لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

«البداية».. نهاية واحدة للديكتاتوريـــة

عبارة «ممنوع من العرض»، خصوصاً في بلد مثل سورية ومصر، كانت تثير تساؤلات لم تظهر أجوبة عليها إلا أخيراً، او عند الافراج عن تلك الأفلام لظروف تتلاءم ومحاولة سياسية جديدة تفرضها تلك الأنظمة تتلاءم مع اجندة جديدة لها. اليوم وفي الذكرى الثانية لانطلاق شرارة الثورة السورية التي خطها أطفال درعا على جدران مدارسهم مطالبين بالحرية والكرامة، تعود أفلام كثيرة إلى الذاكرة تناولت الديكتاتور وفساد السلطة، وصفت بالجريئة لتعديها المحظور، خصوصاً في ما يتعلق بنقد مباشر لسياسة حكم، مثل فيلم «البريء» لعاطف الطيب، وفيلم «الكرنك» لعلي بدرخان، و«العصفور» ليوسف شاهين، ما يفرض التساؤل، اذا ما كانت هذه النوعية من الأفلام تعتبر فناً تنفيسياً في ذلك الوقت؟

البداية

فيلم مثل «البداية» الذي أنتج في عام ‬1986 للمخرج صلاح ابوسيف وبطولة أحمد زكي، ويسرى، وجميل راتب، وصفية العمري، وغيرهم كان يدور حول فكرة التسلط حتى لو بأدوات بسيطة، لكنها متاحة. بداية الفيلم كانت عبارة عن نص قصير بقلم المخرج الذي «كان هدفي أن اقدم لكم فيلماً ليس له علاقة بالواقع، لكن الطبع يغلب التطبع، فاذا بالفيلم يصبح واحداً من أفلامي الواقعية»، فهو يدور حول مجموعة تسقط بهم طائرة في صحراء في مصر، بينهم المثقف والفلاح والعامل ورجل الأعمال الذي وجد فرصته ليفرض سلطته ويعيش دور الرئيس، ولو في مكان معزول عن اي نوع من الاتصالات.

شخصيات المجتمع

لمشاهدة المزيد من المواضيع عن الفن السابع، يرجى الضغط على هذا الرابط.

بين مضيفة الطيران آمال والصحافية شهيرة كامل، ورجل الأعمال نبيه بيه الأرابوطلي الذي لا يخاف سوى من الفلاح سليم سلمان سليم والفنان التشكيلي كمثقف عادل صادق كميزانين يهددان طمعه الذي يهدف اليه، تظهر أيضاً الراقصة عدولة، والملاكم صالح محمود، ودكتورة الكيمياء سميحة طاهر، وقائد الطائرة، ومساعديه، والطفل ياسر فهمي بطل الجمهورية في سباحة الاطفال.

شخصيات صنع منها لينين الرملي في الحوار الذي كتبه أعمدة أي مجتمع انساني، وعلى الرغم من وجودهم في صحراء قاحلة إلا أنهم يعلمون من خلال قائد الطائرة ان ثمة واحة قريبة من الصحراء من الممكن ان يقصدوها لتخفف عنهم حرارة الشمس.

وفي مشهد يخص كل واحد فيهم عن الحال الذي سيصل إليه اذا ما جاءت طائرة لإنقاذهم، نرى الفنان التشكيلي المثقف يحاول ضبط نفس المجموعة، في حين رجل الأعمال الذي يمثل المال لا يفكر الا بالصفقة التي ذهبت منه نتيجة هذا التعطيل، والفلاح الشهم الذي يبادر في قطف البلح من الواحة كي يسد جوع الناس، والراقصة التي كُسرت قدمها وكيف ستعيش اذا لم يُجبر هذا الكسر، والكثير من الحوارات الفردية والثنائية التي تمثل كل شريحة تعيش في أي مجتمع كان.

