«حلم عزيز».. ضمير في صــورة أب راحل
في فيلم «حلم عزيز» للمخرج عمرو عرفة الذي يعرض حالياً في دور السينما المحلية، تتداخل القصص مع بعضها بعضاً، ما يخلق حالة تشويش للمشاهد الذي يتابعه، فبين طبيعة الفيلم الكوميدي، وتوظيفه موضوع الجنة والنار ثواباً وعقاباً بطريقة خيالية معتمدة على فن الغرافيك، وتعمده اظهار شخصيتي معمر القذافي وصدام حسين الراحلين أنهما مخلدان في النار، بدت ردة فعل من جمهوره تمحورت حول تساؤلات من بينها: كيف تجرأ المخرج على أن يضع نفسه حكماً على الأرواح؟ فيما ذهب البعض الآخر الى الطريقة التي عمد إليها عزيز في التكفير عن أخطائه التي كانت مادية وليس لها علاقة بالعبادة. وقال آخرون إن الفيلم فيه إسقاطات سياسية واجتماعية على حالة مصر قبل الثورة وبعدها.
أفلام الأحلام في فيلم «معالي الوزير» كانت الأحلام المزعجة مصدر قلق البطل رأفت رستم (أحمد زكي) الذي تولى منصب الوزارة بالخطأ، وتمادى في أخطائه حتى أوصلته إلى الجريمة، حيث قتل ذراعه اليمنى عطية مدير مكتبه وكاتم أسراره (هشام عبدالحميد)، وكان الوزير يتصور أنه بالتخلص من عطية يؤمن نفسه ويصبح بمنأى عن الشبهات. بيد أن الحقيقة كانت عكس ذلك فقد أدى القتل الى زيادة الخطر ومضاعفة القلق، وعاش رأفت رستم في كابوس متواصل لا يفارقه أبداً لم يغمض له جفن، لذا فقد صار النوم عدواً لدوداً للرجل الذي اقتنص حقاً ليس له. الفكرة نفسها قدمها أحمد حلمي في فيلم «ألف مبروك» مع الفارق في بعض التفاصيل، ولأن الوهم والأحلام والكوابيس تستهوى عادة السواد الأعظم من الناس، وتجد العوالم الميتافيزيقية هوى لدى الغالبية، فإن تكرار التجربة مباح وغير مستنكر شريطة أن يحمل إضافة. |
«حلم عزيز» من بطولة أحمد عز وشريف منير ومي كساب، وهو يدور حول شخصية عزيز، رجل الأعمال الثري الذي يعتقد أن بأمواله يشتري البشر قبل الحجر، فيزيد في جبروته وجرائمه حد الاغتصاب والسرقة ليمنح نفسه شعوراً بالقوة والسلطة، الى أن يأتيه الحلم الذي يصوره المخرج بهيئة والد عزيز الراحل، وهو في النهاية يشكل ضميره، فتبدأ المغامرات التي لا تخلو من الكوميديا والجرأة في تناول الموضوعات، خصوصاً في ما يتعلق بالثواب والعقاب. استخدم عرفة في فيلمه تقنية الغرافيك بالأساليب الحديثة بدرجة لم تستخدم في فيلم عربي سابقاً، فقد تجاوز استخدام هذه التقنية أكثر من نصف مدة الفيلم، ما يشكل علامة فارقة في طريقة صناعة الفيلم العربي مستقبلاً.
وحصل الفيلم حسب مشاهدين في دور السينما المحلية على علامة راوحت بين أربع وثماني درجات.
تناقض
«عزيز» شخصية رجل الأعمال الذي يريد ان يشتري كل شيء تقع عليه عينه، رغما عن أنف التقاليد والأعراف والقوانين، ويعيش حياة منفصلة ومتناقضة تماماً عما هو عليه في بيته، حيث الزوج المحب والوالد الحنون، وبين ما هو عليه خارج المنزل، حيث الرجل المتسلط الناهب حقوق الفقراء والعمال في شركاته.
