عن فيلمي «سأقتلك إن مت» و«ثلاثة أرباع قمر»

امرأة كردية في باريس وطفلة تركية في برلين

فيلم «ثلاثة أرباع قمر» يستثمر المصادفة درامياً. من المصدر

الأكراد في فرنسا والأتراك في ألمانيا، وذلك في فيلمين عرضا أمس في الدورة الثامنة من مهرجان دبي السينمائي، وعلى شيء يدفع بنا إلى تتبع ما تكون عليه العلاقات حيث يكون طرف يجهل طرفاً آخر، وإمكانات التواصل الإنساني التي تضع الانتماءات الثقافية والعرقية جانباً، وتنتصر على الدوام للانساني المشترك، هذا وارد جداً في السينما، وللواقع أن يقول كلمته بهذا الخصوص، طالما أن السينما تريد لهذا التواصل أن يكون على النحو الذي تظهره فيه، وربما هو كذلك، أو عليه أن يكون كذلك!

تتبع ما تقدم سيضعنا أمام موت شاب كردي في باريس وقيام صديقه الفرنسي الذي لم تمض أيام على تعرفه عليه بحرق جثته بدل دفنها، وذلك في فيلم المخرج الكردي العراقي هينر سليم «سأقتلك إن مت» ضمن افلام مسابقة «المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة»، بينما يمسي أكل بذر عباد الشمس ورمي قشوره مباشرة من الفم عادة ألمانية في فيلم المخرج الألماني كريستيان زوبرت «ثلاثة أرباع قمر»، الذي افتتح عروض برنامج «ألمانيا تحت دائرة الضوء».

مع فيلم «سأقتلك إن مت» لن يبدو العنوان جملة ملتبسة أبداً، فمع وقوعنا في بداية الفيلم على فيليب خارجاً من السجن، فإننا سنقع على «أفضل» الشاب الكردي الذي سنعرف أن يتنقل من بلد أوروبي إلى آخر وهو يلاحق أحد ضباط النظام العراقي السابق، سيتعرف فيليب على «أفضل» في حانة باريسية وستنشأ بينهما صداقة تفضي إلى أن يتقاسما كل شيء في ما بينهما، بما في ذلك السكن حين يسأل فيليب أفضل أن ينتقل للسكن معه.

لكن حين يقول فيليب لأفضل «سأقتلك إن مت» فإن ذلك سيكون حين يموت أفضل حقاً، وهو مستقل «الباص» لملاقاة فيليب، هكذا يموت فجأة، وهنا سيكون فيليب المفلس في ورطة كبيرة متعلقة بالدفن وما إلى هنالك من توابع لوفاة رجل لا يعرف شيئاً عنه فيليب سوى أن لديه خطيبة اسمها صبا تنوي اللحاق به إلى باريس. يكتشف فيليب في حقيبة «أفضل» مسدساً ومبلغاً كبيراً من المال، ويبادر إلى استخدام قسم من المال للتمكن من حرق جثة أفضل.

تنقلات سيناريو الفيلم من فيليب إلى أفضل، سينقلنا أيضاً إلى صبا (غولشفته فرحاني) التي ستصل باريس في اليوم الذي يموت فيه أفضل، ستنتظر طويلاً في المطار لكنه بالتأكيد لن يأتي، نحن كمشاهدين نعرف ذلك أما هي فلا! وحينها سينتقل الفيلم إلى تتبع صبا التي ستصبح شخصية الفيلم الرئيسة، ومن ثم سيقوم والد أفضل باللحاق بها حين يعلم بموت ولده، وسيضاف إلى هاتين الشخصيتين، مجموعة من سبعة شبان أكراد أقارب، يبدون كما لو أنهم يشكلون «مافيا» أو ما شابه، وهم يتنافسون على أخذ إعجاب صبا بإظهار كل متطلبات النخوة والوسامة وفي قالب كوميدي.

فيلم هينر سليم يسخر من أشياء كثيرة، والسخرية الكلمة الأكثر دقة من تصنيف الفيلم في اطار «الكوميديا السوداء» ربما في فيلم كوميديا بيضاء، وعلى شيء من رشاقة الأحداث التي تمضي متنقلة من شخصية إلى أخرى، بينما مرطبان كبير يحتوي رماد أفضل سيدفع والد أفضل للبكاء والحنق، ومن ثم ممارسة دور الوصاية على صبا، وقد قرر أن يعود بها إلى أربيل ليزوجها من أخي أفضل.

بينما صبا في دنيا ثانية، وقد وجدت ضالتها في باريس، نعم هي حزينة، لكن سرعان ما يتحول الحزن إلى فرح حين تجد في باريس مساحة حرية من الذكورة المتربصة بها من كل جانب ومكان لتحقيق ذاتها التواقة للتحليق.

بالانتقال إلى فيلم «ثلاثة أرباع قمر» فإن الحديث عن المصادفة بوصفها استثماراً درامياً لا ينضب، بحيث يمكن الركون إليها في هذا الفيلم لجمع ما يفترض أنه لا يجتمع، كأن تلتقي الصرامة الألمانية بالطفولة التركية، وكل لا يعرف لغة الآخر.

يحكي الفيلم عن سائق التاكسي هارتموت الذي سيقل من المطار أماً وابنتها الصغيرة، الأم تتكلم مع ابنتها بالتركية، وحين يتوقف هارتموت عند اشارة ضوئية ويسأله سائق تاكسي زنجي في تاكسي مجاور عن مكان، يقول هارتموت ما معناه يا لهم من سائقين لا يعرفون شيئا عن المدينة، ولتعتبره الأم عنصرياً وتنعته بـ«النازي»، وحين يسألها ان وصفته كذلك تقول الأم إن «نازي» كلمة تركية تعني شيئاً آخر، حتى إن البنت الصغيرة ستقول له عندما يصلا «شكراً سيد نازي» وهي تحسب أن هذا هو اسم سائق التاكسي.

فيلم «ثلاثة أرباع قمر» مبني وفق خط سردي آمن، وفي اتباع لبناء السيناريو الذي سيضعنا مباشرة أمام صراع درامي يتمثل بأن تلك البنت الصغيرة ستتركها أمها لدى جدتها وتذهب إلى بلد آخر للعمل، وفي مشهد تعلم فيه الجدة حفيدتها الصلاة الإسلامية، فإن الجدة تقول لها «افعلي ما أفعله»، فعندما تركع الجدة تركع الحفيدة وفي السجود تفعل الشيء نفسه، لكن سرعان ما تنقلب الجدة وقد ألم بها شيء فتفعل حفيدتها الشيء نفسه ظنا منها أن هذا جزء من الصلاة، لكن الأمر يطول.

حسناً ستدخل الجدة في غيبوبة طويلة، وليس لهذه البنت الصغيرة من أحد، وإلى جوار ذلك سنتعرف إلى عالم هارتموت سائق التاكسي الذي يعيش في بيت جميل يحتوي الكثير من التحف، لديه ابنة تكون في صدد فتح مقهى غريب لا شيء فيه إلا الأحذية.

حين تتسلل البنت الصغيرة من المستشفى ستعثر على هارتموت، وفي اللحظة التي تقفز فيها بسيارته، سيبدأ هارتموت في التورط مع تلك البنت، وهذه الأخيرة لا تعرف حرفاً واحداً من اللغة الألمانية.

سيكون رهان الفيلم على هذه العلاقة، وتسرب تلك البنت التركية إلى حياة هارتموت وهو يعيش هجران زوجته له.

تويتر