تساؤلات عديدة يتركها فيلم «ألبرت نوبس» حول التنكر من أجل الحصول على الحقوق. أرشيفية

«ألبرت نوبس».. امرأة في زي رجــل

عندما تتنكر امرأة في زي رجل، أي قهر تعانيه، وأي عقاب تجلبه لنفسها، لأنها في الحالتين لم تعش لحظة حقيقية، الا عندما تقرر أن تنتفض ضد الظلم. بداية قد تكون متحيزة للنساء، وهي تعكس معاناة امرأة من ظلم مجتمع، ليس عربياً هذه المرة بل أوروبي.

أحداث فيلم «ألبرت نوبس» الذي يعرض حالياً في دور السينما المحلية جرت في القرن الـ،19 ويتناول حياة امرأة عاشت في زي رجل لمدة 30 عاماً، لأنها كانت تنتمي الى طبقة فقيرة زادت هموم عائلتها لأنها فتاة. ومن شدة ضعفها تربص بها رجال كانوا يتناوبون على اغتصابها. أصبحت وحيدة، خصوصاً أن في عصرها لم يكن مسموحاً للمرأة العمل، وهي فقيرة، فلجأت الى حالة التنكر في زي رجل لتؤدي دورها ببراعة، حتى أن فتاة اعجبت بها.

متى تقرر ألبرت الصراخ؟ هذا ما يعرفه المشاهد في نهاية الفيلم، حيث الصرخة التي تدوي وتتحدى الظلم والقهر والاضطهاد.

الفيلم الأميركي-الأيرلندي من اخراج رودريغو غارسيا، نجل الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، وبطولة الممثلة المسرحية السينمائية والمغنية غلين كلوز، والممثلة البريطانية جانيت ماكتير.

ومنح مشاهدون علامة راوحت بين سبع و10 درجات للفيلم، معبرين عن تأثرهم بقصة الفيلم وأداء كلوز المميز.

القرن الـ19 بالنسبة للأوروبيين لم يكن عادلاً، خصوصاً مع الطبقة الفقيرة والنساء المنتميات لهذه الطبقة، فقد اختصرت الكنيسة الكاثوليكية حينها دور المرأة الفقيرة، ولم تكن تسمح لها بالعمل إلا في تربية ابنائها وفي أعمال المنزل، لذا آثر الكاتب الروائي، الأيرلندي جورج مور، أن يحول هذه المعاناة عن طريق قصة معاناة امرأة أرادت ان تتحرر بطريقتها لكسب النقود كي تعيش، خصوصاً بعد ان تم اغتصابها اكثر من مرة لعدم وقوف القانون الى جانبها.

قال موسى ايميل (37عاماً) ان «قصة الفيلم مهمة جداً، والأداء للفنانة كلوز متقن لدرجة الإقناع، ولكنني لمست ضعفاً في النص، أو أن حالات التأني لكلوز جعلت من ايقاع النص بطيئاً». وأضاف «ان نرى كيف كانت المرأة في اوروبا سابقاً وكيف اصبحت حالياً هو الأهم، وهو مدعاة لفخر كل النساء اللاتي عانين كي يكتسبن حقوقهن»، مانحاً الفيلم سبع درجات.

أداء مقنع

من اللحظة الأولى في الفيلم ومن شدة ذكاء الأداء، اضافة الى الشكل، لن يحتار المشاهد أمام جنس البرت نوبس، اذ تقنع الممثلة من يشاهدها بأنها رجل بحركاته وبملابسه وبقبعته، إلا من بعض تعبيرات انثوية تتركز في العيون عندما تحتار لأمر ما أو تتذكر شيئاً ما. المشكلة في هذا التغيير أنه فعلاً أصبح جزءاً من حياتها، ونسيت أنها انثى حتى وهي تقصد الحمام مثلاً، هي ملتصقة بالدور لدرجة الإقناع، وهنا تكمن حبكة الفيلم.

إن التغيير الذي ينشد بسبب ظلم أو قهر أو غياب العدالة، ينتج شكلاً غير متوقع، فهي لم تتغير داخلياً بل تلاعبت بأزيائها، وطرحت نفسها رجلاً خجولاً ومسالماً كي لا يسمع صوتها كثيراً وعملت أيضاً على تغليظه قليلاً. وبعد كل هذا استطاعت أن تعمل في فندق كي تكسب النقود باعتبارها رجلاً، واصبحت المفضلة لدى الزبائن الأرستقراطيين. ويظهر في الفيلم مدى الطبقية التي كرستها الدولة، وأحلام هؤلاء الفقراء التي لا تتعدى شالاً تضعه امرأة برجوازية على كتفها يتمنى أن يهديه الرجل الفقيرالى زوجته التي صبرت على فقره.

