نيكولاس كيج قاتل الأشجار «المتألق»
يعترف الفنان نيكولاس كيج أنه أخفق كثيراً في السنوات الماضية في خياراته في الأدوار التي قدمها كدوره في فيلم «غوست رايدر»، لكنه في دوره في فيلم «جو» الذي عرض في مهرجان دبي السينمائي في دورته الـ10، ويعرض حالياً في دور السينما المحلية، استطاع أن يعيد رونقه، واستطاع ببساطة أن يكسب معجبين جدداً.
الفيلم المستقل بميزانيته المحدودة للمخرج دايفيد جوردن غرين لم يقدم كيج فحسب، بل قدم مجموعة كاملة من الفنانين غير المعروفين، إضافة الى الشاب تاي شيردين الذي أدى دور شخصية «غاري»، وعملياً هو من تدور حوله الحكاية التي تصب خيوطها وماضيها على حياة «جو» وتصبح جزءاً من تفاصيلها، ضمن أحداث اعتمدت على التصوير السينمائي الذي يجعل المشاهد نوعاً ما يشعر وكأنه في المكان، لبساطة السيناريو والحوار، إضافة الى المشاهد العابرة التي عجّ بها الفيلم ومنحها صدقية عالية كالمشهد الأول واهتزاز الكاميرا فيه، الذي صور شاباً يافعاً يعاتب والده السكير لينتهي المشهد بصفعة من الأب غير المبالي، وصفعة أخرى هذه المرة على وجه الأب من قبل أشخاص غير معروفة العلاقة بينهم.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. |
هو فيلم مهرجانات من الدرجة الأولى، خصوصاً في شكل حركة الكاميرا فيه. لا يمكن تصنيفه كفيلم تجاري يبحث عن عائدات صندوق التذاكر، إنه فيلم متكامل على الرغم من محاوره التائهة، التي يمكن ربط خيوطها بسهولة، كي تصل الى أن «جو» الشخصية الرئيسة في الفيلم، الذي يعيش في منطقة فقيرة في ولاية تكساس، يتحول إلى وحش في الطباع اذا غضب، ولهذا الغضب أسبابه عندما تعيش في منطقة فقيرة، طبيعتها خلابة يسيطرعليها أصحاب المال من جهة، من خلال استغلال مجموعة بإدارة «جو» لتسميم الأشجار كي يستطيعوا بالقانون اقتلاعها والاستفادة من خشبها، ومن جهة أخرى، أمن يجابه منطقة كاملة تتعامل مع بعضها بعضاً بالسلاح، ولذلك لا تأبه بالقانون إلا بمزاجها، ومن جهة ثانية القصص الاجتماعية وتأثيرها على حياة أبطال العمل، وأهمها الأب السكّير.
بعد مشهد الشاب مع والده، تنتقل الكاميرا مباشرة الى «جو» الذي يجلس داخل سيارة، والأمطار تنهمر بكثافة، ويستمع إلى نشرة الأخبار الجوية، هو شخص يتابع فقط النشرة الجوية، سواء كانت اذاعية أو تلفزيونية، لأن عمله الأساسي يعتمد على حالة الطقس، وهنا تدخل في تفاصيل الفيلم وخروج «جو» من سيارته يطلب من مجموعة من الرجال أن يلموا العدة ويلتقوا في يوم آخر.
في المشاهد الأولى أنت لا تعلم شيئاً ولا تشعر بشيء سوى أنك أمام شخصية محبوبة ومكروهة في الوقت نفسه، ولكن الأكيد أن «جو» عمله مرتبط بنشرة الأخبار الجوية، وبناءً عليها يقرر (مياومة) الأشخاص الذين يريدون العمل لديه.
