كوميديا سوداء تصبّ نكاتها على التطرف والاحتيال
«السحلية».. أخطاء كثيرة تحت عباءة الدين
كاثرين أشتون المفوضة العليا للاتحاد الأوروبي في لقائها الأخير مع الوفد الإيراني اختارت أن تضع الحجاب على رأسها، ما جعل من صورتها الأكثر تداولاً في الأسبوع الماضي عرضة للتعليقات الطريفة التي لم تخلُ من اسقاطات سياسية، ومع احتشامها إلا أن الإعلام الايراني قام بتغيير وتعديل على صورة أشتون، بحسب صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية، وألبسها الرداء الاسلامي التقليدي في إيران.
هذا الخبر جعل من الفيلم الايراني (السحلية) أو بالفارسية (مارمولك) الذي أنتج في عام 2004 لمخرجه كمال تبريزي، وبطولة برويز برستوئي، يعود مرة أخرى الى الساحة، حيث يتناول مسألة العمامة والمسؤولية التي تقع على عاتق من يرتديها، من خلال مجرم في السجن وجد أن الطريقة المفتوحة للهروب هو في رداء الدين، ضمن قالب يعرف بالكوميديا السوداء، حيث يتم استخدام النكتة مقابل إيصال فكرة، ومع أن مخرج الفيلم لا يعتبر معارضاً للنظام الايراني وهو يقيم في طهران، إلا أن هذا الفيلم تحديداً تعرض لانتقاد كبير، ما أدى الى سحبه من جميع دور العرض الإيرانية، في المقابل، ومن يشاهد الفيلم يشعر أن فيه نوعاً من الفن التنفيسي الذي يريح قلب المشاهد بشكل لحظي، لكن لا يجعل منه رافضاً أو معارضاً. وبعيداً عن موقف المخرج وهدفه الا أن فيلم السحلية وضع يده على الجرح في ما يخص كل من يتحدث باسم الدين بشكل متطرف. مع أن الترجمة الحرفية لـ«مارمولك» الفارسية هي السحلية بالعربية، لكن صفة الحرباء هي الأقرب الى شخصية رضا، لص المنازل الذي يتسلق الجدران ويسرق كل ما يقع تحد يديه، فيتم القبض عليه كبداية لحكاية الفيلم، وفي السجن يجلس أمام المدير الذي يحاول ادخاله في فلسفة أن السجن وجد ليس للعقاب بل للعلاج النفسي، مشبهاً القصة بـ(الريجيم) الذي يتبعه الناس لتخفيف أوزانهم، أما في السجن فيجب اتباعه لتخفيف الشر في النفس. رضا ولقبه (رضا السحلية) يظهر ومنذ البداية بعدم اكتراثه بكل ما يقوله مدير السجن، لأنه وبعد انتهاء أي حوار معه يأمر بزجه في سجن انفرادي، وفي أول مواجهة حقيقية بينهما كانت عندما علقت حمامة بأسلاك سور السجن، راهن (رضا السحلية) أن ينقذها مقابل عدم زجه بالانفرادي، واضاف مدير السجن أنه يقبل الرهان وأن يعفيه من الأعمال التنظيفية لمدة أسبوع، غير متناسٍ أن يشرح للسجناء الفرق بين الرهان والقمار كي لا يقع في الحرام، ينجح رضا السحلية، لكن مدير السجن لا يفي بوعده.
رضا السحلية عبارة عن شخص لا يؤمن بشيء، حتى إنه لا يعرف الوضوء والصلاة، ويمثل ذلك اثناء إجبار السجناء على الصلاة، متهور ومتمرد، ولا ينكر أنه محتال ذكي، هذه الشخصية لا يمكن أن تقبل زجها في السجن، هو يؤكد من خلال جمل عابرة، أن الوضع السيئ جداً هو الذي خلق منه لصاً، يقرر أن يهرب من السجن عن طريق السور الشائك وقد جرب صعوده اثناء إنقاذه الحمامة، الا أنه فوجئ باستبدال الشائك بشائك بشري من لحم ودم، فقرر ابتلاع كمية كبيرة من الدواء سرقها اثناء تنظيف عيادة الطبيب، فينتبه إليه زميله في السجن الذي اعتقد أن رضا السحلية يريد الانتحار، فهجم عليه كي يثنيه عن خطيئة عقابها جهنم لا محالة، فتنكسر زجاجة الدواء على يد رضا، فبات نقله الى المستشفى ضرورة لعلاجه.
