المرأة المصرية وظل الرجل الطويل

ينحاز التوثيق للثورة المصرية في «كلمات الشاهدة» و«ظل رجل» إلى التحليل والاستنطاق أكثر من الحفظ والتسجيل، وهما السمتان اللتان هيمنتا على أفلام وثائقية كثيرة تولت رصد تلك اللحظة التاريخية، في تمركز حول الـ18 يوماً التي أفضت إلى سقوط حسني مبارك، وعلى شيء من الاحتفالية، وليجد «كلمات الشاهدة» للأميركية المصرية مي اسكندر معبره من خلال صحافية مصرية شابة اسمها هبة عفيفي لم تتجاوز الـ25 من عمرها، بينما يمضي «ظل رجل» للإنجليزية المصرية حنان عبدالله في تتبع مصائر أربع نساء مصريات من أجيال وخلفيات اجتماعية مختلفة.

الفيلمان عن المرأة المصرية أولاً، التي لم تحظ من مقاعد برلمان مصر ما بعد الثورة إلا بـ11 مقعداً، كما أن الانشغال بأحداث الثورة وحيثياتها وتطلعاتها حاضر بقوة في «كلمات الشاهدة» من دون أن يكون كذلك في «ظل رجل» المنشغل تماماً بالشخصيات التي يقدم لها ومصائرهن في ظل مجتمع ذكوري يدفع لتبني المثل الشعبي «ظل راجل ولا ظل حيطة» المأخوذ عنه عنوان الفيلم.

يمر «كلمات الشاهدة» على أحداث 25 يناير مروراً مكثفاً مع بداية الفيلم، ومن ثم يمضي في تعقب بطلته هبة عفيفي، التي تمثل بدورها جيلاً مصرياً أطلق هذه الثورة، فهي صحافية مستجدة في النسخة الانجليزية من جريدة «المصري اليوم»، تنتمي للطبقة الوسطى، محجبة لكن بحجاب مودرن، ليبرالية في آرائها السياسية، تمارس حريتها ونشاطها السياسي بحماسة كبيرة دون عوائق، وعلاقتها مع عائلتها قائمة على الإيمان بما تقوم به، بما في ذلك اعتصامها في ميدان التحرير، وأمها لن تمنع نفسها في الفيلم من التعبير عن مشاعر الخوف التي تكبدتها عندما كانت هبة معتصمة وهي تقول ذلك لابنتها التي يراودها شعور بضرورة توجهها إلى ليبيا لمعاينة ما يحدث هناك.

الرهان الوثائقي الناجح للفيلم يأتي من تقديم الحياة الطبيعية لهبة كما لو أن الكاميرا لا ترافقها، أو أن فعل المشاهدة ليس إلا مرافقة لما تقوم به هبة خارج الفيلم، وبالتالي فإننا سنقع عليها في البيت والشارع والعمل، ونتعرف إلى أختها غير المهتمة بالسياسة، وأمها حاضرة على الدوام تساندها وتشاركها ما تقوم به بما في ذلك قيام هبة بإنشاء حساب خاص لأمها على «فيس بوك»، بحيث تنغمس فيه الأخيرة وتنشط سياسياً عليه.

المضي مع عفيفي ومعاينتها عن كسب، سيكون بعد سقوط حسني مبارك، وعلى شيء من تتبع التحديات والمصاعب التي تواجه عفيفي وبالتالي جيلها في تحقيق ما تتطلع إليه من تأسيس لوطن التعددية والديمقراطية، وهكذا سننتقل معها من مشكلة إلى أخرى، وكل ما أمامنا يقول إن هناك الكثير مما يجب القيام به، إذ إن التحقيق الصحافي الذي تنغمس فيه عفيفي في بداية الفيلم عن مصير المفقودين أثناء الثورة المصرية لن يقودنا في النهاية إلا إلى الصدام مع حكم العسكر، وعلى شيء يحول الفيلم إلى المخاطر والمآزق التي تترصد المستقبل المصري.

سيصل فيلم مي اسكندر في النهاية لاستفتاء على تعديلات الدستور المصري، بالمقابل ستقول لنا بدرية المرأة الصعيدية الجميلة في فيلم «ظل رجل» إنها لم تشارك بهذا الاستفتاء والسبب ولادة بقرتها. بدرية واحدة من النساء الأربع اللواتي يظهرن في فيلم حنان عبدلله، ونحن نتعرف إلى بدرية تعمل دون توقف، موزعة بين الأرض والبيت والأولاد وتربية الدواجن، وقد كانت تحلم بأن تدرس الفن التشكيلي، وهي تسرد علاقتها بزوجها التي ما عادت كما كانت من قبل، وإلى جانب بدرية تحضر وفاء المرأة الستينية التي تكره الرجال بعد فشل زواجها وطلاقها، وقد سافرت إلى لندن وعملت في غسيل الثياب، بينما نعايش سلسلة طويلة من علاقات الخطبة الفاشلة مع سوزان الثلاثينية المستقلة مالياً من خلال المتجر الذي تملكه وتديره في مصر الجديدة، وصولاً إلى شاهندة الناشطة السياسية الخمسينية أرملة شهيد الفلاحين صلاح حسين الذي اغتيل عام 1966 في دلتا مصر، والتي تمضي على خطاه وتواصل طريقه في نضالاتها في مناصرة حقوق الفلاحين.

سيجتمع الماضي والحاضر والمستقبل في الفيلم من خلال تلك الشخصيات النسائية، ولعل عوالم كل واحدة منهن وما تمثله ستشكل إضاءة عميقة وحصيفة للواقع المصري، لكن في امتثال تام لعنوان الفيلم، وترك ما هو خارج علاقة كل واحدة منهن بالرجل عائماً دون توضيحات، وإن كنا نريد للأمر أن يكون متصلاً مع ثورة يناير، فيمكن القول أيضاً إن حال المرأة أحد المحددات الرئيسة للمنجز الثوري الذي عليه أن يتحقق ويجعل من عنوان الفيلم عبارة لا معنى لها، أي أن وجود الرجل في حياة المرأة ليس له أن يكون أساسياً ومفصلياً كما هو في الحالات التي قدمتها حنان عبدالله، وعلى التغيير أن يكون تغييراً عميقاً في البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع، الأمر الذي تجمع عليه النساء في نهاية الفيلم في تأكيدهن على أن الثورة كانت حتمية لكنهن كما سيغلب على إجابتهن لا يأملن كثيراً بأن يكون المقبل خارج ظل الرجل الثقيل عليهن.

الأكثر مشاركة