«ظلال معتمة».. عشـــــق «الفامبير» وخفة الدم
لن ينجح الثوم في طرد مصاصي الدماء، خصوصاً إن كان الحديث عن تيم برتن وجديده المعروض حالياً في دور العرض المحلية Dark Shadows «ظلال معتمة» ونحن نمضي مع جوني ديب، ومن غيره إن كان الفيلم من إخراج برتن، «الفامبيرز» الظريف، بينما الفيلم كالعادة ليس إلا فيلم رعب كوميدي، وقد سخر كل ما في الفيلم ليحقق هذا الأثر، إنه سيجعلنا نضحك مع ظهور برناباس كولينز «جوني ديب» مصاص الدماء الذي بقي حبيس القبر قرنين، والذي سيقع على مكدونالدز فيعتبرها على اتصال بمفيستوفيليس.
سيبدأ الفيلم من ليفربول وتحديداً من عام .1760 سنتعرف إلى آل كولينز وهجرتهم من بريطانيا إلى أميركا، والنجاحات التي يحققونها، حيث يؤسسون لصناعات وأعمال لها أن ترتبط ببلدة كاملة يصير اسمها كولنيز، لكن وكما هو متوقع من فيلم يحمل توقيع برتن، فإن ساحرة اسمها انجليك (ايفا غرين) ستظهر من بين من هم في القصر الذي شيده آل كولينز، وستقع انجليك في غرام برناباس كولينز الذي يبادلها إياه إلا أنه سرعان ما يتخلى عنه وعنها، فتمضي تلك الساحرة في الانتقام منه، كأن تقتل والديه من خلال حادث تفتعله بأن يقع حجر كبير عليهما، وحين يقع برناباس في غرام امرأة أخرى، فإن أنجليك ستصل أقصى درجات الانتقام بسحرها عشيقة برناباس، ودفعها لإلقاء نفسها من أعلى جرف صخري، وحين يعجز برناباس عن انقاذها فإنه يرمي بنفسه خلفها، إلا أنه لا يموت بل يتحول إلى «فامبيرز» كنوع من العقاب الأبدي الذي تفرضه أنجليك على برناباس، ولتقوم أيضاً بتقييده ودفنه تحت الأرض.
سينتقل الفيلم بعد الأحداث سابقة الذكر إلى عام ،1972 وسنتعرف إلى أفراد عائلة كولينز في السبعينات وذلك من خلال متابعتنا فيكتوريا وينترز (بيلا هيثوكوت) في طريقها إلى قصر عائلة كولينز لتعمل مربية لديفيد الذي فقد والدته ويقاسي ظروفاً صعبة في التأقلم، وهنا سنتعرف إلى من تبقى من «الكولينزيين» وهم ليسوا إلا اليزابيث (ميشيل فافير) وروجر (جوني لي ميلر) الأرمل ووالد ديفيد، إضافة لطبيبة نفسية (هلينا كارت) جاءت لمعالجة ديفيد من آثار فقدانه أمه، وابنتها كارولين (شلوي مارتز مصاصة الدماء في فيلم «دعني أدخل»).
بعد التعرف إلى كل أولئك من خلال قدوم فيكتوريا، فإن الحدث الأبرز أو مربط خيل الفيلم سيكون بعودة برناباس بعد أن أمضى قرنين حبيس قبره، لكن عليكم ألا تنسوا أن «الفامبيرز» لا يعرفون الموت، كذلك الأمر بالنسبة للسحرة، فأنجليك ستظل على قيد الحياة، وهي تدير أعمالاً ناجحة في صيد السمك وتعليبه، بينما سيشكل برناباس بالاتفاق مع اليزابيث ما يمكن اعتباره صحوة للعائلة وإعادة لاعتبارها واستثماراتها من خلال استخراجه بعضاً من الثروة التي يملكها في حجرة سرية تحت الأرض.
بارنابز سيكون لطيفاً خفيف الظل، لا بل إن إقدامه على مص دماء ضحاياه لن يكون بشيء ذي بال، وهو يتكلم لغة انجليزية منمقة على الطريقة الفيكتورية، وسيتم قبوله عن طيب خاطر من قبل جميع سكان قصر «كولينز» متحولاً إلى زعيم العائلة.
