليلة واحدة كما في أغنية وردة الجزائرية، ومن ثم تتكرر وعبدالله يقول إنه لم يعاين مثل هذه الأحاسيس من قبل، وإلى جانبه تأتي المذيعة مريم التي لنا أن نصفها بالزوجة المثالية التي تحظى بمساندة أم عبدالله، لكن عبدالله ليس في وارد أن يقع في غرامها وهو يعرف في قرارة نفسه أنها امرأة مثالية، مريم تشارك زميلها كريم في العمل كل مشاعرها تجاه عبدالله، بينما كريم متيم بها على مبدأ أغنية لزياد الرحباني تقول «كل الاشيا الحلوة فيكِ بتعطيها ألو وما ببتعطيني شي إلا انو تبكي عندي لما بتزعلوا»، وصولاً إلى المرأة الثالثة (كندة علوش) في حياة عبدالله، حب حياته الحقيقي، المستعد لخاطر عينها أن يتخلى عن كل شيء، وهي كل النساء في امرأة واحدة، الضائعة منه منذ أكثر من خمس سنوات والتي يصادفها في السينما، لكنها مسيحية وهو مسلم، وهي امرأة ملتزمة بدينها، رغم أن والدها هجر أمها وتزوج امرأة مسلمة، وهي التي اختارت له اسم (عبدالله) حين أسلم، إنها حب حياته المستحيل. دون أن ننسى رابع امرأة في حياة عبدالله التي نحسبها صديقة فقط (بسمة) وهي التي يروي لها عبدالله كل شيء، وهي في الوقت نفسه زوجة أعز أصدقائه وشريكه في العمل والحياة.
ختاماً ومع استعراض ما تقدم من فيلم «واحد صحيح»، فلنا أن نقول، إن عبدالله مركز كل ما تقدم، إنه فيلم عن التباس العلاقات بين رجل ونساء في تتبع لكن ميلودرامي لـ«الآلانية»، نسبة إلى وودي آلان.