«الحب والمقاومة» تصنيف جديد في السنما الفلسطينية. من المصدر

«عمر».. حب في زمن الجدار

الجلاد الواضح والصريح المعالم والمعروفة أهدافه، لا يضاهيه خطورةً سوى جلاد آخر يحمل دم شعبه على عنقه، هو العميل الذي باع الوطن والصاحب والجار مقابل أي شيء، ولو كان كان تأشيرة إلى نيوزيلندا. هذا ما جاء في مشهد في فيلم «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد، وهو فيلم افتتاح الدورة العاشرة من مهرجان دبي السينمائي. ويروي الفيلم، الذي حاز إعجاب نقاد كثر، قصة حب في زمن الجدار العنصري الذي بناه الاحتلال الإسرائيلي. لحكاية الفيلم علاقة بالحب والمقاومة، وهو تصنيف جديد في السينما الفلسطينية، إذ إن الجدار ليس أكثر من سجن للشعب الفلسطيني، يحاول بطل الأحداث (عمر) الذي أدى دوره الفنان آدم بكري، أن يتسلقه كل يوم تقريباً ليتدرب على القنص مع صديقي طفولته (طارق وأمجد) وكي يرى حبيبته (إيمان) التي بسببها تنقلب الموازين كلها، ليكتشف الفلسطيني أنه مهدد في كل لحظة من عدو سلب أرضه. الفيلم يسرد قصة (عمر) الشاب الفلسطيني المهذب الملامح الذي ينتمي لأسرة منفتحة وفق مشهد المنزل العائلة وطريقة تعاطيها مع الأمور، إذ يحب (عمر) فتاة اسمها (إيمان) شقيقة قائد الكتائب (طارق)، ويريد الزواج بها. يتسلق الجدار العازل تارة ليتدرب على قنص العدو، ويتسلقه أيضاً ليلمح حبيبته من خلف سور مدرستها. تستمر الأحداث والمعاناة اليومية، وفي المشهد الذي استطاع (عمر) أن يفلت من إنذار سيارة شرطة وهو عائد إلى أرضه من خلال الجدار، توقفه الدورية من الجانب الآخر، تطلب هويته بعد أن يخلع قميصه، يطلب منه الشرطي الوقوف على صخرة تترنح، فيترنح معها، يفقد الصبر ويصرخ «لو كنتو زلام شيل سلاحك وواجهني». هو القوي بجسده الضعيف أمام سلاح لا يملكه، يضرب ويهان، ويقرر في اليوم الثاني المضي في عملية ربما للانتقام لكرامته التي أهدرت على أرضه. تنجح العملية التي يشارك فيها أصدقاء الطفولة (عمر وطارق وأمجد) ولكل واحد منهم مهمة، فعلى (عمر) أن يسرق سيارة، وعلى (طارق) تحديد الهدف وعلى (أمجد) قنص الهدف. وحالة توتر عامة تصيب الجانب (الإسرائيلي) في ضرورة القبض على من قتل جندياً منهم، تتم ملاحقتهم ويتم القبض على (عمر).

جرح

المخرج هاني أبوأسعد صاحب فيلم افتتاح الدورة الثانية من مهرجان دبي السينمائي «الجنة الآن»، الذي تناول حكاية شابين يريدان تفجير نفسيهما، اختار هذه المرة أن يضع يده على جرح يبدو أنه فاض دماً، يريد أن يحكي حقيقة يخجل الفلسطيني صاحب لقب الصامد والمقاوم والشهيد والأسير أن يعلن عنه.

في المعتقل حكاية أخرى، ففي البداية تعذيب جسدي، مروراً بإرسال ما يسمى بـ«العصفور» الذي يدخل في علاقة مع السجين ويسلب منه معلومات لم تستطع الأجهزة المجرمة أن تحصل عليها، وليس نهاية بمحاولة تجنيد «الأسير» ليخدم العدو الصهيوني، وهذا ما حدث فعلاً مع «عمر» الذي يتعرض لشتى أنواع الابتزاز، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بحبيبته، فيقرر الاتفاق مع المحقق (الإسرائيلي) مقابل تسليم صديق طفولته (طارق) ، لكن منذ لحظة خروجه من الأسر، يعي المشاهد أن (عمر) يريد الحقيقة ويريد كشف الخائن بينهم.

في فلسطين، معروف اجتماعياً إذا ما خرج أسير من المعتقل بشكل سريع فهو على الأرجح اصبح عميلاً للعدو، فيتعرض (عمر) لنبذ اجتماعي، ويتحدى كل هذا، خصوصاً ثقة حبيبته به، ويعلن لـ(طارق) أن خائناً بينهم، فيقرر (طارق) عمل كمين آخر لكشف الخائن، فيوافق (عمر)، ويتصل بالمحقق (الإسرائيلي) ليعرفه بالمكان والزمان، لكن العملية لا تتحقق وتنقلب ويستشهد أربعة أشخاص من الكتائب، ويتم القبض على (عمر) مرة أخرى.

