«جدو حبيبي».. عودة لرومانسية الأبيـــض والأسود
لا يبدو محمود ياسين ولبنى عبدالعزيز في فيلم «جدو حبيبي» للمخرج علي إدريس، الذي يعرض حالياً في دور السينما المحلية، مجرد فنانَين عابرَين في فيلم يشارك في بطولته عدد من الشباب فحسب، بل جاءا ليثبتا الفرق بين جيلين أحدهما مازال يواظب على تقديم نفسه فناناً بمعنى الكلمة، فالمقارنة تبدو صارخة بوجود «بشرى» والمطرب «أحمد فهمي» اللذين زادت عيوب أدائهما وهما يقفان أمام ياسين ولبنى، لكن هذا لا ينفي أن الفيلم بمجمله يعد مادة دسمة تستحق المشاهدة والتأني معها، خصوصاً أنه يناقش الاختلاف بين الأجيال، والى اين ذهبت العاطفة التي لا يجب أن تقترن بالمصلحة، وعلى الرغم من أن نهاية الفيلم كانت حزينة، الا أنه استطاع أن يصنع الابتسامة على وجوه مشاهدين أكدوا أن «جدو حبيبي» يعد من أجمل الأفلام المصرية التي تم انتاجها بعد الثورة المصرية، مانحين اياه العلامة التامة احتفاء بعودة بطلة فيلم «الوسادة الخالية» لبنى عبدالعزيز.
مصلحة عاطفية
يروي الفيلم قصة رجل طاعن في السن، يعلم ان ايامه باتت معدودة، فيقرر أن يأتي بحفيدته التي تقيم في لندن كي تكون معه في هذا الوقت الصعب، وهو المليونير البخيل في الوقت نفسه، أما هي ففتاة تفكر فقط بلغة المال، حتى علاقاتها مع كل من حولها تنصبّ على هذا الهدف، تخسر أموالها في البورصة في الوقت الذي تعلم فيه خبر مرض جدها، فلا تفكر الا في وقت موته كي ترثه.
منذ بداية الفيلم شعرت سمر عيسى (30 عاماً) بالأنانية التي تعيش في داخل الحفيدة، وهي الأنانية ذاتها التي تعيش في قلب الجد الذي لم يتذكر حفيدته سوى وقت مرضه، وترى أن «الفيلم جميل وواقعي وفيه الكثير من المشاهد الكوميدية المضحكة، والأهم اننا رأينا عودة لبنى عبدالعزيز التي نورت الشاشة برومانسيتها المعهودة».
في المقابل قالت زينب حريري (44 عاماً) أن «الفيلم جميل بهذا الاختلاف بين جيلين بكل معنى الكلمة، وفيه من العاطفة ما يجعل القلب يبكي، أعجبني كثيراً فمنذ مدة لم اشاهد فيلماً مصرياً بهذا العنفوان».
الفيلم استطاع حسب محمد الأيوبي (36 عاماً) «أن يدخل بحقيقة المشاعر الإنسانية من قبل فتاة تمنح فرصة كي تكون انسانية»، موضحاً «هي تحتاج نقوده وهو يحتاج الى من يساعده في قضاء آخر ايام حياته، فهي المصلحة اذن ولو تغلفت بغلاف العاطفة»، مؤكداً «لكن الحقيقة أن المعدن الأصيل هو اصل الحكاية، الإنسان في داخل كل واحد منهما قربهما، من دون التفكير في اساس هذا القرب».
ووجد طارق عبدالله (28 عاماً) أن «الفيلم جميل وخفيف الظل وفيه فائدة»، شارحاً أن «من المشاهد التي تدل على أن العاطفة بالأساس كانت مبنية على المصلحة؛ موقف الحفيدة التي تذهب مع جدها الى محال التسوق وتملأ العربة بكل شيء بخلافه هو ، وفي مشهد آخر عندما تزل قدم الحفيدة عن الدرج ولا يأبه الجد لما حدث لها مقابل اطمئنانه على أنه لم يخسر شيئاً من اثاث المنزل وتحفه، ومع الكثير من تلك المشاهد تظهر اللحظة التي تجمعهما برباط لا يمكن تفسيره الا بالجينات ربما، عندما تقرر الحفيدة العودة الى لندن لكنها تصاب بحادث يجعلها تظل في المنزل ويتولى الجد مسؤولية الاهتمام بها.
