طيف «جلاد» الدورة الماضية يعود محملاً بالتأويل في ثاني عروض مســابقة «الشباب»
«أصابع الياسمين».. رائحة العراق على الخشبة
لم يعكس عدد الحضور الجماهيري في ثاني عروض المسابقة الرسمية لمهرجان دبي لمسرح الشباب، المأمول، أو حتى المتوقع لعمل يجمع مخرجاً ومؤلفاً سيطر العمل الذي شاركا به العام الماضي على معظم الجوائز، وبدا واضحاً أن إشكالية غياب تواتر العروض بعد انطلاقتها بغض النظر عن الأسباب، قد أفقد الجمهور حماسة المتابعة، وترقب المنافسات الشبابية.
بعد يوم غاب فيه الجمهور عن المسرح بسبب غياب العروض، جاءت «أصابع الياسمين»، لتعيد ثنائي «الجلاد» الذي أبهر الجميع العام الماضي، وهما المخرج الإماراتي مرتضى جمعة والمؤلف العراقي أحمد الماجد، بعمل مفتوح من حيث دلالة العنوان على تأويلات عدة، ما بين «ياسمين الربيع العربي» انطلاقاً من تونس، مروراً بمصر واليمن وليبيا وسورية، أو حتى الإحالة الرومانسية الحالمة المصاحبة بالأساس لرائحته الزكية.
ورغم أن جمعة سعى إلى تثبيت بعض عناصر الجلاد، ومنها ثنائيته مع المؤلف، ووجود الفنان حسن يوسف ضمن طاقم العمل، وإن في توظيف مختلف هذه المرة بعيداً عن الأزياء، وعودته لتخصصه كممثل، إلا أنه استبعد الممثلة المغربية التي تحمل جواز سفر إماراتياً زينب عبدالله، لمصلحة ممثلة عراقية شابة هي رشا العبيدلي.
الحضور العراقي في «أصابع الياسمين»، لم يكن محصوراً مع ذلك في الماجد والعبيدلي، بل امتد لينثر رائحة ألفها الشارع هناك، نابشاً في ثقافة الاغتيالات والتفجيرات المقيتة، التي تعمق الكراهية وتنثر الحقد الذي يشوه كل ما هو إيجابي في النفوس قبل الوجوه.
ينجح المخرج في إدخال المشاهد لمراقبة سياق المؤامرات، عبر ظهور غير تقليدي لرجل وامرأة يتعاتبان بانفعال، وكل منهما مستتر بستارة، وفي حين أن المرأة التي تؤدي دورها العبيدلي، تبدأ ملامحها في الاتضاح بفعل ابتعادها عن الستارة، إلا أن الرجل الذي يجسد دوره حسن يوسف يحاول الاحتفاظ بوجهه المختبئ تارة خلف الستارة، وتارة أخرى خلف وشاح.
الحركة المقيدة رغم الفضاء المفتوح والمقتصد جداً في قطع الديكور، تحيل إلى القيود المعنوية في الحوار، فهما زوجان، أو خطيبان أو حبيبان، بينهما دائماً مسافات بعيدة، وفي الوقت الذي تتوق فيه المرأة عبر زمنين، احدهما حدثي طبيعي، والآخر استرجاعي إلى يوم زفافها، تتداخل الحوارات وتتقاطع في الزمنين بينها وبين الرجل.
الموسيقى التي سعت إلى تتبع الأجواء النفسية المتبدلة، لم تبرر غيابها في مفاصل، مثلما بررت حضورها المؤثر في الأجواء النفسية، لكنها كانت في أفضل حالة لتماسها مع الحدث، لحظة انكشاف وجه الرجل، وتبين إصابته بتشويه يحيل إلى أنه كان جزءاً من مسلسل غدر عنوانه «التفجيرات الإرهابية».
لم يقتصر سياق الزمنين المتداخلين على السرد، بل استطاع جمعة توظيف نص الماجد في اقحام الحوار في سياق الاسترجاع، بل إن شخصية ثالثة، وهي شخصية شقيق المرأة لم تظهر إلا في هذا السياق، لتؤشر الأحداث إلى أنه كان ضحية تفجير ضالع فيه الرجل، بعد أن كان صديق الأمس الذي قدمه زوجاً لأخته.
تعميق الهوة بين المرأة والرجل الذي كان شاعراً متيماً بها، لا يتم في ظل وجود هذا التشوه المادي والمعنوي، الذي كلما تحسسته المرأة استدعت آلامها، وحتى في لحظة العشق والذوبان الأخيرة التي ظن الجميع أن الصفح عن الجريمة هو ما سيسود، فإن تحسساً لآثار الغدر، كان كفيلاً بانفصام وانفصال جديد بين كليهما، اجتهد المخرج في توظيف مفردات السينوغرافيا لتكثيف معايشته.
جاءت ملابس الشخصيات الثلاثة متماشية مع الموت والحياة، الغدر والوفاء، وغيرها من الأضداد التي طغت في «اصابع الياسمين»، من خلال اختيار لونين فقط لتلك الملابس، هما الأبيض والأسود، في حين أن انخفاض الصوت ظل بمثابة نقطة ضعف حاضرة للمرة الثالثة في عروض المهرجان، بما فيها العرض الأول المستضاف، لكن هذه المرة من دون وجود عذر فني يمكن تلمسه، بسبب كون الممثلين الرئيسين سبق لهما المشاركة مراراً على خشبة المهرجان نفسه، وغيرها.
الإضاءة في المقابل وإن تفوقت في بعض المفاصل، إلا أنها جاءت ضعيفة وغير قادرة حتى على كشف ملامح الممثلين في مواقف تستدعي حضورها، بل إنها تاهت أحياناً عند أقدام الممثلين وليس وجوههم، على نحو أفقد الخشبة التواصل مع إيقاع الأداء.
على أن العمل في سياق آخر يمكن أن تشكل قراءته اسقاطاً آخر على عموم ثنائية الغدر والوفاء، وأن التسامح بين الأطراف المتعايشة، لا يمكن أن يتم مطلقاً في ظلال آثار الكره، وهي قراءة يمكن ربطها بشكل أو بآخر مع ثنائيات أخرى قدمها كل من الماجد ومرتضى جمعة في عملهما السابق «الجلاد».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news