في المستشفى تبدأ الحبكة الرئيسة في الفيلم، فيصدف وجود رضا السحلية في غرفة يقيم فيها ملا ديني حقيقي واسمه رضا أيضاً، يبدأ الحوار بينهما، من عظة وهداية من قبل الملا رضا، ورفض واستهزاء من قبل رضا السحلية، لكن يوماً بعد يوم يصبحان صديقين، خصوصاً في يوم موعد عودة رضا السحلية الى السجن، يقف أمامه الملا رضا، ويقول: «التقرب من الله بعدد من الناس»، فيهمّ بقراءة مقتطف من كتاب لإيضاح فكرته فيقرأ: «اذا أردت أن تكون صديقي فروّضني، فيجيب الثعلب: اجعلني أحبك»، وهنا يرد رضا السحلية «إذاً هكذا أصبح لكم مبشرون في كل العالم»، ومع انتهاء الحوار يستأذن الملا رضا أن يذهب الى الحمام، لينتقل المشهد الى داخل الحمام والملا رضا ينتظر أن يسرقه رضا السحلية، كأنه أعطاه إيعازاً بذلك بطريقة غير مباشرة.
يرتدي رضا السحلية لباس الملا رضا، ويخرج من باب غرفة المستشفى بكل سلاسة، مع تقديم التحيات من كل شخص يمر أمامه، والطلب منه بالدعاء لهم ولصحتهم. يهرب من المستشفى ويقرر المضي الى قرية بعيدة، فيقف له أحد الشبان، الذي يتوهه في طريقه فينتقم منه الملا رضا الجديد بسرقة محفظته، وبعد مشاهد كوميدية عدة يصل رضا السحلية بلباس التقوى الذي يرتديه الى القطار، فيقوم سائق القطار بنقله من الدرجة العادية الى الدرجة الأولى، أملاً بأن تسري الرحلة بأمان ببركة وجوده في القطار، ويستأذنه بعد لحظات بضم امرأتين في غرفته، لعدم توافر مقاعد كافية للنساء، فيقبل رضا السحلية لعشقه الكبير للنساء، تفرح الأم وابنتها بوجودهما الى جانب رجل تقي في مرتبة ملا، وتبدأ الأم بوصف حالة عذاب ابنتها من زوجها الذي لا علاقة له بالرجولة سوى بشكله، وتحرج الفتاة، وتضيف الأم أنه يضربها فتطلب منه ابنتها الكشف عن جسدها كي يرى الضربات الملا بعينه، وتقول لها: «لا تخجلي فالملا مثل الطبيب»، ورضا السحلية بدأت تعجبه العمامة التي يرتديها وما تجلبه له من حظوظ كبيرة. القرية التي قصدها رضا السحلية كانت بهدف ملاقاة صديق يزوّر جوازات السفر، لكن وما إن وصل القرية حتى قوبل بترحاب كبير من إمام المسجد هناك الذي لم يصل الى مرتبة (ملا) ومعه تلاميذه، فرحين بإرسال الدولة ملا ذي خبرة وعلم ليلقي الدروس على أهالي القرية، فيجد رضا السحلية نفسه بالفعل وقد أصبحت لديه غرفة جميلة في المسجد، وطعام شهي، وملابس، وكل ما يحتاجه، وغير مطلوب منه سوى الدعوة لهم وعظتهم كل يوم جمعة، وهو الذي لا يعرف كيف يتوضأ، فتبدأ الكوميديا السوداء تظهر بشكل جلي في المشاهد اللاحقة.