قبل الوصول إلى النهاية من الضرورة المرور على شخصية (أمجد) الابن الوحيد بين سبع بنات، خفيف الظل يطلق النكات دائماً ويحب هو الآخر (إيمان) ويزورها كل يوم خلف سور المدرسة كي يأخذ رسائلها ويوصلها إلى (عمر). ومن ضمن القصص الطريفة التي قالها (أمجد) ما يتعلق بطريقة اصطياد القردة، حيث يضع الصائد قطعة سكر في حفرة ضيقة فيمد القرد يده إليها فتعلق ليقع في يد الصياد.

بعد فشل الكمين والقبض على (عمر) مرة ثانية، تنتشر في الأوساط الفلسطينية أن (عمر) عميل لا محالة. يقف (عمر) أمام المحقق، يرجوه إعطاءه فرصة ثانية واعداً إياه بتسليم (طارق). وبعد أخذ ورد من الجانبين يقرر المحقق أن يفرج عن (عمر) الذي اكتشف العميل، ويريد مواجهته، فالعميل هو (أمجد) الذي يواجهه (عمر) خصوصاً بعد نبذ حبيبته له التي صدقت الرواية، ليقف أمامه (أمجد) ويعترف له أن السبب وراء عمالته أنه أقام علاقة مع (إيمان) وهي حامل منه، ولا يمتلك النقود فباع وطنه مقابل إنقاذ (إيمان). يصاب (عمر) بلحظة انهيار، فحبيبته حامل من صديقه، وهي السبب وراء كل ذلك، فيقرر (عمر) أن يقول كل شيء (لطارق) بحضور (أمجد) واعداً إياه بحمايته ليس حباً فيه بل لحماية حبيبته التي خانته.

يلتقي الأصدقاء الثلاثة مرة أخرى، ويهجم (طارق) على (عمر) متهماً إياه بالخيانة فيقول (عمر) القصة كاملة، ويصاب (طارق) بالجنون وفقدان السيطرة ويهم بضرب (أمجد)، في لحظة وصول المحقق (الإسرائيلي) وجنوده وطلقة برأس طارق توديه شهيداً.

يشكر المحقق عملاءه، والاستغراب يبدو على وجه (عمر) التائه بين وطنه وحبيبته وفقدان الصاحب، يذهب مع (أمجد) إلى بيت (إيمان) خصوصاً بعد أن طلب من الجانب (الإسرائيلي) الاحتفاظ بجثة طارق لمدة شهرين، يطلب يد إيمان لأمجد مع استغراب من العروس، ويهيم في الأرض تائهاً، وتخر قواه، خصوصاً عندما يحاول تسلق الجدار ولا يستطيع فيبكي مثل طفل فقد ذيل فستان أمه وتاه عنها. بعد مرور عامين من زواج إيمان وأمجد، وظهور قائد كتائب جديد للمقاومة ومحاولته الاتصال بـ(عمر) دائماً لأخذ معلومات عن (أمجد)، ورفض (عمر) الذي فقد الحب ومعنى أن يكون المقاوم شريفاً وحراً، يصل المحقق (الإسرائيلي) إلى عمر في المخبز الذي يعمل فيه، ويطلب منه تسليم القائد الجديد للمقاومة. في هذا الوقت يريد (عمر) الوصول إلى حقيقة لم تكتمل بعد، فيقرر الذهاب إلى (أمجد)، فتفتح له حبيبته الباب وهي تحمل طفلة، وولد يلعب، فيسألها (عمر) عن الولد والعمر فيدرك أنه وقع في فخ قصة غير حقيقية، فلم تكن (إيمان) على علاقة بـ(أمجد) ولم تحمل منه، لكن (عمر) لم يستغرب فمن يبيع الوطن يبيع كل شيء.

يقرر أخيراً الانتقام، يقصد قائد الكتائب ويخبره بأن المحقق (الإسرائيلي) يريده، ويحكي له قصة (أمجد) ويطلب منه القبض عليه، لكن بوعد ألا يمسه فهو يريد الانتقام منه، ويكتب رسالة مفصلة إلى حبيبته، ويتصل بالمحقق ويطلب منه مسدساً مقابل تسليم قائد الكتائب الجديد. يأتي المحقق في الوقت المحدد ويسلمه المسدس، لينتهي المشهد بسؤال من (عمر) موجه إلى المحقق «بتعرف كيف بموت القرد» ليطلق رصاصة من المسدس على رأس المحقق.

الأكثر مشاركة