«واحد صحيح».. «بفكّر في اللي ناسيني وبنسى اللي فاكرني»
يمكن أن توضع كلمة «الحب» هكذا بين مزدوجين، لنقول عنها إنها الكلمة المفتاح في كل ما سنشاهده في الفيلم المعروض حالياً في دور العرض المحلية «واحد صحيح» للمصري هادي الباجوري في أولى تجاربه الإخراجية، طبعاً بكل تعقيدات هذه الكلمة وبساطتها في الوقت نفسه، واحتفاظها على الدوام بذاك السحر المتعلق بتلك الكيمياء العجيبة بين الرجل والمرأة.
فيلم «واحد صحيح» مليودراما عاطفية، تضعنا حيال علاقات اجتماعية متأسسة بين أفراد ينتمون إلى طبقة غنية متعلمة، ليس لها أن تكون إلا البرجوازية المصرية، حيث علاقات الصداقة والحب منفتحة، وغير خاضعة لأي من عوائق التقاليد والأحكام المؤطرة مسبقة الصنع، لا بل إن جميع من في الفيلم يعيشون حياة عصرية، كما أن الفيلم يتحرك في فضاء أمكنة الأثرياء بين المكاتب والبيوت الفاخرة أو الفلل وأماكن السهر من نوادٍ ليلية ومطاعم وحانات فخمة، وغير ذلك من عوالم متأسسة لتلبية احتياجات نمط عيش حر ومرفّه.
نعود إلى الأحداث، وللدقة عليّ أن أقول «العلاقات» بدل «الأحداث»، فالفيلم أولاً وأخيراً ليس إلا تمركزاً حول عبدالله (هاني سلامة) والعلاقات المنسوجة معه، المتشابكة والمتشعبة والتي سرعان ما ستتضح وينفرط عقدها في النهاية، فهو شاب ناجح، وله أن يكون شخصية عامة ما لم نقل «سوبر ستار»، ولعل أغنية وردة «في يوم وليلة خدنا حلاوة الحب كله» التي تتردد في الفيلم حين تنشأ علاقة بين عبدالله وتلك الدكتورة المتزوجة، والتي يكون زوجها مثلياً، ستدفعني الى الاستعانة بالأغاني لتسليط الضوء على الكيفية التي تم التأسيس فيها للعلاقات التي تشكل رهان الفيلم الأساسي وربما الوحيد!
الدكتورة سابقة الذكر لن تكون إلا مخاطبة لحواس عبدالله، إنها امرأة الشهوات والجنس، وبالتالي فإن حلاوة الحب تؤخذ في ليلة واحدة، ومن ثم تتكرر وعبدالله يقول إنه لم يعاين هكذا أحاسيس من قبل، وإلى جانبه تأتي المذيعة مريم التي لنا أن نصفها بالزوجة المثالية، والتي تحظى بمساندة أم عبدالله، لكن عبدالله ليس في وارد أن يقع في غرامها وهو يعرف في قرارة نفسه انها امرأة مثالية، مريم تشارك زميلها كريم في العمل كل مشاعرها تجاه عبدالله، بينما كريم متيّم بها على مبدأ أغنية لزياد الرحباني تقول: «كل الاشيا الحلوة فيكِ بتعطيها ألو وما بتعطيني شي إلا انو تبكي عندي لم بتزعلوا»، وصولاً إلى المرأة الثالثة (كندة علوش) في حياة عبدالله، حب حياته الحقيقي، المستعد لخاطر عينها أن يتخلى عن كل شيء، وهي كل النساء في امرأة واحدة، الضائعة منه منذ أكثر من خمس سنوات والتي يصادفها في السينما، لكنها مسيحية وهو مسلم، وهي امرأة ملتزمة بدينها، رغم أن والدها هجر أمها وتزوج من امرأة مسلمة، وهي اختارت له اسم «عبدالله» حين أسلم، إنها حب حياته المستحيل.
وفي مواصلة الأغاني يمكن اعتماد أغنية محمد عبدالوهاب «بفكر في اللي ناسيني وبنسى اللي فاكرني» كسطر ناظم للعلاقات التي نتعرف اليها في الفيلم، دون أن ننسى رابع امرأة في حياة عبدالله والتي نحسبها صديقة فقط (بسمة)، وهي التي يروي لها عبدالله كل شيء، وهي في الوقت نفسه زوجة أعز أصدقائه وشريكه في العمل والحياة.
فيلم «واحد صحيح» يقترح مقاربة نقدية تعتمد على الأغاني بدل النقد، والشعور بأن الفيلم كما يشاهد المرء مئات الأفلام وتفارقه ويفارقها المشاهد بمجرد مغادرته مقعده في صالة السينما، مستعيداً هنا ما يقوله انطونيويني: «لابد من وجود سبب لكل فيلم»، الأمر الذي يتعثر العثور عليه مع «واحد صحيح».