مخرجة سورية أنجزت فيلمين وثائقيين عن ثورة شعبهــا

إيما سليمان: الصورة أقوى من الطغاة

صورة

إيما سليمان، مخرجة سينمائية سورية لم تستطع أن تلتقي أمها منذ انطلاق الثورة في بلدها، لأنها لا تتمكن من العودة إلى سورية، بسبب وقوفها منذ البداية مع حلم الشعب بالتغيير، حين هبّ في ثورته في الـ15 من مارس العام الماضي. لكن المخرجة التي سافرت إلى باريس، ثم أقامت في دبي، كانت تبحث عن طريقة لمناصرة ثورة شعبها من أجل الحرية والعدالة والحياة الكريمة، فوجدت في الفيلم الوثائقي وسيلتها لقول الحقيقة، ووسيلتها لرصد آلام الناس وأحلامهم. وتؤكد إيما أن «الصور أقوى من كل الطغاة المستبدين، وأقوى من القتلة، فهي تطارد النظام السوري وتكشف جرائمه في حق المدنيين، وتكشف أكاذيبه أيضاً، وتبقى تلك الصورة قوية بوصفها وثيقة للحقيقة، لا تكذب». إيما حملت آلة تصوير وذهبت إلى الحدود التركية ـ السورية، حيث مخيمات التشريد منصوبة هناك في الجانب التركي، تضج بقصص المعاناة والبطولة الإنسانية، وكذلك الذكريات والأحلام بغدٍ أفضل تكون فيه سورية وطناً لجميع السوريين، وطناً حراً يعلو فيه شأن المواطن السوري، وتعلو فيه قيم الحرية والعدالة والديمقراطية والتنوع أيضاً. واختارت المخرجة الفن وسيلة نضال ودعم للثورة التي قدمت منذ انطلاقتها أكثر من 15 ألف شهيد. أنجزت إيما فيلمين وثائقيين، الأول بعنوان مأخوذ من قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش «يطير الحمام»، الذي صورته على الحدود التركية ـ السورية، ويتناول معاناة ابناء وطنها اللاجئين في مخيمات الحدود. أما الفيلم الوثائقي الثاني فهو بعنوان «لماذا أرسم أم إبراهيم»، ويرصد تفاصيل يرويها الفنان التشكيلي السوري خالد الخاني عن مجزرة حماة، ليعود بذاكرته 30 عاماً إلى الوراء، حيث كان شاهداً على الدم في تلك المدينة.

طمأنينة مكسورة

يسرد الفنان التشكيلي السوري في شهادته عن مجزرة حماة تفاصيل من التراجيديا السورية، ويقول إنه شاهد مع أصدقائه الأطفال عام 1982 مشهداً مروعاً من مجزرة حماة، حيث دخلت فتيات تقطر ثيابهن بالدم، مكان الوضوء في مسجد عمر بن الخطاب، وارتفع صوت البكاء بين النساء حين شاهدن الفتيات، «فانتقل إلينا إحساس الخطر، نحن الأطفال، فاتّحدنا مع الجميع في بكاءٍ لم اشهد له شبيهاً في حياتي كلها، لان هذا لم يحصل إلا هناك، وأتمنى ألا يحصل ثانية». ويضيف حول أثر ذلك المشهد في ذاكرته وحياته ونفسيته «يا له من اضطراب في روحي إلى الآن! هذا المشهد من تقاسم الألم كسر الطمأنينة الى الأبد».

بين وطن يئن تحت وطأة القصف والدم يومياً، وأم مريضة محرومة رؤية ابنتها الوحيدة، وبين موقف آثرت أن يكون الى جانب شعبها الثائر الذي يطالب بحريته وإسقاط النظام، تقف إيما سليمان، لتقول «أحبك يا أمي، ومشتاقة إليك اشتياقي للوطن»، مؤكدة أن «الثورة السورية ستنتصر، وسيرحل الطاغية». وتضيف ان الفنون، ومن بينها السينما الوثائقية والصور، سريعة الانتشار وتأثيرها قوي، «لست مقيمة في سورية كي أخرج مع الملايين أطالب برحيل النظام وإسقاطه، لكنني لن أقف مكتوفة اليدين والعقل، إذ سأعمل بكل ما أوتيت من قوة ورغبة في أن تعيش سورية حرة، ومن خلال توظيف وسائل التكنولوجيا والمعرفة والكاميرا، كي انقل الحقيقة ليس للوطن العربي فحسب، بل للعالم كله». إيما سليمان تقول عن فيلمها القصير «يطير الحمام»، إن التغطية الإعلامية كانت غائبة عن الأرض في بداية الثورة السورية، خصوصاً ما يتعلق بمعاناة اللاجئين، وتفاصيل تشريدهم من بيوتهم، وقصصهم ومشاهداتهم، علاوة على غياب احصاءات دقيقة بأعدادهم، فهناك لاجئون داخل الوطن وخارجه، «كل ذلك دفعني، ومن منطلق واجبي، كوني مؤمنة بالحلم السوري نحو دولة ديمقراطية، إلى أن أشارك في صناعة هذا الحلم، وألا أقف متفرجة».

