فيلم يناقش ضرورة أن يكون الأبناء أحياء كي يبنوا الوطن

«السقوط» الاختباء هو الحل الأسلـم للديكتاتور

الفيلم يرصد آخر 10 أيام من حياة ادولف هتلر وهو مختبئ في منزل كامل تحت الأرض. أرشيفية

عندما جسدت شخصية الزعيم الألماني الراحل أدولف هتلر في أفلام سينمائية عدة، كانت اللحظة الأخيرة هي الأكثر فضولاً لدى المتابعين، وهي اللحظة التي قرر فيها قتل نفسه وأمر مرافقيه ومواليه بالانتحار أيضاً. المتعارف عليه كان تعنت هتلرالذي أوصله إلى حتمية الانتصار وكسب المعركة حتى الرمق الأخير، لكن الحقيقة تكشفت ووضحت أكثر بعد معايشة الوطن العربي والعالم كله لديكتاوريات جديدة. هو لم يقتل نفسه شرفاً. هو ببساطة يعي تماماً أن عائلات أكثر من 50 مليوناً ممن تسبب في قتلهم بالحرب العالمية الثانية ينتظرون لحظة الانتقام. وعندما أقدمت ماجدة زوجة وزير الإعلام والدعاية الألمانية عن هتلر «جوزف غوبلز» في فيلم «السقوط» على تنويم أبنائها الستة ومن بعدها تسميمهم بكل برود، كانت تدرك وزوجها أنها إن لم تفعل ذلك سيكون مصيرهما ومصيرأبنائها يشبه كل عمل اجرامي ساهما فيه تجاه البشر. هو ليس انتماء للفكرة النازية بقدر ما هو خوف من انتقام عائلات ضحايا النازية.

لمشاهدة تفاصيل أوفر عن الموضوع، يرجي الضغط على هذا الرابط.

العنصرية

في فيلم «السقوط» للمخرج أوليفر هيرشبيغل وبطولة برونوغانسو، ألكسندرا ماريا لارا، أولريش ماتس، و كورينا حرفوش، الذي عرض لأول مرة عام 2004، يعيش المشاهد آخر 10 أيام من حياة ادولف هتلر وهو مختبئ في منزل كامل تحت الأرض في برلين، حوله حاشيته وجنوده المخلصون حسب شروطه، في الوقت الذي تم فيه السيطرة على ألمانيا من قبل جيوش الحلفاء عام 1945، إلى أن وصلت الى برلين التي شهدت سقوط الطاغية بأن أطلق النار على نفسه وأقنع عشيقته إيفا براون التي تزوجها قبل يومين من وفاته بتسميم نفسها.

يبدأ المخرج فيلمه من مقطع تسجيلي مع سكرتيرة هتلر، ترودل يونغه، وهي تؤكد أنها لا تسامح نفسها أبداً على إيمانها الأعمى « كنت ساذجة وعمري لم يتجاوز الـ 22 عاماً، كنت مبهورة به، لكن صغرعمري لا يبررأبدا أنني لم أدرك الحقيقة حينها، لن أسامح نفسي أبداً»، وعلى الرغم من أن هذا التسجيل سبق إنتاج الفيلم سنوات حيث توفت يونغه عام 2002، إلا أن المخرج أراد أن يبدأ بها، ويدخل من خلال هذا التصريح الحقيقي إلى مجريات فيلمه معها أيضاً، لكن هذه المرة تؤدي دورها الفنانة ألكسندرا ماريا لارا، حيث التركيز على عنصرية هتلرالذي أدى دوره، برونو غانس، حتى بين الألمان أنفسهم، وهو يقف أمام مجموعة من النساء الصغيرات بعد استدعائهن في منتصف الليل لإجراء مقابلة لاختيار سكرتيرته الخاصة، في سؤال واحد «من أين أنت؟» وبين برلين ومدن ألمانية أخرى ومدينة ميونخ يختار الفتاة من ميونخ لأنها من ميونخ فقط، ويصفها لكلبه الخاص بأنها «ذكية جداً».

إلى الأبد

في برلين عام 1945 تحديداً، يعيش الفوهرر، في بيت كامل متكامل تحت الأرض، هو وضباطه وحاشيته ونساء لوظائف مختلفة، هم المقربون إليه، يثق بهم، حتى إنه لا يشك في رفض أي طلب ولو كان بقتل النفس من أجله، تسمع أصوات المدافع، فيهرع هتلر إلى الضباط ليسأل عن مصدر هذا الصوت، فيعلم أنها مدافع روسية وهي بعيدة عن برلين أقل من كيلومتر، هذا التفصيل هو الرسالة الواضحة أن قوات الحلف استطاعت السيطرة على ألمانيا وبرلين هي الهدف الأخير، يرفض هتلر تصديق هذا، ويصر بتعنته وجبروته على أن يقحم الجيش المنهك المزيد من الحروب المتتالية في معركة معروفة مسبقا أنها خاسرة، يرفض سماع أي رأي مخالف لرؤيته التي لا تعرف سوى لغة الدم، ومن اقسى العبارات التي قالها عندما قصده أحد ضباط المواجهات الميدانية، وقال له «سيدي يجب تأمين حياة ثلاثة ملايين مدني»، فأجابه هتلر «لا أريد سماع كلمة مدني، من لن يحارب لبقائي هو عدوي»، جملة تقشعر لها الأبدان ليبدأ بعدها مباشرة للتخطيط لمستقبل برلين «انتم من معي في هذا الخندق نكفي لبناء برلين، لا نحتاج إلى من تسموهم بالمدنيين». هو الانسلاخ التام عن الواقع الذي أسهم فيه على أكبر تقدير مستشاره ووزير الإعلام والدعاية جوزف غوبلز، الذي أجاب أحد الضباط يوما وبعد استمرار المعركة أن الأسلحة نفذت من عندهم فقال: «الايمان بهتلر وبالفكرة النازية هي التي ستدفعهم ليبحثوا عن طرق أخرى للبقاء». هذا البقاء جعلهم يختارون أطفالاً من عائلات فقيرة مقابل وسام شرف من هتلرالذي يحتقرهم أساساً للانضمام إلى الجيش الألماني، وفي مشهد مؤثر لوالد الطفل بيتر، الذي تركز عليه كاميرا المخرج في أكثر من مشهد، يقف أمام هؤلاء الأطفال «ماذا انتم فاعلون؟ أنتم موتى لا محالة، برلين تحرق، وأميركا، وبريطانيا، وروسيا، هنا لمن تضحون بأنفسكم»، ليجيب الجميع «من أجل هتلر والوسام الذي وعدنا به»، فيجيب «لا اريد لابني وساماً أريده حياً وفقط ليبني ألمانيا بعد رحيل هتلر».