ما شاهدناه مع بداية الفيلم من أحداث وقعت عام ،1760 ستعيد نفسها مع عودة برناباس عام ،1972 وسرعان ما يجد حب حياته الضائع في فيكتوريا، ولتبقى انجليك على حبها له، والسعي في الوقت نفسه إلى تدميره، لكن ومع «فامبيرز» ظريف مثل برناباس فإن الأمور لا محالة ستكون في مصلحته وهو يفتت أنجليك كما لو أنها بيضة مسلوقة.
«الفامبير» دائماً عاشق متيم، وخلاصه لا يكون إلا من خلال العشق، ومن تعشقه تكون على الدوام مستعدة لأن تتحول إلى «مصاصة دماء» لتبقي على حبه للأبد، هذا ما وقعنا عليه دائماً في مسيرة هذا النمط الأدبي والسينمائي، حاله حال «دراكولا» في نسخة فرانسيس كوبولا عام ،1992 الشبيه كثيراً بـ«ظلال معتمة»، فالعاشقة المتيمة ترمي بنفسها من ارتفاع شاهق وتلقى حتفها رغم نجاة دراكولا (غاري أولدمان) حين كان طبيعياً وفارساً مقاتلاً تصدى للعثمانيين وأعمل سيفه فيهم تقطيعاً وقتلاً، ومن ثم عودته بعد أن يتحول إلى «فامبير» ليجد حبيبته المفقودة في مينا زوجة المحامي الذي يزوره في قصره الروماني.
مع كوبولا كان دراكولا متجهماً، وشخصية مصاص الدماء الشهيرة خلطة بين الشيطان ومصاص الدماء، وحيث تحوله إلى «فامبير» لا يكون إلا عقاباً على تجديفه، ولتكون مواجهته على الدوام من خلال الصليب والتعاويذ الدينية، بينما يتحلى برنابس بكل الخفة واللطافة التي تجعل كونه مصاص دماء ليس لعنة كما يرد في بداية الفيلم ونهايته بل امتياز، خصوصاً مع نجاح فيكتوريا بالانتساب إلى مملكته دون أن تكون نهايتها مماثلة لحبيبته السابقة التي ليست في النهاية إلا فيكتوريا.
على كلٍ وكلما شاهدت فيلماً جديداً لتيم برتن يعاودني على الفور أول فيلم أخرجه وهو فيلم بعنوان «فينسنت» 1983 والذي لا يتجاوز خمس الدقائق، والذي يروي بـ«الأنيماشن» قصة فينسنت الذي يكون وحيداً وانطوائياً لا يجد ضالته إلا مع مخيلته التي تستحضر السحرة والأشباح وأكلة لحوم البشر ومصاصي الدماء، وفينسنت الذي يقرأ أدغار آلن بو يمضي ينفذ ما يقرؤه في قصص بو ويحفر في حديقة البيت، فتعاقبه أمه بأن تحبسه بغرفته، فيمضي في تهويماته وتطالعه كل العوالم الغرائبية من أشباح ومصاصي دماء ويشعر بأنه أمضى سنتين وسيمضي أكثر من ذلك في عزلته هو الذي لم تمض عليه سوى ساعتين.
هذا الفيلم ليس إلا معبرا نحو شخصية تيم برتن نفسه، إنه فيلم يوضح تماماً من هو برتن، ولمَ هو أسير العوالم التي تطالعنا في أفلامه، هو الذي بدأ بالأنيماشن وكان منفذاً ومصصماً للرسوم المتحركة، فإذا به يستعيض عنها بالشخصيات وتجسيد ذلك بواسطة ممثلين بعيداً عن الرسوم، إنه الطفل الانطوائي الصفة التي مازالت لصيقة به وقد وصل الـ54 من عمره، إنه مخرج لا يفارق تلك العوالم الشبحية المحملة على الدوام بخصال متصلة بالأنيماشن.