جديد ستيفن سبيلبيرغ في صالات العرض المحلية

«حصان الحرب».. الســـيف والرمح والجبهات تعرفه

صورة

لست من عشاق ستيفن سبيلبيرغ، وليس هناك ما يغري للانحياز لمقترحه الجمالي المليء بالدهشة والعوالم التي يقتحمها بكل ما أوتي من ضخامة إنتاجية وبصرية، وللدقة، فإنه وأفلامه لا حاجة لهما أصلاً لهذا الانحياز، من دون أن يمنعني أبداً من الدهشة بما يصنعه هذا المعلم الأميركي، ولعل عدم الوقوع في عشق صورته متأت من زاوية رؤية مغايرة للفن، وانحياز للهوامش بعيداً عن المتن الذي شكله ويشكله سبيلبيرغ حسب ما يشاء.

مقدمة مشخصنة، لا تنتوي في الوقت نفسه فرض رؤى خاصة والتقليل من صنيع سبيلبيرغ الاستثنائي في تاريخ السينما، وقدرته التأثيرية في ذائقة البشر حول العالم، وتحويلهم إلى كائنات متعطشة للتشويق والغرائبية على طريقته هو ومن لفّ لفه هوليوودياً.

جديده War Horse «حصان الحرب» المعروض حالياً في دور العرض المحلية، مدعاة للمضي خلف ما يقترحه سبيلبيرغ في جديده، بعد أن قدّم لنا «تان تان» على طريقته أيضاً، بحيث يمكن الحديث عن «تان تان» سبيلبيرغ، الذي أخذ فيه هذه الشخصية وعوالمها إلى عوالمه هو وليس العكس، ولنكون مجدداً في «حصان الحرب» أمام فسحة جمالية لا تقل دهشة عن «تان تان»، لا بل إنها أيضاً تحمل كل ما له أن يكون متعة بصرية خالصة لا يمكن للمشاهد أن يرفع عينيه بسهولة عما يظهر أمامه على الشاشة في فيلم تتكامل فيه كل العناصر، لتضعه في سياق قصة إنسانية جميلة، تدور إبان الحرب العالمية الأولى، تجعل من الحصان وتنقلاته في ربوع أوروبا مساحة لتقديم قصص وشخصيات متنوعة تأتينا مع تنقلات الحصان والمصائر التي تمضي به.

يبدأ الفيلم من لحظة ولادة هذا الحصان الجميل، الذي سيكون بطل الفيلم بلا منازع والرابط الدرامي لكل ما سنعيشه على مدى ساعتين وربع. ولادة هذا الحصان ومن ثم مرافقته أمه، بينما يراقبهما ألبرت (جيرمي ايرفين)، إنها البداية، ولعل شهادة ألبرت على ولادة هذا الحصان، ستكون مصادفة ستؤدي إلى نشوء علاقة خاصة بينهما تأتي من باب المصادفة أيضاً.

والد ألبرت السكير، سيخوض غمار المزاودة على سعر ذلك الحصان، وفي مواجهة مع ليونز (دايفيد ثويلس) دون أن يكون مالكاً لثمنه والذي يبالغ به والد ألبرت، الأمر الذي يحول مزرعة عائلة ألبرت إلى الرهن ما لم يسدد والد ألبرت ثمن ذلك الحصان.

مع ألبرت وإصراره على استبقاء الحصان الذي سيطلق عليه اسم «جوي» سيمضي الفيلم على مسار جمالي خاص، سواء عبر العلاقة بين ألبرت والحصان جوي، وهو يروضه، ويعلمه أن يأتي إليه متى صفر له، وصولاً إلى تمكنه من حرث أرض والده من خلاله، ومن ثم بيعه إلى الجيش حين يجد الأب أنه ما عاد بمقدوره الصمود أكثر بعد أن ينهمر المطر على محصوله الذي يكون آخر أمل له في تسديد ثمن الحصان.

