ثورة 25 ينـــاير.. الاحتفاء بالصورة والخوف عليها
ذكرى مرور سنة على ثورة 25 يناير، أمس، مدعاة للاحتفاء بالصورة، والخوف عليها في الوقت نفسه، كونها، أي الصورة، حملت ما حملت من بلاغات هذا الحراك الشعبي، التي لها أن تكون الحامل للفعل التحريضي والتوثيقي، بالاتكاء على قنوات التواصل الاجتماعي، ولعل شباب مصر الذين خرجوا إلى شوارع القاهرة في ذلك اليوم كانوا متسلحين بالكاميرا من دون أي شيء آخر، ولتكون الكاميرا أقوى وأشد حضوراً وأثراً من الرصاص المطاطي والحي، ولها أن تكون الأداة الأمثل والأجدى للنضال السلمي الذي تحلى به شباب التحرير.
في المقابل، وفي تتبع لما سبق أن ذكرته مراراً بأن الفيلم صار منشوراً سياسياً، كون ذلك كان حلم غودار في ستينات القرن الماضي، فإن هذه الصورة أوصلت إلى البرلمان المصري من يخاف الصورة ويحرمها، وعلى شيء من المفارقة التاريخية التي تستدعي التوقف مطولاً عندها، ونحن نقرأ هنا وهناك بيانات الفنانيين المصريين، وخوفهم الذي يتصاعد كلما مضت القوى الإسلامية في تطمينهم، كون تلك التطمينات تحمل بين الأسطر ضوابط وعبارات مطاطة لها أن يندرج في ظلها ما هب ودب، كأن يقول الناطق باسم «حزب النور» ان حزبه لا يعارض «الفن الذي يخاطب العقل» لكنه يناهض «الفن الهابط الذي يخاطب الغرائز». بينما يحذر مسؤول ملف الفن في «حزب العدالة والتنمية»، محسن راضي، من المساس بـ«الثوابت».
لكل حزب ما له أن يقوله في هذا الخصوص، لكن للتوضيح فإن تلك التصريحات وإن بدت متسقة مع التطلعات التي تتخذ من الفضيلة معبرا لها، فإن من الحري القول إن الفن كان ومازال الحلقة الأضغف في هذا العالم العربي، ولم يكن يوماً من تحريم أو منع إلا كانت دوافعه سياسية أولاً وأخيراً، وهذا صالح لكل الأحزاب السياسية التي حكمت وتحكم، كون إشغال الرأي العام بموضوع فيلم أو كتاب أو رواية كان ومازال الأداة المثلى لشغله، وإبعاده عما هو أهم ويلامس حياته ومعاشه، وهذه الآلية ناجحة على الدوام في شغل الرأي العام، طالما أن الفن أصلاً لا يحظى بمكانة تليق به في عالمنا العربي.
إن تعريف «الفن الهابط الذي يخاطب الغرائز» خاضع لما تقدم وللمتطلبات السياسية، وهو مجال خصب للمزاودة بالفضيلة بدل حل مشكلات الفقر أو البطالة، أو تجديد الادعاءات الطهرانية حين تتهم جهة ما بأنها تخلت عن مبادئها، وهذا يمتد ليطال «الثوابت» التي لا مجال لتعريفها، ويمكن أن يندرج تحتها كل شيء.
الثورات حول العالم أفرزت على الدوام فناً ثورياً، ليس بالمعنى التبشيري أو الهرطوقي، بل على صعيد الأساليب والمقترحات الجمالية، فلا يمكن الحديث عن «الثورة الروسية» من دون استدعاء ايزنشتين وبودفكين وآخرين، ولا يمكن اكتشاف عمق الأفكار التي حملتها الثورة الطلابية الفرنسية في ستينات القرن الماضي من دون التعرف إلى مقترحات سينما «الموجة الجديدة».
مع الثورة المصرية من الشرعي التطلع إلى فن ثوري والانحياز للتمرد الفني والطروحات والأساليب والأفكار التي تعكس العالم المتغير الذي نعيشه، ولا نعرف إن كان هذا تطلعاً يمت للواقع بصلة طالما أن هناك من يحرم الصورة وقد حللها كما حلل أشياء أخرى من باب «البراغماتية» كما كان يحرم الديمقراطية فإذا بها توصله البرلمان.
بعد الثورة المصرية ظهرت علينا أفلام كثيرة، وربما لا مجال لحصرها، ولا مجال لتوقع ما ينتظرنا في المستقبل، ولعل أبرز تلك الأفلام هو فيلم «18 يوم» الفيلم الروائي الوحيد الذي يتناول ثورة يناير عبر 10 أفلام قصيرة أخرجها 10 مخرجين، وهم شريف عرفة وكاملة أبوذكري ومروان حامد ومحمد علي وشريف البنداري وخالد مرعي وأحمد عبدالله ويسري نصرالله ومريم أبوعوف وأحمد علاء، وإلى جانب هذا الفيلم حضر أول وثاثقي للثورة «تحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي» وقد سبق وقدمنا لكلا الفيلمين، وقد كان لهما الأسبقية فلقيا كل الحفاوة من مهرجانات السينما حول العالم، وصولاً إلى الحديث عن فيلم قادم لإبراهيم البطوط بعنوان «مثل الثورة» من بطولة وإنتاج عمرو واكد، فيما انتهى يسري نصرالله من فيلمه «ريم وفاطمة ومحمود» الذي يضيء على «موقعة الجمل» الشهيرة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news