«مارلي» فيلم وثائقي يصور جوانب من حياة بوب مارلي. أرشيفية

«مارلي».. يروي سيرة أيقونة المـــــــــوسيقى والحرية

أكسب انتماء بوب مارلي إلى حركة الحقوق المدنية بعداً أخلاقياً واحتجاجياً، وفر له مكانة بارزة ليس كونه كاتب أغنيات ومغنياً فحسب، بل كونه ناشطاً فاعلاً في تكريس أدبيات العدالة الاجتماعية، التي كانت في أيدي مشرعين ومنفذين، تحدثوا بإفراط عنها، لكنهم حاولوا تعطيلها.

ورغم تأثير مارلي في أغنياته العاطفية، إلا أن أغنياته التي اكتسبت بعداً سياسياً واجتماعياً، وظلت العلامة الفارقة التي كرست أسطورته بوصفه مغنياً وشاعراً، مع فارق إضافي عن بقية المغنين والشعراء، إذ إن موسيقى الـ«ريغي» التي اعتمدها علقت في وجدان، حتى أولئك الذين وفدت إليهم.

بهذا الإيقاع الكاريبي قدم أغنيات لا تنسى «لا امرأة.. لا دموع»، و«أنا قتلت المأمور». إنه شاعر وملحن، شارك في صياغة وجدان أجيال، كانت بعض القوى تريد لها أن تؤمن «بشرعنة» العدوان على الإنسانية.

هذه مقدمة تحكي عن بوب مارلي الذي لقب بالأسطورة الثورية في فيلم وثائقي مدته ساعة و44 دقيقة، حمل عنوان «مارلي»، تجسدت شخصيته من خلال شهادات من عائلته.

الفيلم من إخراج كيفين ماكدونالد، ويعرض حاليا في دور السينما المحلية، ومنحه مشاهدون العلامة التامة، اي 10 درجات من ،10 متفقين على أن «بوب مارلي وموسيقاه وكلماته أيقونة للحرية والعدالة الاجتماعية».

بداية مؤلمة

في بداية الفيلم الوثائقي يعلم المشاهد انه أمام حكاية حقيقية، ويكشف ما غيبه الإعلام والكتب من سيرة المغني الذي وصل إلى ملايين المستمعين في العالم، ومنذ اللحظة الاولى من الفيلم الذي ارتأه المخرج ماكدونالد ان يكون في بافاريا عام ،1981 حيث يظهر مارلي المصاب بالسرطان وهو يتلقى علاجه على يد طبيبه الالماني جوسيف، شاحب الوجه وهزيل الجسد وفي عينيه حلم بالحياة.

تقول منيرة علي (40 عاماً)، بعدما شاهدت الفيلم، «ترعرعت على اغاني بوب مارلي، وعرفت أن الموسيقى اداة شعبية لنشر الحلم والحرية». وتضيف «تعبت عند مشاهدتي الفيلم، خصوصاً في المشهد الأول، لكني أيقنت ان الحقيقة وراء هذا الأسطورة ستظل سراً إلى الأبد».

في المقابل، يقول نور شواف (28 عاماً)، ان «صناعة هذا الفيلم في الوقت الحالي تتناسب مع ربيع الثورات العربية التي تعيشها اقطار عربية عدة، فموسيقى مارلي تنبذ كل ما هو ضد الإنسانية».

ويضيف «حاول ماكدونالد في المشهد الأول ان يعطي مبرراً صحياً لسبب وفاة بوب مارلي المبكرة، وعلى الرغم من شدة تأثير المشهد المؤلم، إلا انه كان ضرورياً، خصوصاً أننا أمام فيلم وثائقي».

بوب مارلي حسب، نور شواف «التقط معنى معاناة السود الذين كان يوصفون بالزنوج، من خلال وعيه بنضال حركة الحقوق المدنية بقيادة مارتن لوثر كينغ في الستينات».

وكان المخرج ماكدونالد عثر على الممرضة التي كانت ترافق بوب مارلي خلال تلك الفترة، فتخبر تلك العجوز باللغة الألمانية عن ذلك الرجل «ابتسامته النقية اللطيفة لا انساها ما حييت، فقد كنت برفقته، وحتى آخر أيام حياته ظل مبتسماً».

وعن هذه الشهادة، تقول زينب المولى (39 عاما) ان «شهادة العجوز التي رافقت مارلي كانت من اصعب الوثائق التي اردت معرفتها، فهي المرافقة له في فترة مرضه، وليس في مرحلة نجاحه، أي في مرحلة ضعفه». وتعلق على صفته اذ كان مبتسماً طوال حياته، ان «مارلي فنان حقيقي، وهو بابتسامته الدائمة يعبر عن راحة داخلية كان يشعر بها، لأنه قدم فنه على أكمل وجه».

قوة السرد

الأشخاص الذين اختارهم المخرج كي يحكوا عن مارلي كانوا جزءاً من حياته، لكن قوة السرد التي اعتمدها وحركة الكاميرا أعطت بعداً حميمياً للكلمة التي تقال بحق مارلي الذي توفي عام 1981 عن عمر ناهز 36 عاماً.

