مخرجون إماراتيون أكدوا وجود عوائق أمام إبداعهم السينمائي. تصوير: باتريك كاستيلو

الفيلم الإماراتي.. غريب فــــي دور العرض المحلية

ثلاثة مهرجانات سينمائية، اثنان منها يصنفان بأنهما دوليان، هما «دبي» و«أبوظبي السينمائي»، وثالث يوحي اسمه بأنه مظلة للافلام الخليجية، بالإضافة إلى مسابقة عريقة هي «مسابقة أفلام من الإمارات»، ولايزال الفيلم الإماراتي غريباً في دور العرض المحلية، بعد أن انحصرت الأفلام الشابة في فئة الأفلام القصيرة والوثائقية، التي يتم تصنيفها مهرجانياً ضمن الأفلام السينمائية، لكنها لا تحظى بأي فرص عرض حقيقية للجمهور.

المخرجون الإماراتيون أنفسهم، مع توالي دورات المهرجانات التي تعقد ما بين دبي وأبوظبي، بدأوا هم أنفسهم في حوارات مع «الإمارات اليوم» بتقديم ما يشبه كشف حساب ، أشاروا فيه إلى أنهم بحاجة إلى دعم حقيقي، وليس شكليا، وإلى حالة مهرجانية تضيف إلى خبراتهم الغضة كي يستطيعوا أن ينهضوا ببناء لبنة أولى في صرح صناعة دراما إماراتية لم تبدأ من وجهة نظرهم، وتخطي الإصرار على تحويل المهرجانات إلى مجرد تظاهرة كرنفالية، أبطالها فقط هم العابرون على سجادات المهرجانات الحمراء.

تركة هموم

«ليس لدينا مفردات صناعة السينما، وحراكنا لايزال بمثابة هرولة في مكاننا، وهناك إشكالات بالجملة تواجه المخرجين الإماراتيين»، أول تعليقات المخرجة نجوم الغانم، التي قدمت تجربتين هما «حمامة» و«أمل» في دورتي مهرجان دبي السينمائي السابقتين على التوالي، وحصدت عنهما جائزتين، تخلت فيهما عن أدوات الشاعرة التي تلازمها، لمصلحة أدوات المخرجة المهمومة بتفاصيل محلية.

وأضافت الغانم، التي فضلت أن يتم تصنيفها في إطار فئة المخرجين الشباب، باعتبار حداثة تجربتها: «كل المخرجين الإماراتيين شباب ومبتدئون، فإذا كان المعيار هو مدى نضج الخبرة في العمل الإخراجي، فجميعنا تقريباً نحمل تركة هموم قاسية من غياب الدعم، والاهتمام المؤسساتي، وبناء عليه لا يجد المخرج الإماراتي سوى ان يدور في فلك الهواية».

وأضافت الغانم «المهرجانات السينمائية التي تحتفي بعناصر الإبهار الإعلامي ليست هي الوسيلة المثلى لدعم انجاز أفلام إماراتية على مستوى جيد، والأعمال العشوائية التي تقدم كتجارب ذاتية ستبقى مجرد محاولات مترددة وخجولة، ما لم يتم تقديم الدعم الملموس والممنهج للمخرجين الإماراتيين، وأول مظاهر هذا الدعم من وجهة نظري تتمثل في تقديم فرص جيدة لدراسة فنون السينما، بما فيها الإخراج والكتابة السينمائية والإنتاج وغيرها».

ورفضت الغانم الإقرار بأن أحد فيلميها الفائزين بجوائز هو من قبيل الأعمال الاستثنائية، مضيفة «سعيت أن أقدم أفضل المتاح في ضوء عوامل الإنتاج المتوافرة، وهي هموم يشاركني فيها كل المخرجين الإماراتيين الذين لا تتوافر لديهم عوامل انجاز أفلام عظيمة، لأن المهرجانات مع توالي دوراتها غير قادرة على استحداث صناعة سينمائية بقدر ما تؤسس مكتبة متنوعة من الأفلام السينمائية».

ثقة المؤسسات

المخرج الإماراتي حمد الحمادي الذي قدم في أحدث تجاربه فيلما قصيرا بعنوان «آخر ديسمبر»، أكد أن هناك إشكاليات متعددة أمام المخرج الإماراتي عموماً والشاب خصوصا، مضيفاً «سأتجاوز مشكلة التمويل إلى مشكلة اخطر من وجهة نظري، وهي قلة ثقة المؤسسات التي يمكن أن تكون معنية بالسينما مثل المؤسسات الثقافية وغيرها بالمخرجين الإماراتيين الشباب، فضلاً عن غياب دور القطاع الخاص في هذا المجال».