سهام اللبدي (33 عاماً) قالت «هذا القرن 19 في اوروبا هو ما نعيشه الآن نحن النساء العربيات، حتى لو سمح لنا بالخروج من المنازل والعمل»، موضحة «عندما قررت البطلة أن تتنكر في زي رجل، ليس لميول جنسية لترضي نفسها، بل فعلت ذلك كي تستطيع أن تعيل نفسها، اي لضرورات اقتصادية واجتماعية سببها ظلم القانون حينها». وقالت «نحن أيضا نعاني في الوقت الحالي هذا التمييز، لكن بشكل آخر»، مانحة الفيلم 10 درجات.

تعرضت ألبرت نوبس لاغتصاب من قبل مجموعة من الرجال، والمجتمع الكاثوليكي يرفض ان تعمل المرأة او تنتج او تفكر، فتخفّت وعاشت في زي رجل 30 عاماً.

حال المرأة بالنسبة الى لمياء أحمد (20 عاماً) لم يظهر في حكاية اغتصاب ألبرت وتنكرها في زي رجل فقط «أنا متيمة بالسينما، وأصبحت ابحث دائماً عن المشاهد التي تترك اثرها في نفسي». وقالت «هناك الخادمة التي تعمل في الفندق نفسه الذي تعمل فيه ألبرت، التي احبت رجلاً أوهمها بالحياة الجميلة والتخلص من الفقر، لتكتشف في النهاية انها امرأة فقيرة ومباح انتهاكها ولا ينصفها القانون». وقالت لمياء «الفيلم موجع جداً والأداء فيه رائع»، مانحة اياه 10 درجات.

بدوره، قال عبدالله النابودة (40 عاماً) ان «الفيلم مذهل ويستحق المشاهدة وفكرته عبقرية، حتى إنني حزنت على واقع المرأة الذي كان». وأضاف «التنكر اصبح من حياتها حتى انها نسيت انها امرأة بإرادتها»، مانحاً الفيلم سبع درجات.

الحب والهوية

لم تقف أحلام ألبرت في العمل «نادلة» في الفندق، وأصبحت كونها أمام المجتمع رجلاً محترماً تريد أن تستغل هذه الصفة، فقررت أن تدخل في مشروع مع «زوجة مستقبلية»، وهذه الجزئية تحديداً هي التي تؤكد على تماهي ألبرت مع شخصيتها حتى إنها اصبحت مثل المثل الرائج «كذب الكذبة وصدقها». المشاهد هنا يظل مدهوشاً ويترقب هذه العلاقة «الغرامية»، والى أين ستنتهي مع أن حبيبة «المتنكرة» تلاحظ عليه البرود وعدم حميميته معها، لكنها تُعزي ذلك الى خجله، والأجمل في هذه العلاقة انها لم تشعر المشاهد أبداً بأنها علاقة شاذة وهذا ما أراح كثيرين.

«الحب هو الذي يصنع المعجزات» هذا ما قاله عمر قاسم (32 عاماً). وأضاف «لم أشمئز من علاقة الحب بينهما لأنني أعلم أنها تريد اللعب في الدور الى النهاية، والخلاص يكون بيد حبيبته التي لديها من المعاناة السابقة هي الأخرى الدافع في تقوية حبيبها (المرأة)». وقال «انه فيلم عبقري يكشف المستور عن الحقائق التي يجب الا ينساها المجتمع المتحضر، انه اصبح حضارياً على ظهور من عانى الظلم وذاقه»، مانحاً اياه تسع درجات.

وقال رائد داوود (39 عاماً) ان «الهوية وتمسكنا بها يصنعان المعجزات، فلسنا مضطرين إلى تغييرها كي نمضي وكي نعيش في كذبة، نهاية الفيلم اعجبتني»، مانحاً اياه 10 درجات.

بدورها، قالت ميساء علاوي (35 عاماً) ان «الفيلم مؤثر جداً، وفيه كثير من العبر، والمرأة عانت ومازالت كي تحقق حريتها ومساواتها مع الرجل، وخيار البرت كان شجاعاً في ظل مجتمع يرفض جنسها ويتعامل معه مباحاً». وأضافت «لدينا كثير من القوة التي لم تعط حقها، وألبرت نوبس تعد نموذجاً يحتذى في عصرنا نحن النساء العربيات»، مانحة الفيلم 10 درجات.

عندما اكتشفت الحبيبة جنس حبيبها الحقيقي، والسبب في تنكرها، اعترفت هي الأخرى بأنها اضطرت ايضا الى اتخاذ تدابير فوق طاقاتها كي تستطيع المضي في حياتها، مؤكدة لها أنها يجب أن تحب نفسها وأن تحلم كبقية النساء، فتقف البرت أمام مرآتها كأنثى لأول مرة بعد ثلاثة عقود، تحاول تلمس هويتها التي نسيتها جراء الظلم وغياب العدالة، في نهاية لا يمكن كتابتها لأنها مفتوحة لذهن المتلقي، فهل اصبحت هويتها قوة لديها أم حولتها الى مسخ؟ تساؤلات كثيرة تدور في عقلك وأنت تغادر صالة السينما بعد اشارة نهاية فيلم «ألبرت نوبس».

