رسالة سينمائية يوجّهها جورج كلوني إلى «سارقي التاريخ»

«رجال الآثار».. انتصار آخر على هتـلــــر

لم يبتعد كلوني كثيراً في «رجال الآثار» عن إظهار البطل الأميركي الذي يتحدى الصعاب ويتفوق دائماً. أرشيفية

السؤال الذي قد يختلف على إجابته كثيرون، وكان الأساس الذي بُني عليه فيلم جورج كلوني الجديد «رجال الآثار»، ويعرض حالياً في دور السينما المحلية بعد عرضه في مهرجان برلين السينمائي الأخير: هل يمكن التضحية بروح بشرية مقابل إنقاذ لوحة عمرها آلاف السنين؛ خصوصاً ونحن نعيش يومياً قصص سرقات وهدم الآثار عبر الصواريخ في سورية، وفي مدينة حلب تحديداً؟

الإجابة ستختلف، لكن الظروف التي جعلت من سبعة أفراد من الضباط المختلفين في الرتبة والجنسية، ما بين أميركية وفرنسية وبريطانية، أن ينتظروا موافقة على الطلب الرسمي الذي قدمه قائدهم (فرانك) إلى الرئيس الأميركي حينها (روزفلت) لقبول تشكيل فرقة عسكرية، أفرادها متخصصون في الفن؛ لإنقاذ اللوحات المسروقة من قبل المحتلين النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية، يضع المشاهد أمام شعورين: أولهما، تصديق الرغبة الحقيقية من قبل هؤلاء في إنقاذ تلك المسروقات التي تعتبر تاريخاً حضارياً لشعوبها، والثاني هو محاولة البحث عن انتصار لهؤلاءن بعد أن تحولوا إلى إداريين أو موظفين عاديين بعد الحرب العالمية الأولى، وها هو هتلر يتخبط واقترب سقوطه، فبحثوا عن حجة ربما ليرتدوا البزة العسكرية مرة أخرى، ويكون لهم دور في انتصار من نوع آخر على هتلر الذي سقط نظامه فعلاً.

 

مرحلة الإقناع

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

الفيلم الذي لاقى هجوماً حاداً من قبل النقاد، خصوصاً بعد عرضه في مهرجان برلين السينمائي الماضي، قام ببطولته مخرج الفيلم جورج كلوني، ومات ديمون، وكيت بلانشيت، وهويبونفيل، وبيل موراي، وجان دوجاردان، وجون غودمان، وبوب بالابان، وديمتري ليونيداس. حاول كلوني أن يقدم نموذجاً لفرقة عسكرية لا تريد المشاركة في القتال هذه المرة، بل تريد بسبب شغفها بالفن والجمال أن تنقذ اللوحات والمنحوتات الفنية التي يعود تاريخها لآلاف السنين، مؤكداً من خلال العبارات والمشاهد أن إنقاذ لوحة لا يقل عن إنقاذ روح بشرية، وهنا قد يختلف الكثير على هذه المعادلة، فالبناء قد يعاد إحياؤه من جديد، حتى الفنون مازالت قادرة على تجديد نفسها ما دامت الألوان موجودة.

المشهد الأول من الفيلم يسلط الضوء على فرانك، الضابط الأميركي، وهو يحاول إقناع الرئيس الأميركي بتشكيل فرقة من الضباط السابقين للذهاب الى أوروبا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اللوحات الفنية والمنحوتات التي يسرقها هتلر، يتعرض فرانك لأسئلة كثيرة من قبل الرئيس (روزفلت)، أهمها: «هل تتحمل المسؤولية إذا ما قتل فرد من الفرقة؟ وهل سيكون الجواب حاضراً لديك؟ فيجيبه: «نعم». وينطلق لتشكيل فرقته مستعيناً بضابط فرنسي (جاين كلاود)، وضابط بريطاني (دونالد)، إضافة إلى الضباط الأميركيين، على رأسهم (جايمس، وريتشارد، ووالتر، وبريستون)، ويجمع هؤلاء اختصاصهم بمختلف الفنون.

بعد الموافقة الرئاسية ينطلق فرانك وجايمس، وهما الأعلى رتبة بين الفريق للقاء الفرقة العسكرية، وجميعهم يشكرون فرانك على هذه الفرصة، وهنا يظهر الشغف بارتداء البزة العسكرية مرة أخرى، لاسيما في المراحل النهائية لوجود هتلر على الأرض، يصلون إلى (النورماندي)، وهي من المناطق الفرنسية التي تحررت، ويقوم فرانك بفتح خريطة يتوقع فيها المناطق التي من الممكن إيجاد مسروقات فنية فيها، ويقسم المهمة إلى ثلاث فرق تراقب مناطق عدة، لكن مهمة نائبه جايمس، هي الوصول إلى (كلير) التي تعد من أكثر النساء معرفة بتاريخ الفنون، وهي الشاهدة على أكبر سرقات حدثت أمام أعينها، حتى إنه تم اعتقالها من قبل حكومة ديغول التي اتهمتها بالخيانة، لكن جايمس يخرجها لأنه يعي تماماً ما تخبئه هذه المرأة.

