«وداعاً لينين».. التماثيل ترحل أحــــياناً
قررت ادارة مهرجان «عروض السينما الأوروبية» أن تختتم فعالياتها في أبوظبي ودبي بعرض فيلم «وداعا لينين» الليلة كنوع من الاحتفال بالذكرى الـ25 لسقوط سور برلين،في الوقت الذي يقرر نتنياهو استكمال بناء جدار الفصل العنصري في القدس
الفيلم الذي قام بإخراجه ولفغانغ بيكر وهو من بطولة دانيال بروهل وكاترين ساس، يتناول الفترة في ألمانيا الشرقية من عام 1978 إلى عام 1990، بين الدولة الاشتراكية ونهايتها مع سقوط جدار برلين، من خلال عائلة قرر الوالد فيها الذي يعمل طبيبا الهرب إلى المانيا الغربية لرفضه الانضمام الى الحزب، فتقرر الأم الاستمرار في العيش في المانيا الشرقية مع طفليها اليكساندروشقيقته، بل وتحارب التحقيقات الاستخباراتية التي تتهم زوجها بولائه للامبريالية، من خلال انضمامها الى الحزب والدفاع عنه بشراسة، لتصبح اشتراكية أكثر من الاشتراكيين أنفسهم، يقول طفلها «قررت أمي أن تتزوج الوطن، وتنسى معه زوجها فابتعد عنها المحققين».
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجي الضغط علي هذا الرابط. |
من خلال هذه المقدمة التي تضمن علاقة اليكساندر الطفل مع عالم الفضاء حيث تزامن مع اطلاق أول رائد فضاء الماني عام 1979 واسمه (سيغموند)، تبدأ الحكاية مع هذه العائلة، خاصة في التركيز على شخصية اليكساندر الذي أصبح شابا يافعا، يشرب الخمر، وينظر إلى الفراغ، ويساند والدته بكل خطاباتها، لكن تشعر في نفس الوقت أن مساندته لها عرفانا اكثر منه قناعة.
والدليل عندما تبدأ حكاية الفيلم فعليا، أثناء تواجد اليكساندرفي مظاهرة سلمية تطالب بحرية الصحافة وفتح الحدود، هو وجد على الأغلب صدفة في هذه المظاهرة لأنه كان يتناول شطيرة، وعلقت بجوفه، ما جعل لارا الفتاة التي سيحبها لاحقا تنتبه له، واثناء ذلك يتم القبض على اليكساندر أمام مرأى والدته التي كانت في اجتماع للحزب، فتصاب بالسكتة القلبية التي تجعلها تنام في غيبوبة مدة ثماني اشهر متتالية، هذه الشهر كانت كفيلة بتغيير المانيا الشرقية، حيث شهدت الكثير من الأحداث ليس أولها اقالة رفيق الحزب اريش هونكير الأمين العام للجنة المركزية لحزب الاتحاد الاشتراكي، ورئيس مجلس الجمهورية، وليس نهايتها سقوط جدار برلين.
يقول ابنها اليكسندر «نامت أمي نوما عميقا حتى في أول انتخابات حرة».
بعد هذا السرد، تبدأ علامات توغل الحياة للنظم الرأسمالي الجديد على ألمانيا الشرقية، التي باتت الجمهورية الالمانية، وكان الاسقاط على شقيقته التي قررت دراسة الاقتصاد في الجامعة والعمل في مطعم «برغر كينج»،خير مثال، لحقه ما سماه اليسكساندر ب «غربنة الشقة ومساحتها 79 مترا مربعا، دليل قاطع على أن الرأسمالية انتصرت» وتستمر المشاهد من اعلانات كوكا كولا، الى حفلات الديسكو، ونساء العرض ، والستلايت اللذي اصبح تركيبه مهنة لاليكساندر، ولقطر جماعية على أبطال العمل الكفاحي وقد أصبحوا عاطلين عن العمل .