لقاء العمالقة
تكتشف الحفيدة أن الجد كان يحب فتاة في الماضي لكنه لم يتزوجها لظروف قاسية، وهذا الاكتشاف يأتي بعد قراءة الجد نعياً في صفحة الوفيات يخص الحبيبة القديمة، فيقرر الذهاب للعزاء ليتضح له أنه ذهب الى عزاء فتاة اخرى تحمل الاسمن فسه، وفي هذا المشهد تحديداً تندمج الكوميديا مع الأداء المميز لمحمود ياسين، فتقرر الحفيدة بعد ذلك البحث عن هذه الحبيبة التي تجدها اخيرا في مدينة الفيوم.
هنا يقف المشاهد امام لقطات تجمع بين محمود ياسين ولبنى عبدالعزيز ليعودا معا الى زمن السينما بالأبيض والأسود، فمازالت عبدالعزيز رومانسية بحركاتها وصوتها ونظرات عينيها، وهذا ما عبرت عنه حلا حسن (20 عاماً) «مع أنني أنتمي الى الجيل الجديد الا أنني مفعمة برومانسية الجيل القديم التي افتقدها في جيل الفنانين الجدد»، وأضافت «هناك فرق كبير بين الجيلين حتى في النظرات العاطفية».
في المقابل قالت هدى طاهر (49 عاماً) «هذا لقاء العمالقة، عمالقة الفن الجميل، فن عبدالحليم حافظ العاطفي والشغوف، لم تظهر قدرات الفنانين الجدد أمامهما لأن المقارنة بينهما مستحيلة»، مؤكدة «الفنان الجديد مخارج الحروف لديه غير واضحة، وهذه أول ملاحظة يجب على المشاهد رؤيتها التي تتجلى في هذا الفيلم».
ووجد إلياس العاصي (33 عاماً) «ان الفيلم استطاع بالفعل أن ينبه المشاهد إلى مدى الفرق بين الجيلين القديم والجيل الحديث، فمع كل محاولات فهمي وبشرى في أدائهما الا أنهما لم يتركا اثراً كما ياسين وعبدالعزيز».
الحب القديم يظل قديماً في ظل الحياة التي عاشها كلاهما بعيدين عن بعضهما، لكن بوجود الحفيدة والحفيد المتزوج أصلاً من فتاة جميلة لكنها كاذبة بمشاعرها، تتغير أحداث الحكاية بمحاولة الجدين استئناف علاقتهما من خلال الحفيدين، وينجحان.
ويؤكد ابراهيم متولي (29 عاماً) «أحببت الفيلم كثيراً لدرجة أنني سأشاهده مرة أخرى، ففيه الكثير من المشاهد المميزة والكوميديا التي تجعلنا نبتسم براحة من دون قهقهة عالية لا تجعلها نتنه للمشهد التالي " .
كليك
عند الانتهاء من تصوير الفيلم صرح الفنان محمود ياسين بأنه يشعر بأن هذا الفيلم سيكون آخر اعماله، وأضاف «على الرغم من فخري بتاريخي السينمائي الذي يصل إلى 174 فيلماً، فإنني أعتز للغاية بهذا العمل الذي لن أحزن اذا كان آخر أعمالي السينمائية».
وتمنى ياسين أن تكون عودته ولبنى هذه المرة ليس كفنانين من جيل الكبار فحسب، بل «عودة جيل كامل إلى السينما لأنها مكانه الطبيعي بخبراته السينمائية التي على الشباب الاستفادة منها».
حول الفيلم
واجه فريق عمل الفيلم صعوبات كثيرة خلال تصوير الفيلم الذي تزامن مع ثورة 25 يناير في مصر، وكان الفريق بدأ بروفاته قبل الثورة المصرية، لذلك طالت مدة التصوير مع الأحداث، فقرر توقيف تصوير الفيلم حينها، وبعد انتهاء الثورة كان الفريق ينزل الى التصوير في وقت لم يكن هناك أي وجود لرجال الأمن، حتى إن بطلة الفيلم «بشرى» تعرضت لاعتداء من قبل من يطلق عليهم «البلطجية»، وجاء شباب الثورة وحموا الفريق كله، حسب تصريحها.