الفيلم يسلّط الضوء فعلاً على الناس التي تصدق كل شيء من أي رجل دين، دون التحقق من أصل هذا الرجل وعمله، هي الثقة الزائدة التي قد توصل إلى المهلكة، يبدأ السحلية رضا بلعب دور الملا كي يوفر غطاءً له عندما يريد زيارة صديقه لاستلام جواز سفره المزور، ومع وجود حالمين من الشباب يطمحون الوصول إلى درجة (ملا) من خلال دراستهم الحثيثة يتعرض رضا السحلية للكثير من الأسئلة التي تتعلق بالشرع، وكونه لا علاقة له بالدين يعطيهم حلولاً لا تتناسب أبداً مع ما يعرفون، لكنهم يثقون به، فمثلاً من ضمن الفتاوى التي أطلقها رضا السحلية على مستمعيه، تتعلق بالفضاء، وقال فيها: «اذا لامس جسدك جسد رائدة فضاء فهذا يجوز شرعاً لانعدام الجاذبية وقدرة تحكمك بجسدك، لكن يفضل أن تعقد عليها قراناً مؤقتاً، أما الوضوء فليس له داعٍ لعدم توافر المياه في الفضاء»، وأضاف «أما في الأرض فيجب علينا أن نغضّ البصر عن ما يفعله الشباب الى ان يوفروا المهر»، ما أثار إعجاب الشباب المصلين الذين زاد عددهم، وأغضب الكبار في السن الذين شعروا أنهم سيفقدون حلم تنصيب شباب من القرية بمرتبة (ملا)، ومع أن معظم خطب السحلية رضا غير مفهومة، وفيها الكثير من اللغط والكلمات التي لا توضع بمحلها، إلا انها كانت تقابل بحفاوة كبيرة.
تمر الأيام على رضا السحلية ويشعر المشاهد أنه تغير فعلاً، خصوصاً بعد أن تجسس عليه الشباب الصغار المعجبون به، ووجدوه أنه يغير ملابسه يوماً ويقصد بيتاً فقيراً، فاعتقدوا أنه يتنكر ليساعد الناس، مع أنه كان يتنكر ليمارس حياته الطبيعية المليئة بالمشاغبات، لكن الشباب ينشرون الخبر أن الملا رضا يتنكر ليلاً لمساعدة الفقراء، فتهب القرية جميعها لشكره وعرض مساعدته في توزيع المؤن على المحتاجين، وتتحول القرية الى يد واحدة تعمل ليلاً ونهاراً من أجل إسعاد الفقراء، في هذه المشاهد بدأ رضا السحلية يصدق الكذبة التي اخترعها، وبدأ أكثر ثقة وهو يفتي في الناس ويخطب بهم كل جمعة، الى أن يصل مدير السجن الى القرية، بعد ان وصلت معلومة أن رضا السحلية موجود فيها من مكالمة هاتفية أجراها مع صديقه في طهران.
الغريب أن سمعة رضا السحلية بشخصية الملا رضا، وصل صيتها الطيب الى مراكز الشرطة والأمن، واعتبروه أيقونة لجمع الكل وترويض الشر الموجود في بعض أهالي القرية. ومع قدوم مدير السجن في طهران (مجفر)، يصر مدير السجن في القرية أن يحضر خطبة الملا رضا على المساجين، واصفاً إياه بالمعجزة التي حلت على قريتهم، ويوافق مجفر، ومنذ اللقاء الأول يشك به، إلا أنه بالنهاية يتذكر أنه رآه في التلفاز على إحدى القنوات، فهو يشبه واعظاً يظهر على التلفاز، فيؤكد رضا السحلية هذا، وفي احتفالية كبيرة، يقرر أهالي القرية دعوة الجميع الى المسجد، خصوصاً بعد أن أصبح سكان القرية جميعهم يصلون، في هذا الوقت يتلقى مكتب الشرطة في القرية «فاكس» من العاصمة طهران يفيد بأن الملا رضا لن يستطيع القدوم اليهم بسبب وفاته، ليدرك المشاهد أن رضا السحلية لم يسرق الملا رضا في المستشفى فحسب، بل سرق مهنته الموكلة اليه، فيدرك مدير السجن في طهران الحيلة التي انطلت على الجميع وعليه شخصياً، فيقوم بالقبض عليه لكن ليس امام الناس، احتراماً لما قدمه لأهالي القرية من فائدة، جعلتهم أقرب إلى الدين الصحيح، فيسلم رضا السحلية عمامته لطفل صغير من القرية ويرحل. وينتهي الفيلم بعبارات مكتوبة مع شارة النهاية تقول: «لا يمكنك دفع الناس الى الجنة بالقوة، إنك تضغط عليهم بشكل يجعلهم يندفعون إلى الظلام».
للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news