لا يكتفي عزيز بذلك، إذ يحاول أن يستميل زوج شقيقته في مغامراته الليلية في السمر والشرب، ويعمل أيضا على توريث ابنه الوحيد جل أفكاره الأنانية التي تتمحور حول فكرة أن النقود هي كل شيء في هذه الدنيا.
قال إيهاب أبوصلاح (25 عاماً)، إن «الفيلم يعتبر بداية جيدة لدور التقنيات الحديثة في صناعة الأفلام العربية». وأضاف «الفيلم لطيف وفيه كوميديا سوداء، مع أنه تجاوز كثيراً مسائل متعلقة بالمحرمات في تجسيده لشكل الجنة والنار»، وفق تصوره، مانحاً اياه ست درجات.
شعوذة
تستمر مشاهد الفيلم بالتسليط على حياة «عزيز» المستهترة الى أن تأتي ليلة عليه ينام فيها فيظهر له والده الراحل في الحلم، ويبدا بإعطائه المواعظ والتحذيرات، ما يخلق رد فعل معاكساً لدى عزيز الذي يسعى الى شراء قوة أكبر بنقوده، لتخليصه من والده في الحلم. يلجأ الى مشعوذين دون جدوى، خصوصاً بعد تكرار الحلم في كل ليلة، ويصر «عزيز» على التخلص من الحلم ليتخلص من فكرة رقابة والده عليه وليس بسبب مواعظه. وبعد الفشل في التخلص من هذا الحلم يلجأ الى طبيب نفسي يؤكد له أن ثمة ربطاً بين ظهور والده في الحلم وبين صحته التي بدأت تتدهور، وهذه ربما تكون اشارة إلى قرب أجله.
|
وقالت لانا عزيز (30 عاماً) «رأيت أن الفيلم فيه الكثير من الاسقاطات السياسية والاجتماعية التي تمر بها مصر»، موضحة «الفكرة بحد ذاتها تشبه فكرة الضمير الذي أيقظ الناس تجاه المضي نحو الدفاع عن قضاياهم»، مؤكدة أن «كل شيء أصبح مرتبطاً بالسياسة، لكن الفيلم بالمجمل جيد، وربما سيثير، حسب تقديري، بعض رجال الدين»، مانحة إياه ثماني درجات.
بدوره، قال صالح الجناحي (22 عاماً)، «وجدت في الفيلم تجاوزا كبيرا للعادات والتقاليد، إلا أنني أعجبت بتقنية الغرافيك المستخدمة فيه»، مانحا اياه أربع درجات.
أما سليمة علي (36 عاماً) فوجدت أن فكرة الفيلم رائعة وفيها الكثير من الأهداف، «مسألة الضمير التي تأتي على هيئة اقرب الناس هي رحمة من الله الذي يوفر لنا فرصا لنصلح ما أفسدناه».
وأضافت ان «مسألة الشعور بالرقيب ومحاولة التخلص من هذا الرقيب، حتى لو كان من أقرب الناس الى قلوبنا، تنتابها الحيرة التي يقع فيها الانسان بين تأنيب الضمير والاحساس بالاطمئنان»، مؤكدة ان «الفيلم نقلة نوعية في شكل الأفلام العربية»، مانحة اياه ثماني درجات.
توبة
يعي «عزيز» أن لحظة الموت اقتربت، فيبدأ التفكير في كيفية التخلص من ذنوبه، والغريب أن يعود الى لغة المال التي كانت في السابق وسيلة لشراء كل شيء، حسب تفكيره. ومع أن هذا المشهد يجب أن يكون حزيناً، خصوصاً أنه يحكي عن الموت، فإن المخرج أراد أن ينقله بشكل كوميدي للمشاهد ، فيظهر «عزيز» كأنه مضطر لعمل الخير كي ينال الجنة، بعد كل الأحلام التي ظهر فيها الفرق بين الجنة والنار، فيقرر أن المال هو أسرع الوسائل لشراء الثواب أيضاً، فيبدأ بإنفاقه لتعويض ضحاياه.