حول الفيلم

**ترشحت غلين كلوز لفئة أفضل أداء في جائزة الأوسكار.

**تم التصوير في دبلن في أيرلندا.

**تعرض الفيلم لهجوم حاد من قبل نقاد، مستثنين اداء غلين كلوز، واصفين الفيلم بالفكرة العبقرية لنص واخراج ضعيفين.

**بلغت ميزانية الفيلم نحو ثمانية ملايين دولار.

تحقيق حلم

غلين كلوز مع المخرج رودريغو ماركيز.

القصة التي كتبها الروائي الأيرلندي جورج مور، تقررالنجمة غلين كلوز قبل اكثر من 30 سنة مضت، تحويلها الى مسرحية عرضت في برادواي حينها واعجبت الجمهور المسرحي. وكافحت غلين منذ ذلك الحين الى تحويلها الى عمل سينمائي، لكن الصعوبات المالية كانت حجر عثرة، وتعددت المحاولات الى ان تم في 2010 تحديد موعد لتصوير الفيلم الذي شاركت غلين كلوز في تحرير نصه السينمائي وسعت جاهدة بكل ما تملك من اجل تقديمه بأفضل طريقة ممكنة، مع المخرج رودريغو ماركيز ابن الروائي الشهير ماركيز، اذ اعتنى المخرج بتفاصيل الفيلم ودمج الموسيقى والنص والتصوير.

أبطال العمل

جانيت ماكتير

ولدت في نيو كاسل الإنجليزية ودرست في رادا الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية وصارت عضواً بها. كان أول عمل لها هو مسلسل «جولييت برافو» عام ،1985 وظلت تقدم العديد من المسلسلات إلى جانب عدد لا بأس به من الأفلام أشهرها «تيدلاند» عام ،2005 كما أنها تألقت بالمسرحيات التي حازت عنها العديد من الجوائز مثل مسرحية «بيت الدمية» التي نالت عنها جائزة مسرح الدراما لأفضل ممثلة من نقاد مسرح لندن عام ،1996 وجائزة لورانس أوليفييه المسرحية لأفضل ممثلة عام ،1997 وكذلك جائزة توني برودواي لأفضل ممثلة مسرحية في العام ذاته.

يندان جليسون

ممثل وكاتب ومخرج ايرلندي، من مواليد .1955 درس في مدرسة الدراما في لندن في الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية. عمل جليسون في بدايته فى المسرح الوطني الملكي، ومسرح شكسبير غلوب، وشركة رويال شكسبيرفي ستراتفورد آفون. لعب أدواراً فى مسرحيات مثل «الملك لير» و«هاملت». انقطع جليسون عن التمثيل سنوات حيث عاد إلى ايرلندا ليعمل مدرساً فى المدارس الثانوية. في سن الـ34 عاد جليسون مرة أخرى للفن من خلال فيلم «عزيزتى سارة». شارك بعدها في أفلام عدة وأعمال فنية أخرى، منها فيلم «قلب شجاع» و«عصابات نيويورك» و«طروادة».

جوناثان مايرز

ولد عام 1977 في دبلن، ومنذ ان كان عمره ثلاث سنوات حدثت خلافات بين والديه، واضطر الى ان ينشأ في ملاجئ الأطفال، وأمضى وقتاً طويلاً فيها حتى اصبح عمره 16عاماً.

وفي اول مرة كان في احد التجمعات الاجتماعية، اكتشفه احد مكتشفي المواهب، وقدمه لشركة ديفيد بوتنام للانتاج، وشارك من وقتها في عدد كبير من الأفلام والأعمال التلفزيونية.

غلين كلوز

ممثلة أميركية ومغنية وممثلة مسرحية أيضاً. دخلت كلية وليام وماري في جامعة فيرجينيا، واستطاعت أثناء دراستها أن تنمي قدراتها في التمثيل، حيث قدمت مجموعة من الأدوارالمختلفة في المسرحيات. عرفت بأدوارها القوية مثل دورها في فيلم «دانجرس لايسنس» عام .1988 بدأت عملها فعلياً على المسرح في ،1974 وفي السينما عام ،1982 وتم ترشيحها لخمس جوائز «أكاديمي» كأحسن ممثلة، ومجموعة جوائز أخرى كأحسن دور مساعد في أفلامها الأولى. شاركت في العديد من الأفلام منها «ايفنينج» و«نايس لايفز»، واشتهرت كثيراً في دورها في مسلسل «دالماتين»، وحصلت عنه على جائزة «إيمي»، كما رشحت خمس مرات للحصول على جائزة «أوسكار»، وفازت بثلاث جوائز إيمي، وبجائزتي «غولدن غلوب»، وجائزة نقابة ممثلي الشاشة.

الأكثر مشاركة