«1984» وتلك الألعاب القاتلة لا تقتل شيئاً
لا يسعى المجاز إلا ليبقى، وليمسي مرور الزمن معبراً لترسيخه، ولعل الحديث هنا على اتصال بما يمكن للخيال العلمي أن يصنعه حين يكون على اتصال بقراءة حصيفة للواقع، إذ إنه وحين يكون كذلك يتحول إلى شيء يتحقق، وهنا تكون «الطوباوية» ليست حلماً بمدينة فاضلة أو «يوتوبيا»، بل إن ما يبدو خيالاً يصبح إمكانية بحد ذاته، فمع رواية «1984» التي كتبها جورج أورويل عام 1948 وقد قلب 48 فصارت 84 يمسي ما تحمله الرواية مجازاً لما عاينه أورويل من الستالينية، حيث البشر تحولوا إلى أدوات لا تمارس شيئاً سوى تقديم الولاء والطاعة للأخ الكبير الذي ليس إلا الديكتاتور ومعها فروض الكره للعدو.
لن أخوض في تقديم عرض في الرواية، إذ يكفي العودة سينمائياً لما قدمه مايكل رادفورد حين اقتباسه لرواية أورويل عام ،1984 ولعل الحديث هنا على اتصال بقراءتي لفيلم «ألعاب الجوع»، كون هذا الأخير ضيّع فرصة أن يكون وفياً لما حمله من أجواء لها أن تكون مستقبلية فإذا بها «فانتازية» لا بل تزينيية، فأنا وطيلة مشاهدتي الفيلم كنت انتظر ما الذي سيقول لنا هذا الفيلم إن تعلق الأمر بقراءته المستقبلية، فإذا به يخون تماماً ما يفترض أنه جاء ليقوله، وإن كانت الفكرة متمثلة بطبقة الأسياد التي تفرزها الرأسمالية المتوحشة، وما يتحول إليه الإنسان من عبودية تتمثل بخدمته لتلك الطبقة، فإنه سرعان ما سيخون كل ذلك وينحاز إلى كل ما يسأله الترويج أن يفعله، لا بل إنه سيكون مثله مثل أي فيلم «أكشن» تستعمل فيه السكاكين والقوس والنشاب بدل الأسلحة النارية ومن ثم تنشأ فيه علاقة حب والسلام، وحين أتحدث عن التزيينية فإنني أقصد بالسؤال إن كان إزالة كل ما سبق خوض المتسابقين غماره سيؤدي إلى تغيير شيء في أحداث الفيلم؟ والإجابة بالنفي مؤكدة درامياً.
يصلح فيلم «ألعاب الجوع» ان يكون إجابة حصيفة عن المؤثرات السلبية لشباك التذاكر على ما ينتج من أفلام، وما يمكن أن يقوم به صانع الفيلم تحت تأثير مسعاه في فيلمه هو في الذات إن كان المطمح الربح غير الحلال سينمائياً، ولعل بدايتي مع «1984» ليس إلا من باب التذكير بفيلم تتزايد قيمته كلما مضى الزمن أكثر، لا بل إن الأخ الكبير والحياة التي يعيشها وينستون سميث في خضم الحكم الشمولي الذي يرمز به أورويل إلى الفترة السوفييتية والستالينية تحديداً، لها أن تصير في وقتنا الحالي هجاء حصيفاً للرأسمالية التي حولت الإنسان إلى مجرد رقم، والحياة تمضي وفق مؤشرات الأسهم في البورصة التي ما إن تهبط أو تصعد حتى تقرر مصائر ملايين البشر، فهنا ومع أورويل يمكن الحديث وفق معطيات العصر الحالي عن «الإنسان ذي البعد الواحد» الذي صنعته الرأسمالية حسب ماركوز، وهكذا يعود المجاز مجدداً ليصحو وفق معطيات مستقبلية.