سنابل محمود (27 عاماً) قالت: «فكرة الفيلم جريئة وتذكر بالجنة والنار». وأضافت أن «عزيز» عاد للمسألة نفسها، إذ يظن ان النقود تشتري أي شيء، حتى ثواب الآخرة، موضحة «عندما تاب وقرر أن يكفّر عن ذنوبه لم يلجأ الى الصلاة والصوم بل لجأ الى المال كي يسامحه الناس الذين احتال عليهم سابقاً». وقالت «يوجد في الفيلم اسقاطات كثيرة ومبالغات في الطرح»، مانحة اياه أربع درجات.
في المقابل قالت ليليا ياعز (30 عاماً) إن «الفيلم سخيف جدا بفكرته وموضوعاته، وتجسيده الجنة والنار في هذا الشكل المليء بالسخرية هو تعد على كل الديانات السماوية»، رافضة اعطاء أي نتيجة، من شدة غضبها. وقال لؤي العسّافي (40 عاماً) ان «الفيلم جميل وفيه روح مرحة غطّت بذكاء على التجاوزات المتعلقة بالدّين في ما يخص السيناريو والاخراج»، مانحاً اياه سبع درجات.
ندم
قال مخرج الفيلم عمرو عرفة، إنه ندم على تقديم بعض المشاهد في هذا الفيلم، منها مشهد القذافي في النار، مؤكداً أن الزمن لو عاد به مرة أخرى لن يقدم مثل هذه المشاهد. وعن السبب وراء ندمه، قال: إن «دخول النار أو الجنة شيء بأمر الله ولا يعلم أحد من الذي سيدخل النار ومن سيدخل الجنة، وبالتالي فقد صور الفيلم أن القذافي مصيره النار، وهذا في علم الغيب، ولربما يكون الله سبحانه وتعالى غفر له ذنبه الذي فعله في حق بلاده، لأن الله من صفاته وأسمائه الغفور والرحيم، ومن ثم فالغفران متاح للجميع وهذه أمور قدرية يحددها المولى سبحانه فقط ولا يطلع عليها البشر».
وعلى الرغم من هذا الاعتذار الذي أعلن عنه عرفة، فإن جزءاً من جمهوره لم يسامحه على هذا الامر، وهذا ما أكده محمد شرنوبي (34 عاماً) متسائلاً «من هو عرفة الذي يقرر أن القذافي في النار؟».
في المقابل، قالت داوود علام (20 عاما) «صدمت عندما رأيت الفيلم يصور القّذافي في النار، على الرغم من ظلمه شعبه، الا أن هذا لا يشفع لعرفة أن يقرر أن القّذافي في النار».
حول الفيلم
-قام الموسيقار محمود طلعت بوضع الموسيقى التصويرية للفيلم.
-يشارك المذيع الرياضي عصام الشوالي ضيف شرف بالفيلم في شخصية معلق مباراة كرة القدم.
-قدم أغاني الفيلم المطرب هشام عباس، وانتشرت أغنية «متتهورش» بين معجبي الفنان. وهي من كلمات أمير طعيمة، وألحان هشام جمال، وتوزيع مادي.
كليك
«حلم عزيز» هو الفيلم الثاني لأحمد عز، خلال موسم الصيف الحالي، بعد فيلم «المصلحة» الذي يشاركه بطولته أحمد السقا. وهذا الفيلم من تأليف نادر صلاح الدين، وإخراج عمرو عرفة، ويقوم ببطولته مع أحمد عز وشريف منير كل من مي كساب، وصلاح عبد الله، وميريت، وحورية فرغلي، ومحمد عادل إمام، وسليمان عيد، ومحمد الصاوي.
وأشار أحمد عز الى أنه يصعب التنبؤ بحالة الجمهور المصري والعربي عموماً، وأن فيلمه السابق «365 يوم» حقق إيرادات بلغت 13 مليون جنيه رغم طرحه عقب الثورة مباشرة، وأن الأهم أن تستمر عجلة الإنتاج، ولا تتوقف صناعة السينما، لأنه لا يصح أن تظل دور العرض المصرية خاوية.
عن قرب
حول تقنية الغرافيك في الفيلم، قال عمرو عرفة، إنه قام بتنفيذ نحو نصف ساعة من فيلم «حلم عزيز» بطريقة الغرافيك، مشيراً إلى أن طبيعة الدراما التي تدور بها أحداث الفيلم هي التي فرضت هذه المساحة الزمنية للغرافيك، حيث يدور جزء كبير من الأحداث في نطاق الأحلام.