 

حياتكم أهم

بعد أن ينطلق كل فريق إلى مهمته يشدد عليهم القائد (فرانك) أن حياتكم أهم، بمعنى أنه إذا ما شعرت بأنك مهدد بالموت لا تجازف، وهكذا تبدأ كاميرا كلوني بإدخال المشاهد إلى حياة هؤلاء الذين بعد أن كبروا في السن عادوا لهذه المهمة، تاركين عائلاتهم ومن يحبهم في ما اعتبره الآخرون مجازفة، بين هؤلاء البريطاني (دونالد) الذي فقد الثقة بعد الحرب العالمية الأولى وأصبح سكيراً غير منتج، وليس مدعاة فخر لأبويه، لكن ما يحدث معه سيغير مجرى كبيراً في طريقة تعاطي الفريق الذي يشعرك أنه آتٍ إلى نزهة، فهو أول من يضحي بحياته من أجل الفن، ويحدث هذا في بلجيكا، حيث تمثال العذراء مريم تحضن ابنها، وكان يطلق عليه تمثال (مادونا)، يقصد دونالد الكنيسة، فيرى التمثال، يكتب عنه لأبيه في رسالة، يقول له إن التمثال بخير، وهو آتٍ للكنيسة ليحذرهم من النازيين الذين باتوا الآن يسرقون الفن، وقبيل إنهاء رسالته يدخل ضباط من النازيين فعلاً، يختبئ دونالد، ويسمع آلية إنزال التمثال في حضرة صمت القساوسة هناك، فيجهز مسدسه، الذي يسمعه أحد الضباط النازيين، فيتواجهان، طلقة منه تصيب ذراع الضابط النازي، الذي يردي دونالد قتيلاً، ودمه يسيل على الرسالة التي تصل إلى أبيه، والتي باتت تحفيزاً آخر للفرقة على البحث عن المسروقات، خصوصاً تمثال (مادونا).

 

مشاهد

يحتوي الفيلم الكثير من المشاهد الزائدة، والتفاصيل التي لم تضف إلى الحكاية معنى، وحتى الأداء بالنسبة للأسماء المذكورة لم يكن الأفضل، مقارنة بأدوار سابقة، باستثناء بلانشيت التي أدت دور كلير، التي كانت تعمل سكرتيرة لضابط فرنسي متعاون مع النازيين من خلال تسهيل سرقات فن بلاده، وأخذ البعض منها إلى منزله، بعد انتصار فرنسا وخلعه بزته العسكرية. كلير كانت على ثقة بأن مديرها عميل ومستفيد، إذ شاهدت صفقاته، ودونت كل شيء بحرفية عالية، وكان هذا التدوين هو الملاذ الأخير للفرقة العسكرية التي اعتمدت عليه في معرفة كل لوحة وقطعة فنية عائدة إلى أي بلد، وقد وصلت الفرقة إلى ألمانيا، وإلى غرفة اجتماعات هتلر، التي يتوسطها مجسم لحلم هتلر في شكل ألمانيا الكبيرة القادمة، ومن ضمن المشروعات متحف حمل اسمه، ما أكد كل شكوكهم بضلوع النازيين في سرقة التحف.

الحقد النازي لم يتوقف فقط عند زهق أرواح أكثر من نصف مليون إنسان، بل تعداه إلى أمر بحرق كل المسروقات الفنية التي تمت تخبئتها في مصانع الفحم والذهب والنحاس، كان أمراً هتلرياً، فبعده لا يريد أن يعرف العالم حضارة بلدانهم، وتاريخها، يريدهم هائمين على وجوههم، وقامت بالفعل فرق نازية بتنفيذ الأمر على الرغم من معرفتهم أن هتلر أصبح في خبر كان، وأن النظام النازي سقط. في هذه الأثناء يموت الضابط الفرنسي من قبل جنود نازيين، وتفقد الفرقة روحاً أخرى.

 

البطل الأميركي

لم يبتعد كلوني كثيراً عن إظهار البطل الأميركي الذي يتحدى الصعاب ويتفوق دائماً، حتى إن اللذين ماتا من فرقته ليسا بأميركيين، بل فرنسي وبريطاني، يصل جايمس أخيراً إلى ألمانيا ومعه كتاب كلير، تبدأ الفرقة في الكشف عن أماكن المسروقات من منجم إلى آخر، هذا بعد تعطيلها لشاحنات كبيرة كانت محملة بالمسروقات أيضاً، استطاعت الفرقة أن تنقذ خمسة ملايين قطعة فنية، وفي مشهد لا يمكن وصفه إلا بالسياسي الذي يسقط أحداث الأمس على الحاضر، تمثل باللحظات الأخيرة قبيل وصول الروس إلى المنطقة التي خصصت لهم، وكان فرانك مصراً على إيجاد تمثال (مادونا) الذي ضحى الضابط البريطاني دونالد بحياته من أجل حمايته، وبالفعل يجده في اللحظات الأخيرة، حيث قرر تفجير منجم، وبطريقة الأفلام الأميركية التي تعتمد على الخيال، وضعت حواجز أمام الفرقة الروسية، ودخلت الفرقة المنجم، واستطاعت بالفعل إنقاذ قطع فنية كثيرة في الدقيقة الأخيرة، ومن بينها تمثال (مادونا)، وعندما وصل الروس إلى المكان وجدوا علم أميركا معلقاً على باب المنجم، وهذه هدية أميركا لهم، حسب ما قاله فرانك في الفيلم «تركت لهم تذكاراً بسيطاً». تنتصر الفرقة، ويقف فرانك مرة أخرى أمام الرئيس روزفلت يعرض عليه ملف إنجازات الفرقة التي أنقذت أكثر من خمسة ملايين قطعة فنية، وبعد أن انتهى حديثه قال له روزفلت: «فقدت الفرقة ضابطين من أجل هذه المهمة، هل تقنعني أنه وبعد 30 عاماً سيتذكرهما العالم»، لينتهي الفيلم مع نيك كلوني، والد جورج كلوني الذي لعب دور فرانك في سن متقدمة، مصطحباً حفيده، ليجيب عن سؤال روزفلت بـ«نعم».

تويتر