نبيهاليا

مع فقد الثقة باقتراب طائرة لإنقاذهم، تبدأ الفكرة في ضرورة ايجاد مخرج مؤقت لاستمرار عيشهم، عن طريق القبول بالواقع الى أن يتغير، ليظهر نبيه بيه هذه الشخصية التي تمثل التوق إلى التسلط والتحكم، يبدا الحكاية بلعبة «ورقة وكتابة» في المساومة بأشياء يملكها اخرون كبيض مسلوق مع الفلاح أو قطعة قماش ترتديها إحدى النساء، وهكذا، وفي كل مرة يكسب، الى أن يأتي الرهان على الواحة نفسها، كل هذا في اطار اللعب، فيقف أمامه الفلاح الذي يعترف بمفهومية نبيه بيه الأرابوطلي عليه، عندما يقرر عدم اللعب ومساومته ببيع نصف الواحة بـ‬50 دولاراً، فيقبل على الرغم من أن الحظ حالفه بتملك الواحة، لكن دهاء رجل الأعمال جعله يسبق الكشف عن هذا الحظ ومساومته، لكن اللعبة تتحول إلى حقيقة ومرة ايضاً، عندما يبدأ نبيه بيه بالتعامل صدقاً وكأن الواحة ملكه، والانصياع التام من قبل معظم المجموعة له، مع وجود بعض الآراء المعارضة التي لا يسمع صوتها، هكذا وفي لمح البصر يصبح نبيه بيه الأرابوطلي ملك الواحة ويطلق عليها مملكة «نبيهاليا» تيمّناً باسمه، ويصبح البلح هو مصدر الرزق والعيش، فيتحكم بتوزيعه على المجموعة مقابل عملهم لا يفرق بين مريض وطفل وعاجز، يعطيهم اقل من تعبهم، الى ان يقرر الفنان التشكيلي عادل ان يثور من خلال المطالبة بانتخابات نزيهة.

بداية الثورة

يستعين نبيه بيه الأرابوطلي بشخصيات في الفيلم كي تواليه ضد أي متمرد، يبدأ بالبحث عن نقاط ضعف كل واحد منهم على حدة، فالدكتورة في علم الكيمياء تتمنى الزواج، فيلعب على هذا الوتر بإيهامها بحبه، والصحافية شهيرة يهمها أن تحصل على مركز كبير في صحيفتها، ويعدها بذلك، والملاكم الذي لا يفكر الا بالفوز يقنعه نبيه بيه أنه يعمل لصالح الجميع كي لا تسود الواحة الفوضى، فيستغل قوته وعضلاته في البطش بالمجموعة، لكن أحداث الفيلم تكشف مدى الزيف حول شخصية نبيه بيه، بطرق تراجيدية مؤلمة، الى أن يذهب الجميع الى الفنان التشكيلي الملم ثقافياً بكل الأمور التي من شأنها صناعة دولة، فيقترح اجراء انتخابات نزيهة لاختيار ملك الواحة، ليرد قائد الطائرة هذه هي الديمقراطية التي يقف على فهمها الملاكم والفلاح والطفل، فيعطى المايكرفون لكل شخص في المجموعة في شرح الديمقراطية التي تتلخص بحرية الرأي وصون الكرامة وتوفير سبل العيش الكريم من خلال تقسيم الثروات بعدل.

الديمقراطية تهمة

يفزع الملك من مطالبة أهالي الواحة بانتخابات ديمقراطية نزيهة، ومع الضغط يخضع لهذه الرغبة وفي عقله خطة تخريبية، حيث يدعوهم بعد صناعة الخمر من البلح الى جلسة يقول كل واحد فيهم برنامجه في مشهد اجمل واهم المشاهد التي مرت على صناعة السينما المصرية ويقول: «في صحة الانتخابات والعدالة وحق الإنسان، في صحة الديمقراطية» يرفع نبيه بيه الأرابوطلي كأسه في الهواء، ثم يهبط به ليستقر على شفتيه من دون أن يرتشف منه رشفة واحدة، بينما تتسلل نظراته من خلف الكأس لتستعرض الوجوه كلها، وآثار الشرب بدت واضحة على سلوكهم، هي الوجوه نفسها التي كانت تطالبه بالديمقراطية فقدت الوعي ولم يعد لهم القدرة على التفاوض، فينتصر نبيه بيه مرة أخرى، ولكن إلى حين.

الثورة مستمرة

فور استيقاظهم يجدون أنفسهم في مشاهد يخجلون منها، فيعلو صوت «راحت فين الثورة يا زعيم، مش كانت بين ايديك؟» ليرد أحدهم «لازم اتنشلت»، فيرد قائد الثورة الفنان التشكيلي «الثورة مستمرة، وإذا كنا غلطنا أو انضحك علينا مرة، فده مش معناه إننا نيأس».

تعود المجموعة الى اللحمة مرة ثانية ويتنبه نبيه بيه الى ذلك الخطر فيقرر حرق الواحة هو أو حرق البلد، مشهد يذكرنا بما كتب على جدران دمشق «الأسد أو نحرق البلد»، وبالفعل تنحرق الواحة، لكن ثمة صوت طائرة قريب يظهر في ظل كل هذا الدخان والصمت، وصلت طائرة النجاة أخيراً، تقرر المجموعة ترك الواحة لملكها الذي حرقها، لأنها بالنهاية ليست الا وهماً فالوطن مازال موجوداً.

الأكثر مشاركة