الأمر في الموت

تمر الأحداث في الفيلم بين تسليط الضوء على شخصية هتلر مع أعوانه الذين يمتازون بحبهم لشخصه على حساب الوطن والفكرة المراد منها من هذا الوطن، لا أحد يجرؤ على معارضته، حتى كبار الجنرالات الذين تمنى هتلر أن يعدمهم اسوة بستالين لأنهم في رأيه لديهم نظرية مختلفة عنه وهم خائنون اذا ما خالفوا رأيه، واعدامهم واجب ولم يتردد في ذلك، فأصغر موظف من المقربين إلى هتلر يستطيع إهانة أكبر جنرال ألماني الانتماء. يبدأ هتلر بفقدان السيطرة رويدا رويدا، بعد كل اتصال من قائد وضابط وجنرال بأن الحرب على وشك الانتهاء لمصلحة التحالف، واقناعه بضرورة مغادرة برلين لبدء حوار مع الأميركيين والبريطانيين، إلا أنه يصر على البقاء بناء على نصيحة أحد ضباطه الذي قال له «البطل لا يترك المسرح إلا بعد اسدال الستار»، واسدال الستار كان بالنسبة لهتلر هو قتل نفسه، والاجتماع بالمقربين له من عشيقته التي اصبحت زوجته ليومين وسكرتيرته «يونغه» وضباط مخلصين، وتوزيع «قارورة» تعمل على شل الأعصاب لتسهل عليهم «قتل أنفسهم» يأخذون القارورات بل يتسابقون عليها وهو يجلس فرحاً، كأنه المنتصر، ويصر على أخذ الوعد منهم على قتل أنفسهم من بعده.

شبح هتلر

موجات غضب وصراخ وسباب واتهام كل من خالفه الرأي بالخيانة، وعدم الاكتراث بقتل طفل مدني لا ذنب له، كلها مشاعر تم رصدها بشكل ابداعي. يقررهتلرالذي استفز من رسالة من ضابط في شمال برلين يقول فيها إنه سيأخذ القرار الصائب اذا لم يرد عليه ويتهم «هتلر» بالعجز، فيزيد شعوره بالإقصاء وقد فقد نهائيا سيطرته على برلين، يقصد حارسه الشخصي، ويقول له « قررت الانتحار، لكن قبل ذلك أريد وعدا منك أن تحرق جثتي، فلا أريد لمن يريد الانتقام مني أن يعثر علي لا حياً ولا ميتاً»، وينفذ القتل إلى جوار زوجته في مشهد مملوء بالصمت والترقب. مات هتلر لكن الموت الذي تم تأكيده بين المقاتلين لم يزل شبح الخوف منه حتى إن أحد ضباط المخابرات قال «لن أجرؤ على الاستسلام، لأن الفوهرر سيقتلني» ليجيبه الضابط الطبيب الذي كان الأكثر انسانية بين الضباط «هتلر مات، هل أنت خائف من شبحه؟».

تهدم القيم

لم ينته الفيلم مع موت هتلر بل دار بنا المخرج في طرق موت كل من هو قريب من هتلر، لكن سكرتيرته لم تقبل الموت خصوصاً أنها وعدت زوجة هتلر بذلك. ومن أقسى مشاهد قرار الموت كان متمثلاً بماجدة زوجة جوزيف غوبلز التي تذهب بكل برود الى المختص بصناعة الأدوية الخطرة وتطلب منه صناعة دواء للتنويم السريع، تذهب بعدها الى غرفة أطفالها الستة، تجبرهم على أخذ الجرعة مع مقاومة ابنتها الكبرى، ينامون في ثوان، لتدخل عليهم مرة ثانية وتسقيهم السم، في قمة البرود وعدم الاكتراث، تخرج الى زوجها مؤكدة أن الله سيسامحها لأنها فعلت ما هو أرحم من المفترض فعله اذا ما وقعوا أطفالها بيد المنتقمين، وتذهب هي وزوجها خارجاً وينتحرا معاً. لتتوالى المشاهد بعد ذلك بطرق قتل الضباط لأنفسهم واحداً تلو الآخر، باستثناء الذين استسلموا وافرج عن من بقي فيهم حياً بعد ذلك بسنوات.

تويتر