«الديكتاتور».. بـــن لادن حي والاستبداد للضحك
لا حاجة لاتباع الديكتاتور بوصف «العظيم» كما فعل شارلي شابلن في فيلمه الشهير «الديكتاتور العظيم» ،1940 بل حذف ذلك الوصف، والمضي مع ساشا كوهين وجديده The Dictator «الديكتاتور» من دون أي وصف آخر، وقد وجد ضالته في دولة يطلق عليها «واديا» أو «وديع» التي على ما يبدو تقع في شمال إفريقيا ويحكمها علاء الدين (كوهين)، الذي يتكلم الإنجليزية بلكنة عربية مبالغ فيها، وحين يتكلم لغته تبدو قرقعة أصوات تتسيدها الخاء والعين، كما «بورات» عنوان فيلمه عام 2006 والشخصية الكازاخية العجيبة التي عرف بها على صعيد واسع.
البداية مع شابلن لا يراد بها أبداً إحالة ساشا كوهين إلى مقارنة بينهما، فهما بعيدان تماماً، لكن يبقى الديكتاتور واحداً سواء كان الفيلم على اتصال بهتلر أم بمعمر القذافي، هينكل لدى شابلن وعلاء الدين لدى كوهين، وهذا التشابه يأتي من الجوهر والفردانية التي تصل مباشرة إلى جنون العظمة بما يجعل الضحك أفضل الوسائل المتاحة في مجابهة المآسي التي يتسبب بها جنون العظمة، ومع المضي مع ساشا كوهين ما يحمله كـ«كوميديان» فإنه سيكون أقرب إلى بيتر سيلرز منه إلى شابلن، لكن بجنون مضاعف وهستيري على الدوام، وقعنا عليه بداية مع الجنون الذي احتكمت إليه شخصية بورات.
أعراض التهكم
يمكن لفيلم «الديكتاتور» أن يصيبنا نحن العرب بكل أعراض التهكم، ويمكن أن نخرج بالقول إنه مليء بالصور النمطية وما إلى هنالك من عتاد جاهز، وصولاً إلى اعتباره مؤمراة، وهذه مشاعر لا محيد عنها لدى البعض، حين تتم المقاربة من هذا الباب، لكن وفي سياق مواز سيبدو كل شيء واقعياً وخيالياً في آن معاً، ففي اللحظة التي سنقع فيها على الجنرال علاء الدين سنكون أمام شخصية لها مرجعياتها في قاموس الديكتاتوريات العربية التي قدمت أطول فصول الكوميديا والتراجيديا في التاريخ البشري، وكان لها مساهمات تقتل من الضحك والبكاء في سجل الديكتاتوريات حول العالم، ولعلها كذلك في فيلم «الديكتاتور» إن أبعد عنها البكاء والتراجيدبا، لتبقى كوميديا صرفة، وعرضة لشتى أنواع المبالغات بما يستجلب الضحك، بدءاً من اللحية العجيبة، مروراً بتقديم المواقف والأحداث وفق منطق المفارقات، ولن أكون بحاجة لإحالة ما يحمله الفيلم إلى شخصيات بعينها حتى يتضح لكم من هو المقصود في ما يلي، فأنتم ستعرفون بأنفسكم، لكن ومن باب الجدل، يأتي الفيلم تماماً في الوقت الذي تحضر الشعوب العربية على مسرح الأحداث، والتي تبدو وفق منطق الفيلم ملعونة أبداً بالديكتاتورية وموسومة بها مهما فعلت كما سيقول لنا ذلك في الجزء الأخير منه. نقع على الجنرال علاء الدين وهو يشارك في سباق أولمبي، وهو يحمل المسدس الذي يعلن الانطلاق، والذي يطلق رصاصته بعد أن يتقدم المتسابقين ومن ثم يبدأ بإطلاق النار على أي من المتسابقين الذين قد يسبقونه، وصولاً إلى تحريك شريط النهاية باتجاهه وملاقاته ليكون الفائز الأول كما عليه أن يكون في كل شيء.