وفي الإطار ذاته، اعتبر الحمادي أن الكتاب الإماراتيين حتى الآن لم يجدوا محفزات لجذبهم نحو الكتابة السينمائية، مضيفاً «هناك ندرة في الكتاب الجيدين، ومع هذه الندرة تبدو الكتابة للدراما التلفزيونية اكثر جذباً واستمالة لهم، وهو أمر بحاجة إلى تدخل واعٍ من قبل جهات يجب أن تمتلك الخطط الكفيلة بتجاوز هذه المعضلة، سواء من خلال التحفيز أو التدريب، وغير ذلك». المخرج الإماراتي الشاب محمد فكري الذي يمثل الفيلم ثلاثي الأبعاد «أطفال» أحدث إبداعاته، أكد أن السينما الإماراتية لم تعد بحاجة بذات القدر لعشرات أو مئات من الأفلام الوثائقية والقصيرة التي تنتج سنوياً، بل هي بحاجة ماسة إلى صناعة أفلام استثنائية معدودة، أو على الأقل فيلم واحد يبقى في ذاكرة الجمهور والنقاد، مضيفاً «لا يمكن أن نعزل التطور السينمائي في مكان ما عن البعد التجاري، وعندما اقوم بعمل يستوعب رأسمال كبيراً يجب أن يكون لدي تصور مسبق لتسويقه، وهنا تبرز خطورة المراهنة على فيلم إماراتي ذي ميزانية كبيرة، لكن يبقى رغم ذلك خوض تجارب محسوبة في هذا الإطار بمثابة خطوة يجب ألا تغيب طويلاً عن أذهان المهتمين بتأسيس سينما إماراتية لاتزال غائبة حتى الآن عن دور العرض».

تقصير إعلامي

المخرج الإماراتي ناصر العقروبي، من جهته، أشار إلى أن الإعلام المحلي لم يقدم الدعم المطلوب منه لمساندة المخرجين الإماراتيين الشباب، مضيفاً «حتى في تظاهرة مهمة مثل مهرجان دبي السينمائي يبقى هناك خفوت في تسليط الضوء على المخرجين الإماراتيين، باستثناء الوجوه المعروفة إعلامياً، وهو ما يعمق إشكالات السينما، رغم أننا، كشباب، قادرون على صناعة أفلام إماراتية متميزة».

صاحب فيلم «رائحة الجنة» المخرج الإماراتي الشاب محمد سويدان، لفت إلى أن المخرجين الشباب قادرون على صناعة أفلام سينمائية إماراتية متميزة، لكن تبقى الإشكالية الأساسية في عنصر التسويق، مضيفاً «الإماراتيون لا يمثلون سوى 15٪ من عدد السكان، وهذا يعني أنك تنتج أفلاما لعدد ضئيل جداً من الجمهور، وفي حال غياب الدعم، كما هو قائم حالياً، سيبدو الأمر بمثابة كارثة، لأنك لن تستطيع مع غياب تخصيص ميزانيات جيدة لصناعة الأفلام أن تنتج أعمالا تحمل مقومات تسويقها للآخر الذي ينتمي لثقافات مغايرة عن ثقافتنا المحلية».

تحدّيات

أجمع عدد من المخرجين الإماراتيين بأن التحديات التي تقف أمام انجاز أفلام إماراتية سينمائية حقيقية وقادرة على جذب الجمهور كبيرة، ولم تقدم المهرجانات السينمائية المتوالية دوراتها حلولاً لها، لكنهم رغم ذلك أكدوا أن تلك الإشكالات أخرت زمن ميلاد صناعة أفلام إماراتية لم تظهر بعد، لكنها لن تعوقهم عن الحاحهم على استيلاد أفلام سينمائية من رحم التحديات المحيطة. وقال الكاتب جمال سالم الذي مزج تجربته الكتابية بأخرى إخراجية: «هناك مشكلة كبرى في تمويل الفيلم الروائي، فرغم أن مهرجان دبي السينمائي يمول الفيلم القصير، لكن من دون شك الساحة بحاجة إلى تقديم دعم حقيقي لأفلام قادرة على الوجود في دور العرض، وهذا لن يكون إلا من خلال دعم الفيلم الروائي، الذي لايزال غائباً بشكل ممنهج حتى الآن». طلال محمود القادم ايضاً من خلفية الكتابة للمسرح من أجل إخراج أفلام سينمائية، أكد أن «طريق الأفلام القصيرة والوثائقية مفروش بالورود، في مقابل تخوف وعدم ثقة بقدرات المخرج المحلي لصناعة فيلم سينمائي طويل»، فيما طالبت المخرجة الإماراتية الشابة سارة العقروبي بخطة واضحة تدعم فيها المؤسسات الرسمية المخرجين الإماراتيين لتجاوز عقبات لاتزال تؤخر حضور الفيلم المحلي في دور العرض السينمائية.

الأكثر مشاركة