يروي باني ويلر، وهو أحد آخر الأعضاء المؤسسين لفرقة «بوب مارلي آند ذي ويلرز»، والذي مازال على قيد الحياة، جانباً من سيرة مارلي، ويسترجع بصراحة نهاية تعاونه مع مارلي عام .1973

مارلي الذي كان لديه 11 ولداً من سبعة نساء، تحكي زوجته ريتا عن قصة حبها غير العادية، وصبرها على تداخل علاقات مارلي وانشغالاته.

هداية أحمد (38 عاماً) تقول «أعمل في مجال الموسيقى، واعتمدت موسيقى مارلي في كثير من مشروعاتي»، مضيفة بعد مشاهدتها الفيلم «ان تكون أمام قصة مارلي بطريقة مختلفة عن كل ما قيل عنه، تحتاج الى جرأة ، خصوصاً أنها تكشف جوانب ليست معلنة للعامة من قبل».

وتبين ان ريتا زوجة مارلي بررت لمارلي سلوكياته التي لا تنحاز دائماً إلى الحب، لكنها تقول «أي قدرة لرجل بكل هذه الانسانية ان يكون قادرا على خيانة زوجته، لولا أنه لم يجرحها أو لم يشعرها بذلك»، مضيفة «في هذه الجزئية شعرت بالغصة، فالأمور لا تتجزأ لدي، لكنه يبقى مارلي اسطورة الموسيقى».

كل تلك الروايات التي دخلت فيها آراء سياسية ايضا لم تعنِ شيئاً للمخرج الذي قال «أحد أبرز الجوانب في أسطورة بوب مارلي يكمن في أصله الخلاسي. فهو لم يكن من البيض ولا من السود»، مضيفا انه «شعر دائماً بأنه مختلف»، حسب ما قالته زوجته أيضاً.

بدورها، تقول مروة خليل (35 عاماً)، «تألمت من جزئية خيانته زوجته التي وقفت معه في كل مراحل حياته، وتألمت لرضوخها، لكنها في الفيلم بدت قوية، فجعلتني أحتار في أمر مفهوم الخيانة أصلاً». وتضيف ان «الأفلام الوثائقية تقربنا الى حياة أناس يعنون لنا الكثير، لكنها تكشف حقائق جديدة وربما غريبة، نحن في غنى عنها، وربما تشوش صورة مطبوعة في ذهن المشاهدين عن شخصية محبوبة»، مؤكدة «أكره الأفلام الوثائقية، لكنني أحب بوب مارلي».

أغنيات

بين أغنيات «لا امرأة.. لا دموع»، و«حجر الزاوية»، و«أنا قتلت المأمور»، سيرة حياة كاملة لبوب مارلي، الذي عبر عن آرائه من خلال كتابته الأشعار وتلحينها وغناءها. وكان يقدم حفلاته في الشوارع وفي الأماكن العامة، وأمام مكاتب المسؤولين. كان يريد للموسيقى أن تكون لغة عالمية، وسلاحاً في وجه كل من يهدد الإنسانية، اذ كان ينبذ العنصرية والطائفية والعرقية، وكان يحاول من خلال ما قدمه أن يقول نحن بشر وهذا يكفي.

تأتي أغنيته التي تحمل عنوان «حجر الزاوية» إيحائية، إذ تقول «الحجر الذي رماه البناؤون تحول إلى حجر زاوية»، في كلام مقتبس من الكتاب المقدس.

ويرى مخرج فيلم «مارلي»، ماكدونالد، أن مارلي الذي لطالما اعتبر نفسه مهمشاً، يفسر من دون شك جزءاً من هالة المغني الذي تم تبجيله من جامايكا في إفريقيا مروراً بأوروبا والولايات المتحدة، بحسب ما تظهره قائمة الصور والملصقات والشعارات والشهادات في نهاية الفيلم الوثائقي.

حول إنتاج الفيلم

كان من المقرر أن يقوم مارتن سكورسيزي بإخراج فيلم «مارلي» عام ،2008 لكنه ترك الفيلم بسبب تضارب المواعيد مع أفلام أخرى، ثم جاء جوناثان ديم عام ،2009 من أجل إخراج هذا العمل، لكن الخلافات المستمرة بينه وبين المنتج ستيف بنغ جعلته يتراجع عن إخراج الفيلم، حتى جاء أخيرا المخرج كيفين ماكدونالد، وأخرج العمل العام الجاري.

تعاون ماكدونالد لإنجاز عمله هذا مع عائلة المغني والمؤلف مارلي، التي قدم عدد من أفرادها شهادات عدة في الفيلم، بحيث تأتي سيرة دقيقة لمؤلف «جامينغ»، و«نو وومان نو كراي»، و«إكزودوس».

وفي إحدى المقابلات، قال ابنه البكر زيغي، وهو أحد المنتجين المنفذين للفيلم، «أعمال كثيرة تناولت بوب ماولي، لكن، ما أعتبره مهماً في هذا الفيلم، هو أنه يقدم إلى الناس مقاربة مثيرة للعاطفة، تتناول حياته كرجل، وليس فقط رمزاً للريغيه أو شخصية أسطورية».