تبدأ علاقتك مع أحداث الفيلم عندما تكتشف طبيعة العمل الذي يمارسه «جو»، هو وبكل قسوة يقوم بتسميم الأشجار، كي يعطي عذراً لأصحاب المال أن يستقدموا الأسباب التي تدفعهم لطلب قطعها. «جو» يحاول أن يقنع نفسه أن هذا العمل جيد، لأن الهدف هو التخلص من الأشجار القديمة وزراعة أشجار صنوبر جديدة خلابة، هو يحاول أن يقنع نفسه بذلك، لكنه يخفق خصوصاً عندما تجده يقف أمام الشجرة وكأنه يعتذر لها، لكن سوء الحال وفقر العيش هو من يجعله ورفاقه في هذه الزاوية، فعلاقته معهم متبادلة فيها الكثير من الحب والمزاح والقسوة اذا أغضبه أحد.
الحبكة أوالتسلسل الذي يسرع من وتيرة الفيلم، هو لقاء (جو مع الشاب غاري)، فبعد مشاهد عدة تحاول التعريف بشخصية «جو» وتخفق، وكأنها تريد فقط تشويقك أو انتظار من يستطيع كشف ولو جانب من حياة هذا الشخص، الشهم في مواقف عدة، والخانع ايضاً في مواقف أخرى، يلتقي «غاري»، بـ«جو» في الغابة، بعد مشاهد عدة يحاول المخرج أن يجعلنا نربط بين الشخصيتين، وبعد جلبة يستطيع «غاري» الوصول إلى مكان «جو»، يطلب منه العمل لفقر حاله، ويطلب أيضاً العمل لوالده، فيوافق جو، ومنذ اللحظة الأولى يبدأ «جو» بمراقبة «غاري» هذا الشاب اليافع المليء بالطاقة، تشعر بعلاقة خفية بدأت تنمو في قلب «جو»، مشاعر أبوّة، يفتقدها الرجل الذي اقترب من الـ50 والذي سيعرف الجمهور لاحقاً أنه قضى نصفها تقريباً في السجن.
شخصيات عابرة في الفيلم تترك أثرها في التسلسل وتمضي، كشخصية صاحبة البيت المشبوه، وشخصية والدة «غاري»، وشخصية الفتاة الشابة التي تطلب أن تعيش عند «جو»، والجار الذي يسلخ الغزال في منزله، وبائع البقالة، من خلالهم جميعاً ستقترب أكثر من شخصية «جو»، حتى في علاقته مع مسؤول شرطة يقربه من العمر تقريباً، يحميه دائماً عندما يتعرض لمشكلات، تستغرب هذه العلاقة، لتدرك أنها مبنية على قصة قديمة، عندما كان جو يافعاً وجذاباً، وكانت تحبه فتاة يهواها ضابط في الشرطة، والذي بدوره يختلق مشكلة معه، فيتعاركا وتأتي الشرطة بعناصرها المتدربة وغير المتدربة إلى المكان ويتم حصاره، ومن الواضح أنه أطلق الرصاص عليه فسجن سنوات طويلة، لذلك يكره «جو» الشرطة كثيراً، ولا يثق بهم، وعندما تلاحقه دورية شرطة يعود إلى غضبه.
يحاول طوال الفيلم أن يكبح غضبه، يريد أن يكون حليماً كشخصيته الأساسية، لكن ومع شخصية تحضر في المشهد ايضاً لا تعلم مدى التوتر بينها وبين «جو»، تتمثل في رجل يقوم بإطلاق النار على «جو»، لتدرك أنه ينتقم منه لأنه شوه وجهه، وبعدها يلتقي هذا المشوه «غاري»، الذي كان شاهداً عليه وهو يلقي سلاحه في البحيرة، فيعتقد الرجل المشوه أن «غاري» سيستفزه، وهو لا يريد سوى أن يصحبه ووالده المترنح الى المنزل، فيتعاركا ويزيد «غاري» من تهشيم وجهه، فيقوم الرجل متهالكاً من ضربات «غاري»، ويدرك أنه أصبح لديه عدوان.