عن قرب
قالت الفنانة لبنى عبد العزيز عن تجربتها في فيلم «جدو حبيبي»:
جاء مخرج العمل علي ادريس عندما كنت في بروفات مسرحية «سكر هانم»، وقدم لي نفسه، وأول سؤال سألته له لماذا اخترتني لهذا العمل؟ خصوصاً أنني لست من الفنانات المنتشرات في جميع المهرجانات والحفلات بحثاً عن مخرج يأتي لها بدور في عمله الجديد، فرد قائلاً: لم أر أحداً في هذه الشخصية غيرك لأنك دائماً في ذهني، وأتذكر كل أعمالك، وهنا عرض علي سيناريو العمل وقرأته ووجدته مناسباً، ودوري فيه رومانسي، وأنا أعشق هذه الأدوار، كما أن العمل ينتمي للأعمال الكوميدية الاجتماعية الجديدة، خصوصاً اننا نفتقد مثل هذه الأنواع في هذا الوقت العصيب الذي نمر فيه دائماً بكثير من المشكلات والأزمات. وعن رأيها في الموضوعات التي تناقشها السينما المصرية حالياً قالت عبدالعزيز «عندما عدت من أميركا ظننت ان الأعمال السينمائية ستكون جيدة وهادفة مثلما كانت قديماً، لكنني نفرت عندما وجدت معظم الأفلام غير هادفة وسيئة، وهذا ما احزنني على حال السينما المصرية التي كنت افتخر بها في أميركا».
المخرج
بدأ المخرج علي إدريس مشواره مع السينما عقب تخرجه في المعهد العالي للسينما عام 1988 بالعمل مساعد مخرج في العديد من الأفلام بداية من «شباب على كف عفريت» عام 1990.
أول الأفلام التي أخرجها فيلم «أصحاب ولا بيزنس» بطولة مصطفي قمر، وهاني سلامة، ثم فيلم «رشة جريئة» و«التجربة الدنمراكية»، و«عريس من جهة أمنية» الذي حاز جائزة الإخراج عنه، وتوالت الأفلام بعد ذلك مثل «كلام في الحب»، و«حريم كريم»، و«مرجان أحمد مرجان»، وغيرها. وعلي إدريس متزوج من المؤلفة والسيناريست زينب عزيز، وقام بالتعاون معها في اكثر من فيلم مثل «كلام في الحب»، و«عصابة الدكتور عمر».
فريق الفيلم
لبنى عبد العزيز
ولدت عام 1935، وتخرجت في الجامعة الأميركية ولمعت على خشبة مسرح الجامعة، وحصلت على لقب فتاة الجامعة، وعملت في الإذاعة الأوروبية مقدمة برامج أطفال باسم «ماما لولو»، ثم اكتشفها صلاح أبوسيف لتعمل في «الوسادة الخالية»، حصلت على منحة فولبرايت للدراما ودرست في جامعة واشنطن، تزوجت رمسيس نجيب ثم من الدكتور اسماعيل برادة الذي سافرت معه الى الولايات المتحدة، وهناك راسلت جريدة الاهرام وعملت في بعض الأعمال العادية، وحصلت هناك على درجة الدكتوراه ثم عادت الى مصر عام1998
محمود ياسين
ولد عام 1941، وحصل على ليسانس حقوق عام 1964، متزوج من الفنانة شهيرة وله ولد وابنة هي الممثلة رانيا محمود ياسين، وقبل تخرجه بسنة واحدة التحق بالمسرح القومي، حيث قام بدور الراوي في مسرحيات: «سليمان الحلبي» و«الزير سالم» و«دائرة الطباشير القوقازية»، وقام بدور البطولة في مسرحيات: «ليلة مصرع جيفارا» و«وطني عكا» و«ليلى والمجنون» و«الزيارة انتهت» و«أهلا يا بكوات» و«الخديوي»، حصل على العديد من الجوائز السينمائية وتم تكريمه في مهرجان المسرح التجريبي، وعمل في التلفزيون في مسلسلات منها: «غداً تتفتح الزهور»، «العصيان»، «ثورة الحريم»، استطاع ان يكون النجم الأول في السبعينات وان يقف امام اغلب نجمات تلك الفترة ابتداءً من فاتن حمامة وشادية.
بشرى
ولدت عام 1984، وتعد فنانة شاملة، فهي الممثلة والمغنية والمنتجة أيضاً، موهوبة بالفطرة، برعت في الفن في جميع مجالاته، كانت بدايتها مذيعة محبوبة على شاشات الفضائيات، ثم انتقلت للتمثيل وكانت أولى بطولاتها السينمائية مع المخرج الراحل يوسف شاهين، وذلك من خلال فيلم «إسكندرية نيويورك»، وقد حققت بشرى نجاحاً لافتاً، كما عملت الفنانة أيضاً مع شركة «نيو سينشيري برودكشن»، وأصبحت لديها شركتها الخاصة في الإنتاج السينمائي، وفيلما «678» و«جدو حبيبي» من ضمن الأعمال التي أنتجتها.