حب جوي
إنه طاغية يحلم بامتلاك سلاح نووي، وقد ألغى كلمتي «سلبي وإيجابي» من التداول، واستعاض عنهما باسمه علاء الدين، كما سنقع على أحدهم والطبيب يخبره «إيدز علاء الدين» ويحتاج الأمر إلى الكثير من أعصاب المريض ليعرف إن كان إيجابياً أم سلبياً. أي نقاش مع علاء الدين يؤدي بمن يناقشه إلى حبل المشنقة، كما سيفعل مع علمائه وهو يختلف مع أحدهم إن كان الصاروخ مدورا أم مدببا، وحين تجرى عملية اغتياله سنعرف أن من قتل هو شبيهه، وليعثروا له على شبيه آخر يكون راعي أغنام.
حراسته الشخصية مؤلفة من النساء الفاتنات، وتفكر الولايات المتحدة والناتو في توجيه ضربة له، فيتوجه إلى نيويورك وفق نصيحة قريبه وذراعه اليمنى (بن كينغسلي) ويمشي في شوارعها ممتطياً الجمل وخلفه أسطول من سيارات «الفيراري»، وليتعرض إلى مكيدة من قريبه، حيث يتعرض للتعذيب على يدي عميل «سي آي إيه» وتنتزع لحيته، ويبقى مشرداً في شوارع نيويورك، بينما يحل شبيهه محله الذي يسيره حسب ما يشاء قريبه، والذي يعلن من خلاله أنه بصدد إعلان الديمقراطية في بلاده وإنشاء دستور. سيقع علاء الدين في حب جوي وهي شابة يسارية نباتية مسؤولة عن متجر للأغذية العضوية، وسيكتشف هناك أن كل من أمر بقتلهم موجودون في نيويورك، سيسعى للعودة إلى منصبه من خلال مساعدة العالم عمر (سيد بدرية) الذي سبق أن أمر بقتله.
مواقف مركبة
سيكون الفيلم حافلاً بالمواقف المركبة التي ستكون على اتصال بأشياء كثيرة مثل: الصورة النمطية للعربي كما سيحدث في الطائرة حين يتطابق كلام علاء الدين وعمر مع معطيات تشير إلى أنهما بصدد تنفيذ تفجير جديد مشابه للحادي عشر من سبتمبر، وسيكون أسامة بن لادن ما زال على قيد الحياة وهو في حماية علاء الدين، ومن قتل ليس إلا شبيها ببن لادن، كما سيكون الجنرال مهوساً بالنساء والمشاهير وقد أمضى ليالي حمراء معهن مثلما يكون حاله مع ميغان فوكس دون أن يستثني من ذلك أوبرا وحتى أرنولد شوارزينغر.
عرض ما تقدم لن يتوقف إلى أن نصل إلى النهاية والتغيير الذي يطرأ عليه جراء حبه لجوي معلنا الديمقراطية التي ستظهر في شكل كوميدي بالتأكيد، كما أنه سيعلن ذلك في نيويورك ويمرر من خلال كلماته أوصافاً للديمقراطية الأميركية التي لن تكون إلى شكلاً من أشكال الديكتاتورية المموهة، ولنرى الانتخابات التي تجرى وقد وقف معظم الناس في طابور أمام صندوق الاقتراع الخاص بمنافس علاء الدين، فإذا بدبابة تأتي وتدفع بالطابور ليقف أمام صندوق علاء الدين ليفوز بنسبة 98.9٪.
كما «بورات» وكذلك «جونو» فإن «الديكتاتور» فيلم صاخب جداً، ينتقل من موقف إلى آخر دون توقف وبإيقاع سريع على الدوام، ويلتقط كل ما له علاقة من بعيد أو قريب بجنون ونزوات المستبدين، وليترك لكم أن تشاهدوا بأنفسكم وتحكموا وتروا ما إذا كان في ذلك مبالغة، ومن أين نهل كوهين في هذا الفيلم.