سرد تنقلات الحصان بعد بيعه إلى سلاح الخيالة البريطانية، سيكون سرداً لقصص كثيرة ومصائر مأساوية إبان الحرب العالمية الأولى، والتي لن يجمع بينها إلا الحصان والحرب، ولعل جماليات ما نعيشه مع الحصان وعلاقته مع ألبرت وتلك الوزة التي تنقر كل من يزور بيت ألبرت وعائلته، لن تنقطع مع انتقاله إلى الجبهات، وهنا سندخل مع سبيلبيرغ مساحة يتقنها بامتياز، وسنكون أمام تشكيلات بصرية وبناء مواقع مدهشة للحرب، لنا أن نقع عليها في «إنقاذ المجند رايان» أو «قائمة شندلر»، حيث جحيمية الحرب وقسوتها ستكون معبراً إلى تتبع مصير «جوي» وهو ينتقل من ضابط الخيالة البريطاني الذي يقع في عشق الحصان كما ألبرت، ومن ثم مقتل ذلك الضابط وانتقال «جوي» إلى الألمان، ومع هذا سيكون جوي مرتبطاً ومنقذاً لحصان آخر أسود كثيراً ما سينقذه من مصائر مأساوية، ومن ثم علاقة جوي بالفتاة التي تعيش مع جدها، إلى أن ينطلق وحيداً في الجبهات، ويعلق في الأسلاك الشائكة، وليشكل الأرضية الوحيدة التي يلتقي فيها الجنود الانجليز مع الألمان للتمكن من تخليصه من تلك الأسلاك.

وفي هذه الأثناء سيكون ألبرت قد التحق بالجيش بعد أن كان يود القيام بذلك في اللحظة التي باع فيها والده «جوي» وذلك لكي لا يفارقه، إلا أنه لا يقبل لصغر عمره، وها هو الآن في الجبهة، وليس هناك من شيء يفصله عن البحث عن حصانه ومحاولة العثور عليه.

كل ما تقدم سيكون مبنياً بحيث يمكن الحديث مطولاً عن لقطات ومشاهد تستثمر بهذا الحصان المدهش، الحصان الذي يجر مدفعاً ثقيلاً ويصل به أعلى التلة، الحصان الذي ينفلت ويمضي يركض بين الخنادق وخطوط النار بعد أن أن نكون شهوداً على جحيمها، ومن وقوع هدنة غير متفق عليها بين الخنادق الإنجليزية والألمانية، وجميعهم مشغولون بإنقاذ «جوي»، وحينها سيطلق عليه لقب «حصان الحرب».

بناء الفيلم مـتأسس بعيداً عن الإدهاش البصري، كما لو أنه حكاية للأطفال، وهو كذلك إن عرفنا أنه مأخوذ عن رواية للأطفال، وبالتأكيد كما أفلام سبيلبيرغ فإنه حافل بتمجيد قيم البطولة والشجاعة والوفاء، وكامل العتاد الجمالي الجاهز، الذي يحمل لنا في النهاية عبوراً أكيداً نحو نهايات سعيدة، فرغم وحشية الحرب وجحيمها تمضي أفلام سبيلبيرغ في هذا السياق الذي ينحاز إلى تقديم القيم المجردة وتجسيدها وتفعليها لأن تكون هي المتسيدة لكل شيء، وعليه فإننا سنتعرف إلى فروسية الضباط الإنجليز ووحشية الألمان، رغم تصويره للأخوين اللذين ينقذا جوي والحصان الآخر، إلا أن مصيرهما سرعان ما يكون الإعدام، كذلك الأمر بالنسبة للمسؤول الألماني عن العناية بالخيول، وليكون الخيل في الفيلم وتحديداً «جوي» قادراً على تحريض الخير في دواخل الجنود، ولكن يبقى الشرير شريراً مهما كانت عليه الخيل، ولعل رمز ذلك الشر كان ومازال في هوليوود الألمان، ونحن نتحدث في هذا الفيلم عن الحرب العالمية الأولى، وليس «الثانية» حيث النازية هي الأصلح لهذا الدور الشرير.

تويتر