«في أحضان أمي».. البحث عن حقيقة أيتام العراق

صورة

ينبني الفيلم الوثائقي على حقيقة مفادها أن الأحداث المسجلة في فيلم وثائقي، ما عدا ربما المقابلات، لها حياتها الخاصة التي كانت ستقع بشكل طبيعي بغض النظر عن حضور طاقم الفيلم أو غيابه، وهذا ما يمكن من خلاله مقاربة فيلم الأخوين العراقيين محمد وعطية الدراجي، المعروض في الدورة الخامسة من مهرجان الخليج السينمائي ضمن برنامج «أضواء».

الحياة الخاصة السابقة لتصوير هذا الفيلم الوثائقي تتمثل بدار أيتام في بغداد، له أن يكون معبر المخرجين لتوثيق عراق اليوم، لكن عبر تتبع مصير هذه الدار، والتمركز حول قضية الأيتام المتنامية بقوة في بلد لم يعرف الاستقرار، ويمكن للموت أن يكون حاضراً على الدوام، وبالتالي فإن نمواً مطرداً في أعداد الأيتام العراقيين سيكون أمراً وارداً بقوة.

يبدأ الفيلم مع الاستاذ هشام صاحب دار الأيتام الخاصة سابقة الذكر، وهو في سيارة سرعان ما تتوقف وينزل منها ليحادث طفلين مشردين محاولاً إقناعهما بالذهاب معه إلى دار الأيتام، على اعتبار الدار أفضل لهما من الشارع.

سيسعى الفيلم إلى التركيز على طفل من الأطفال الـ32 المكدسين في دار الأيتام الخاصة بالاستاذ هشام، هذا الطفل اسمه سيف، لا يعرف أباه ولا أمه، لكن يصبح عدائياً حين ينادي زملاءه باسم «مجودة» على اعتباره اسم أمه، كما يحضر في الوقت نفسه فتى اسمه محمد وائل يكون بطلاً في الغطس يعيش في المأتم، لكن ومع إيلاء هذين الشخصين مساحة من الفيلم، يبقى الاستاذ هشام الشخصية الرئيسة في هذا الفيلم، والذي سيكون متمركزاً أولاً وأخيراً حول معاناته في مواصلة ما قام ويقوم به في دار الأيتام الخاصة به، والتي يعيش من خلالها مآزق مالية نتعرف إليها من البداية وهو لا يملك إلا 200 دولار، ويدور على المحال التجارية ليجمع تبرعات، وصولاً إلى مأزق الفيلم المتمثل بعدم تمكن هشام من سداد إيجار العقار الذي تشغله دار الأيتام.

يستنطق الفيلم الواقع من خلال معاناة هشام قبل أي شيء آخر، وتأتي بنيته المونتاجية مرتبكة تأخذ المادة التسجيلية وتمضي به نحو تكرار المأزق نفسه، فنحن حيال رجل مساعيه نبيلة لكنه يجابه بواقـع مرير يتحالف كل شيء ضده، فهو مُصرّ على مواصلة مساعيه ولا يقبل بأن يؤخذ الأولاد إلى دار الأيتام الحكومية التي يصفها بالكارثة من دون أن نطل عليها.

الفيلم مؤسس على بنية درامية، أي أننا نعيش مع هشام معاناته، فدار الأيتام نفسها لا تحمل أي شرط من شروط وصفها بذلك، سوى أنها تحمي الأطفال من التشرد وتؤمن لهم الطعام، فهو في ورطة مالية تتصاعد وتصل الذروة الدرامية مع طلب صاحب العقار الإخلاء، وانعكاس ذلك على سيف والأطفال، مع تخلل ذلك لحظات سعادة مثل اللعب والمسرحية التي يتدرب عليها الأطفال، ولنكون في النهاية مع تعزيز كل ذلك بمشاهد ولقطات مركبة لها أن تكون شديدة الوطأة حين يكون الفيلم وثيقة، لا بل إن تقطيع اللقطات في كثير من الأحيان يقول لنا إن اللقطة أو المشهد مصنوعان، واضرب مثلاً، فحين يأتي صاحب العقار يسأل الاستاذ هشام أن يخلي خلال أسبوع، تصور الكاميرا ما يجري أمامنا من خلف نافذة ذات قضبان يقف عليها سيف، ومن ثم قطع إلى لقطة من تحت تصور سيف وهو مازال واقفاً على النافذة، ومن ولد يركض يقول «سيف يتعارك» قطع فإذا بمشهد عراك وهكذا، والذي لا أجد إلا إعادة بناء للأحداث وفق توجيهات المخرج ونحن نتكلم عن وثائقي أي ما ينتمي إلى سينما الحقيقة، الحقيقة التي يجب أن تظهر علينا من دون أن نشعر بأن ما نشاهده يكون مفتعلاً، ثم إن أسوأ ما يمكن أن يلحق بالوثائقي هو ألا نتمكن من التقاط البشر كما هم من دون كاميرا، بمعنى أن البشر دائماً سيمثلون متى شعروا بتواجد الكاميرا، وهنا يحضر دور المخرج الذي يسجل إلى ما لا نهاية للوصول إلى حقيقة ما نراه، وليس افتعاله، كما ثلاثة أرباع فيلم في «أحضان أمي».

تويتر