عن فيلمها «لماذا أرسم أم إبراهيم» الذي عرض في باريس والرياض ونيويورك، وتناولت فيه رواية الفنان خالد الخاني، الشاهد على مجزرة حماة عام ،1982 تقول إيما، إن «الفيلم يحكي عن مجزرة الماضي التي تمتد إلى مجازر الحاضر، فالشخص نفسه، أحدهما مات، والآخر لايزال على خطاه». وتبين ان «رواية الفنان الخاني عن المجزرة ليست شهادة شخصية بقدر ما هي قصص الجارات، وأم ابراهيم هي شخصية حقيقية تنطق بلسان كل الامهات اللواتي فقدن أبناءهن أمام أعينهن». وتؤكد «حماة عاشت في داخلي منذ طفولتي، حيث كانت هناك امرأة يلقبها الناس بالمجنونة. كنت أستغرب عندما نعطيها تفاحة أو أي فاكهة أخرى، تقوم بتقسيمها إلى خمس قطع بالتساوي، وكنت أسأل دوماً عن هذا السبب ولا أحد يجيب، الى أن كبرت وعلمت انه قوات الأسد الأب قامت بقتل أبنائها الخمسة أمام ناظريها في حماة». وتضيف «الفيلم ليس بعيدا عن كل هذا، فبعد صمت استمر 30 عاماً، روى الخاني تفاصيل من تلك المجزرة المروعة، كما أن سلطة التعتيم الإعلامي لم تعد قوية في ظل الثورة التكنولوجية». ويروي الفيلم الوثائقي «لماذا أرسم أم ابراهيم» أحداثاً عاشها الخاني في حماة، التي راح ضحيتها أكثر من 40 ألفاً عام .1982 وتقول المخرجة السورية التي تقيم في الإمارت منذ سبع سنوات، «من خلال تسليط الضوء على رسم الخاني شخصية أم ابراهيم التي عرفت في حماة بوصفها حاضنة لأهالي حيي العصيدة والزنبقي، كما أنها ساعدتهم ليخرجوا من المدينة الى الريف، وتبقى هي في بيتها بإصرار منها».

وتؤكد إيما «فهمت الحكاية قبل سماعها من الخاني، بمجرد أن رأيت وجه أم ابراهيم يملأ اللوحات». وتوضح «استعملت كاميرتين للتركيز على الرواية من جهة، ويد الفنان التي ترسم أم إبراهيم، وانتهيت من تصويره وصناعته في أسبوع». وتبلغ مدة الفيلم إلى 20 دقيقة، وهو معروض عبر موقع «يوتيوب»، بعدما عرضه للمرة الأولى تلفزيون «أورينت». وعن سورية الجديدة، تقول إيما سليمان، «سورية الحرة، بعد انتصار الثورة الشعبية، ستكون مدنية تشبه أهلها، حنونة ومعطاءة، لأن فيها الخير الكثير، وستكون رمزاً لثورة شعب تجرع مرارة الخوف من النظام الحاكم 40 عاماً، ومع ذلك قام وانتفض من أجل حريته، وستكون سورية وطن الجميع بكل الأطياف، وليست كما أرادها نظام الأسد طائفية». وتؤكد «سنعاني بعد سقوط النظام بعض ردود الفعل، لكنها لن تطول، لأن المواطن السوري بطبيعته مدني، وكان ينتظر الفرصة كي يترجم مدنيته وانفتاحه وتحرره الى سلوك».

تويتر