«غاري» يشبه «جو» كثيراً في شخصيته، هو حنون لكنه معذب من والده السكير الذي يظل يضربه ووالدته وشقيقته التي فقدت القدرة على الكلام، ليعطيك الفيلم ايحاءً بأن الأب اغتصبها ربما، فأصابتها الصدمة منذ الصغر. حليم لكنه شديد الغضب اذا ما أهين.
تفاصيل كثيرة، تتوه معها حيناً، لكنك تدرك أنها تصب في حياة «جو»الذي يقرر تبني «غاري» روحانياً، ويؤكد له حمايته، خصوصاً بعد أن جاء والد السكير إلى المنزل وسرق الشاحنة التي أهداها «جو» لغاري، وأخذ ابنته إلى الرجل المشوه مقابل 30 دولاراً ثمن مشروبه. يخرج غاري الى جو، يطلب منه سلاحه، لأنه قرر قتل والده، يحاول جو تهدئته، وفي الوقت نفسه تلمح في وجه جو فرصة لا يريد أن تضيع منه، هو من أول لحظة من خروجه السجن يريد الموت، والمشاهد شعر بذلك عندما زار الضابط الكبير في العمر جو في منزله، وقال له: «ماذا تريد، لماذا تفتعل العراك الذي قد يؤدي إلى الموت؟».
يقرر «جو» أن يواجه الرجل المشوه ووالد «غاري» لإنقاذ الفتاة الصغيرة، يصل الى المكان وتبدأ المعركة، بعد أن يحرر الفتاة من اغتصاب محقق، يوصلها الى شقيقها ويقول له أن ينادي الشرطة، يقتل جو الرجل المشوه وصديقه، بعد أن أصيب بطلقة في خاصرته، يحاول متثاقلاً الوصول الى والد «غاري» وقبل قتله، يلقي والد «غاري» نفسه الى البحيرة من علو مرتفع.
تصل الشرطة إلى المكان ويكون جو قد فارق الحياة، في هذا المشهد تحديداً تتكشف لك جميع الخيوط التي يراد ايصالها، أن جو ظلم ووضع في السجن بسبب معركة بينه وبين الشرطة كان الهدف منها التخلص منه، وأنه عندما قتل الشرطي كان للمرة الاولى يحمل السلاح وقد دافع عن نفسه، وتكتشف ايضاً أن جو لديه حفيد وهو غير مهتم برؤيته، لأنه فقد علاقته الحسية مع من حوله، وهذا الحفيد من المرأة التي كان يحبها الشرطي سابقاً، وتدرك أن المكان وطبيعته الفقيرة يتم استغلاله من قبل أصحاب الأموال، وأن جو لا يبالي ما دام يستطيع أن يوفرالمال له ولأصدقائه. علاقاته مع النساء غريبة، لا يتعاطى بحرية إلا مع فتيات البيت المشبوه، وعلاقته مع الكلاب أيضاً غريبة، وكأنه يحاول اسقاط كل شيء على الحيوانات المخلصة له أكثر من البشر. هو انسان فقد كل شيء، وكان يبحث عن طريقة ليموت بكرامة، ووجد أن دفاعه عن فتاة صغيرة من مغتصب هي قضيته التي يريد الموت من أجلها كي يتذكره الناس، وهذا الذي يحدث فعلاً في المشهد الأخير في الفيلم، و«غاري» يجلس أمام شخص لا تظهر معالمه يحاول أن يقنعه أن يأتي للعمل معه، وينهي محاولاته بجملة «يكفي أنك كنت تعمل مع جو، هذا شرف لي أن تقبل العمل معي»، يبتسم «غاري» الذي تخلص من مستقبل كاد أن يشبه مستقبل جو لو أن جو لم يتسبب في تلك المعركة، لكان والد «غاري» السكير والمجرم مازال على قيد الحياة، وكانت مازالت شقيقته الخرساء تتعرض لكل الانتهاكات. هو فيلم معقد في طريقة فهمه، لكن لا يمكن أن تخرج منه دون أن تحب جو.