تغيرت بلادهم وتغيرت نفسياتهم، وطريقة أزيائهم، وتعاطيهم مع كل هذا الدخول، لكن الأهم بالنسبة لاليكساندر «أن الفريق الألماني تأهل لكأس العالم، وأنه وحد الألمانيين».
لارا الفتاة التي التقاها اليكساندر في المسيرة السلمية شاءت الصدف أن تكون ممرضة في المشفى الذي يرقد فيه جسد والدة اليكساندر، وفي اليوم الذي يقرر اليكساندر البوح عن مشاعره لها، تحدث المعجزة وتستيقظ الأم من غيبوبتها التي دامت ثماني اشهر، هنا تنقلب الحكاية، ويكون على عاهل اليكساندر أن يحافظ على حياة والدته المعرضة مرة أخرى لسكتة قلبية، وهو يعي تماما أن خبر سقوط جدار برلين سيميتها، وهي المعتزة بشرقيتها حد الايمان، يعي تماما أنها اذا ما خرجت ووجدت اعلانات كوكا كولا ستصاب بالانهيار، فيقرر أن تعيش والدته المانيا الشرقية في منزلهم الذي تبلغ مساحنه 79 مترا مربعا، فينقل لها جميع المشاهد وطبيعة الحياة الى هذا المنزل، ليواجه أكبر التحديات عندما طلبت منه مخللات ، فيقول بخاصية السرد «لم تعرف أمي أنه لم يعد لدينا محلات وطنية، فقد تم تفريغها بضائعنا التقليدية» لكنه وجد الحل في شراء مخللات مستوردة والبحث عن أواني قديمة في سلال القمامة «اصبح المال الحقيقي يأتي من ذلك البلد خلف الجدار»، وأثناء تواجده أمام القمامة للبحث عن قوارير قديمة، يصادفه رفيق درب لوالدته ويقول له «هذا ما أوصلونا إليه، علينا البحث عن تاريخنا في القمامة».
وعلى هذا المنوال يعيش اليكساندر، يحاول بكل جهده مع تأفف شقيقته أحيانا ورضوخها لقراراته أحيانا، ان ينقل حياة المانيا الشرقية قبل سقوط الجدار الى المنزل، لكن أكبر التحديات كانت عندما طلبت منه الاتيان بتلفاز لمتابعة آخر الأخبار، هنا بدأت الكوميديا السوداء تدخل حياة عائلة اليكساندر، وبسبب طبيعة عمله في تركيب الستالايت، تعرف على زميل يهوى صناعة الأفلام، ويصبحان كل يوم يصوران نشرات اخبارية تعتمد على ما قبل سقوط جدار برلين.
عاشت الأم كل التفاصيل وكأنها ما زالت تعيش في دولتها الالمانية الشرقية، حتى في يوم عيد ميلادها عندما قرر اليكساندر مفاجأتها بدعوة رفاقها القدامى، واضطر الذهاب الى السوق القديم لابتياع الملابس التي تناسب مرحلتهم، انتبهت وهي في جل احتفالها الى اعلان ضخم يعلق على جدار البناية التي تقابل نافذتها ، كان اعلانا لكوكا كولا، فانقلبت حالة جميع المتواطئين مع حالتها ، ونهى اليسكاندر المشكلة بنشرة أخبار تؤكد أن كوكا كولا مشروب محلي سرقه الأمريكان.
وعلى هذا المنوال تستمر حيل اليكساندر ، الى اليوم الذي ترى فيه الأم حفيدتها وهي تخطو خطواتها الأولى، فتقرر تشجيع نفسها بالسير على أقدامها، وتتمادى وتقرر النزول الى الشارع، وهنا تكون المواجهة بينها وبين المانيا الجديدة، خاصة وهي تنظر إلى السماء فترى تمثال لينين وهو يحلق، والذي كان يوما منتصبا يحيي الجماهير بيده المرفوعة للأعلى، اصبحت يده وكأنها قريبة من وجه، وكأنه يدعوها للتحليق مع أو كأنه يودعها، هذا المشهد كان كفيلا بأن يكون نهاية للفيلم، فهواختصر الكثير من التفاصيل التي باتت غير مهمة أمام هذا المشهد الذي يعتبر الأجمل في الفيلم، لكن الحكاية لم تنته بعد، خاصة عندما أوجد اليكساندر مخرجا من خلال نشرة أخبار ليقنع أمه سبب تحليق تمثال لينين في السماء.