عن فكرة الأحلام، قال السيناريست نادر صلاح «الأحلام مهمة جداً في حياتنا، وكثير منا قد تتغير حياتهم بسبب حلم أو كابوس، فلا يوجد شخص في الدنيا لم يحلم حلماً أثر فيه سلباً أو إيجاباً، وأكثر الأحلام التي تثير الغموض تلك التي تتعلق بالأموات، خصوصاً إذا كانوا على صلة قوية جداً بنا، وغالباً يختلف التأويل من شخص لآخر، من هنا جاءتني فكرة الفيلم، إذا جاء الأب لابنه الفاسد في الحلم، وطلب منه تصحيح بعض أخطائه وأنذره الموت، هل سيتغير وتختلف حياته ويصلح من نفسه؟ هذا هو السؤال، لذلك ركزت مدة الإنذار بالموت إلى شهر واحد فقط، كما تعمدت تكرار الحلم كل ليلة ليحدث إلحاح على البطل.
أبطال الفيلم
أحمد عز
ولد عام ،1971 وبدأ حياته عارضاً للأزياء بعد تخرجه في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وكان قد بدأ هذه المهنة على أمل أن تفتح له أبواب السينما ولكن محاولاته باءت بالفشل، وظل فترة حتى قابل المخرجة إيناس الدغيدي التي أسندت له دوراً صغيراً في فيلم «كلام الليل»، ثم أتاحت له فرصة القيام بدور البطولة في فيلم «مذكرات مراهقة»، الذي حقق لأحمد عز شهرة لا بأس بها رغم عدم تحقيق الفيلم نجاحا كبيرا. ورغم دخوله السينما نجما في مدة قصيرة للغاية، إلا أنه اهتم بدراسة السينما والتحق بعدد من ورش إعداد الممثل مثل أستوديو الممثل محمد عبدالهادي، ومحمود حميدة.
شريف منير
ولد عام ،1959 وبدأ حياته عام 1983 عازفاً على الدرامز، ثم نصحه الشاعر الراحل صلاح جاهين بدراسة التمثيل عندما شاهده مع ابنه، وبالفعل التحق بمعهد الفنون المسرحية قسم تمثيل وتخرج فيه. وقدم بعد ذلك العديد من الاعمال الناجحة التي وضعته في مصاف النجوم، فقد راعى في اختياره الجودة وإضافة الجديد، منها «الزواج على طريقتي»، و«الرجل الذي أحبه»، و«ليالي الحلمية»، و«غاضبون وغاضبات»، كما قدم العديد من الأعمال المسرحية المميزة منها «حزمني يا»، و«كده اوكيه»، كما عمل مذيع برامج، وأثبت تميزه في هذا المجال، واتجه أخيراً الى الانتاج.
مي كساب
ولدت عام ،1981 كانت بدايتها الغنائية في «دويتو غنائي» مع المطرب السوري مجد القاسم في أغنية «غمض عينيك»، وأصدرت عام 2005 أول ألبوم لها ويحمل اسم «حاجة تكسف» وفي 2007 اصدرت ألبوم «أحلى من الكلام»، وقامت بأول بطولة تلفزيونية لها عام 2006 مع الفنان أحمد الفيشاوي في المسلسل الكوميدي «تامر وشوقية». ثم انطلقت سينمائيا في العديد من الأفلام اشهرها «كباريه»، و«الفرح»، و«بوبوس».
المخرج
عمرو عرفة
ولد عام ،1962 هو الأخ الأصغر للمخرج شريف عرفة، وابن المخرج سعد عرفة، في رصيده السينمائي : «افريكانو»، «السفارة في العمارة»، «جعلتني مجرما»، «الشبح»، «ابن القنصل» وله فيلم لم يكتمل هو «عربي تعريفة»، بسبب وفاة بطله علاء ولي الدين، وشارك عرفة في اخراج حلقات من مسلسل «لحظات حرجة».