المخرج

ولد الكاتب والممثل والموسيقي كيفين هاميلتون ماكدونالد في مونتريال، كيبيك عام ،1961 وقد تخرج في كلية (هامبر)، وهو يمتلك حساً كوميدياً أهله للعمل كفريق واحد مع ديف فولي.

في عام 1984 دمج فريقه مع فريق آخر خاص بالكوميديا. وقد بدأ حياته الفنية ممثلاً ومؤلفاً بمسلسل (ذه كيدز ان ذه هول) عام ،1988 واستمر حتى عام ،1995 ومن أفضل أفلامه فيلم الرسوم المتحركة (ستيتش آند ليلو) عام .2002 وماكدونالد مشهور عالمياً، لاسيما فيلم «وان ديي إن سبتمبر»، الذي حاز عليه جائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي عام .2000

كليك

بلغت براعة مارلي الإبداعية، موسيقياً وشعرياً، حداً وفرت له مكانة مرموقة بين ما يطلق عليهم في الغرب، أساطير الغناء والشعر، وفي مقدمتهم بالطبع الشاعر والمغني الأميركي بوب ديلان، الذي احتل المرتبة الأولى في قائمة أعظم كتّاب الأغنية، ليأتي في المركز الثالث مارلي، ويفصل بينهما مؤسس فرقة «البيتلز» البريطاني جون لينون، وفق استطلاع أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عام .2001

لاتزال موسيقى بوب مارلي تواصل الانتشار عالميا رغم مرور ربع قرن على رحيله في 11 مايو ،1981 بل إن موسيقاه التي تسمى الـ«ريغي» تزداد شعبية يوماً بعد يوم. فقد بِيع من ألبوم بوب مارلي «أسطورة» وحده أكثر من 12 مليون نسخة، أي ما يعادل 180 مليون دولار، وذلك حصيلة ألبوم واحد في الولايات المتحدة فقط.

 بوب مارلي قبل الشهرة

روبرت نيستا مارلي (بوب) ولد في السادس من فبراير ،1945 في قرية سانت آن، شمالَ جامايكا. كان والده الكابتن نورفال مارلي 1895 ـ ،1955 وهو ضابط بحري بريطاني (أبيض)، في الـ50 من العمر تزوج الجامايكية «السوداء» سيديلا بوكر ذات الـ18 ربيعاً. وقبل أن يتم بوب عامه الأول، اضطر الكابتن نورفال إلى هجر زوجته وابنه، نظراً لاستمرار معارضة عائلته هذا الزواج، وحيث أدى زواج أبيه من أمه الجامايكية إلى فصله من الجيش البريطاني.

انتقلت سيديلا وابنها بوب في 1957 إلى مدينة كينغستون بحثاً عن عمل، وسكنا في ضاحيتها الفقيرة ترينش تاون، وفي أزقتها تعرف بوب إلى بعض الصبية الذين شاركوه عشق الموسيقى، حيث كان يقضي كل وقت فراغه في الغناء والاستماع إلى الموسيقى.

لم يكن بوب يملك مالاً ليشتري به أسطوانات، لذلك كان يستمع طوال الوقت إلى الموسيقى التي تبثها الإذاعات الأميركية، خصوصاً أغاني راي تشارلز.

ترك بوب المدرسة مبكراً وعمل في ورشة لِحام، وفي أميركا اشتغل عاملَ نظافة في فندق دوبونت، حيث كان يمسح الأرض، ثم عمل في مصنع سيارات كرايسلر في الفترة المسائية.

واجتهد بوب في توفير المال لمواصلة طموحه الموسيقي.

وفي هذه الفترة، تعرف عن قرب إلى حركة المطالبة بالحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة، كما شاهد بعينيه المعاملة العنصرية القاسية التي يتعرض لها السود هناك، ما ترك أثراً عميقاً في نفسه انعكس على أغانيه لاحقاً مثل أغنية «جندي بافالو»، وبعد ثمانية شهور في أميركا، عاد بوب إلى جامايكا في أكتوبر ،1966 وأعاد تكوين فرقه ويلرز من أعضاء قدامى وجدد.

اعتنق بوب الرستفارية في عام ،1966 وهي عقيدة دينية نشأت في جامايكا في العقد الثالث من القرن الـ،20 بوساطة حركة من الشبان السود تعتبر إفريقيا مهد البشرية، متأثرين بدعوة القومية السوداء التي أطلقها الزعيم الجامايكي الشهير ماركوس كارفي (1887ـ1940).

موسيقى  الـ «ريغي»

هي نوع من الموسيقى نتج عنها أساليب عدة من الموسيقى الجامايكية والكاريبية والإفريقية، ومنها السكا والمينتو، وموسيقى الآر إن بي الأميركية. في الأيام الأولى للإذاعة، كان للمحطات الإذاعية نفوذ كبير، والعديد منها في فلوريدا ونيو أورلينز كانت قويّة بما فيه الكفاية لتصل إلى جامايكا. واعتبرت الـ«ريغي» نوعاً موسيقياً منفصلاً ومميّزاً في الستّينات.

الأكثر مشاركة