في المقابل تظهر شخصية الأب فجأة عندما شاهدته ابنته وهو يطلب وجبات من «برغر كينج»، حينها يسلط الفيلم ظلاله قليلا على طبيعة العائلة في المانيا الشرقية التي كانت أكثر متانة من جيرانها، وفعلا تقرر الأم ذات نهار عندما طلبت من ابنها أن يذهب بها الى منزلهم الصيفي فاضطر أن يلف اعينها بقماش كي لا تلاحظ التغييرات، التي طرأت على المدينة، أن تحكي الحقيقة لأبنائها عن والدهم الذي اختفى من حياتهم مؤكدة «هو لم يختف، أنا التي خفت من اللحاق به خفت عليكم وعلى خطفكم من حضني » وقالت «كان يرسل لكم الرسائل باستمرار ولكني لم افتحها يوما» متمنية رؤيته ولو لمرة واحدة، ولن كل أمنيها يجب أن تجاب من قبل اليكساندر، وقد تزامن امنيتها مع اصابتها بالسكتة القلبية الثانية، يقرر اليكساندر البحث عن والده ويقنعه بضرورة زيارة أمه، ويتحقق ذلك من دون إضافة على المعنى سوى بتأكيد الروابط الأسرية والعاطفية في العائلة الألمانية الشرقية.
تستمر الأحداث وتقرر لارا الاعتراف للأم بكل هذا الكذب الذي امتهنه اليكساندر خوفا على صحتها، لكن الأم ولارا لا يظهران لاليكساندر هذه المعلومة، فيستمر في التمثيلية، إلى وقت اقتراب العيد الوطني لألمانيا الشرقية، وهنا يصنع وصديقه فيلما عن هذه الاحتفالات لتشاهدها والدته وهي على فراش الموت، الأم غير منتبهة للتلفاز بقدر انتباهها إلى ابنها، نظراتها اليه تعبر عن كل أنواع الشكر في العالم، هي ممتنة له في آخر لحظات عمرها، لكنها أحب أن توصل له أن اقتراب موتها يعني قدرته على استضافة شخص آت من المانيا الغربية حتى لو كان غير محتاجا الى سرير، هنا أدرك اليكساندر أن هذا ما كانت تحلم به والدته «المانيا التي في خاطري»
تموت والدة اليكساندر، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد احتفالا بمرور عام على قيام جمهورية ألمانيا الاتحادية ويكون اليكساندر يحقق أمنية والدته الاخيرة بأن ينثر رفاتها من خلال صاروخ صغير صنعه وهو طفل، مؤكدا «مع أن هذا الطق لا توافق عليه لا ألمانيا الشرقية ولا ألمانيا الغربية، لكن أمي دائما تحلم بالتغيير» ويكون هذا الحدث بوجود الرفاق القدامى وبوجود سيغموند أول رائد فضاء ألماني شرقي يصل القمر، وقد أصبح يعمل كسائق سيار أجرة، ينطلق الرفات وينفجر في الجو مع المفرقعات النارية التي ما زالت تحتفل بالاتحاد وسقوط جدار برلين.
وينتهي الفيلم مع صوت اليكساندر وهو يقول « البلد الذي تركته أمي هو البلد الذي آمنت به، والذي سيظل مرتبطا بذاكرتي ما حييت»، وهذا المشهد تحديدا يصب ظلاله على ما كتبه الباحث والروائي والصحافي الأوروغواياني ادوارد غاليانو عندما قال في نص الجدران « الجدران تتكلم، وأنت تغادر سانتياغو كوبا، كيف أغطي الجدران التي تتذكرك».