«دلافين» الشحي.. إنجاز إماراتي في «دبي السينمائي»
صناعة الفيلم الطويل وظروف العمل فيه والتخطيط له تُعد كلها مجتمعة انجازاً، حتى لو كان الفيلم من ناحية بعض عناصره الفنية متواضعاً، هذا الحديث من الممكن أن ينطبق على فكرة التجربة الإخراجية الأولى للفيلم الطويل، وعدا ذلك فالنقد يكون حاضراً ولائماً لتجارب ثانية وثالثة.
تسعة أفلام إماراتية حاضرة في الدورة الـ11 من مهرجان دبي السينمائي، بين روائية طويلة مثل فيلم «عبود كونديشن» للمخرج فاضل المهيري وفيلم «دلافين» للمخرج وليد الشحي، وفيلم وثائقي طويل «سماء قريبة» للمخرجة نجوم الغانم، وأخرى قصيرة لعدد من مخرجين صاعدين، وهذا التنوع في الإنتاج يعطي الأمل دائماً أن صناعة الفيلم الإماراتي تعدت مرحلة التجارب وباتت أقرب الى اثبات نفسها عربياً، ولم تعد «الطبطبة» على أعمالهم بهدف التشجيع واردة.
تجربة أولى وليد الشحي قدّم العديد من الأفلام الإماراتية القصيرة والوثائقية، وحصد جوائز دولية، يأتي اليوم ليقدم فيلمه الروائي الطويل الأول «دلافين»، الذي افتتح فعاليات عروض ليالٍ عربية في الدورة 11 من مهرجان دبي السينمائي الدولي، وهو من سيناريو أحمد سالمين وتمثيل مرعي الحليان، وخالد أمين، وريم ارحمة وغيرهم. |
وليد الشحي قدّم العديد من الأفلام الإماراتية القصيرة والوثائقية، وحصد جوائز دولية، يأتي اليوم ليقدم فيلمه الروائي الطويل الأول «دلافين»، الذي افتتح فعاليات عروض ليالٍ عربية في الدورة 11 من مهرجان دبي السينمائي الدولي، وهو من سيناريو أحمد سالمين وتمثيل مرعي الحليان، وخالد أمين، وريم ارحمة وغيرهم.
الفيلم يتناول 24 ساعة من حياة أسرة مفككة (أب وأم وابن) نتيجة طلاق الوالدين، يعيش كل واحد منهم في عالمه، والنتيجة ابن يعيش في سن مراهقته الممزوجة بالأحاسيس المضطربة الباحث دائماً عن أمان في مكان ما، بعد تخلي الأم عنه رغبة منها في الزواج مرة أخرى، وأب يعمل سائقاً على سيارة الإسعاف، يسعف الناس والمرضى لكنه لم يستطع أن يسعف ابنه عاطفياً ولو لمرة واحدة.
الاضطراب في شخصية الابن، يصبه دائماً على علاقته بصديق الطفولة والحي الذي يعاني عرجاً في قدمه، هذه العلاقة المبتورة بمفهومها عند كل واحد منهم، يحاول تعويضها من خلال الحديث والبوح فقط عن الأحلام، الطفل الذي يعرج، يسد إعاقته بجنون صديقه الذي يركض ويسوق دراجته ويسبح، وهو بالمقابل يغبط الأعرج على علاقته مع أمه، هي في المحصلة علاقة بين صديقين يحتاج كل واحد منهما الآخر ليكمل نقصه. لا شك أن أداء الطفلين كان مميزاً وصادقاً وفيه جرأة كبيرة في التعامل مع حركة الكاميرا، واستطاعا بشكل يدعو إلى الفخر أن يقدما كل ما عندهما من فن، وأقنعا المشاهد بالكثير، وكانا أصل الحكاية وأهم عنصر فيها.
اللقطات الفنية والكوادر والصورة تستحق الإشادة، فالشحي استطاع أن ينقل البيئة في إمارة رأس الخيمة بكل جمالياتها التي تدمج بين الجبال والبحر، وهذا النسيم الذي تشعر به وأنت تشاهد الفيلم، في امارة تسود العتاقة فيها تفاصيل كل شيء حتى الوجوه. 24 ساعة كانت كفيلة بتغيير مجرى حياة أفراد العائلة، الذين لا تربط بينهم أحاسيس مشتركة، وتشعر أن كل شخص فيها غريب عن الآخر، مع أن الأم قادرة على الاهتمام بشخص آخر، يريد الزواج منها، أو يخدعها بشكل أدق، فمشاهد التفاصيل تركز على علاقتها مع الهاتف الذي لا تتركه لحظة، طريقة تسوقها، ونظراتها الى العارضات البلاستيكية الذين لا ملامح لهن، يشبهونها الى حد كبير من الداخل، فهي التي تطلقت صغيرة، وجربت الزواج مرة ثانية وتريد تجربته مرة ثالثة ورابعة وعاشرة على حد وصفها، لأن لا أحد من الذين عرفتهم استطاع أن يدرك احساسها بكل الأمور، وهي تتحدث مثلاً عن انتظارها لحظة انارة الكهرباء لأضواء المدينة، في المقابل لا علاقة واضحة بينها وبين ابنها الذي تشعرك بأنه عبء عليها، على أحلامها التي يدمرها كل مرة رجل، وهذا الذي حدث معها مع الزوج الجديد الذي لم يأتِ اليها في موعد عقد القران. من ناحية أخرى، يوجد الأب الذي تشعر بأنه لا ينام ولا يغادر المستشفى الذي يعمل فيه سائقاً لسيارة اسعاف، علاقته مع المرضى وسؤالهم عن أحوالهم بعد نقلهم، حنينه على المكلومين الذين فقدوا ذويهم، لا يمكن تحملها وأنت تراه مع ابنه الوحيد وطريقة تعامله معه، الباردة والجافة، لا يجيب عن مكالماته، ولا يعطيه من وقته، حتى عندما طرد من منزل والدته.
هذا الأب نفسه الذي تكبد عناء سفر طويل الى مقبرة ليدفن والدة شخص التقى به مصادفة في المستشفى، وأصر على ايصاله الى مكان مجهول وبعيد وفيه الكثير من التعرجات، لكنه لا يخلو من أبيات شعر جميلة كان يشدو بها من فقد أمه.
وعودة إلى الابن، الذي قرر ألا مكان له في بيت أي أحد من والديه، ولجأ الى البحر، مصطحباً صديقه الوحيد والأعرج، الذي يصدق كل شيء يقوله، حتى عندما قال له إن البحر في رأس الخيمة فيه دلافين، يجلسان معاً، ويحاولان صنع قارب من «خردة» موجودة ومترامية على الشاطئ، يساعدهما شاب باكستاني، يشترك معهما في خاصية أن أباه لا يسمح له بالحلم بمشروعه وشغفه الخاص، ويصنع لهما القارب البدائي بأدواته، الذي صادف أن يكون الشراع فيه ثوباً لأمه التي تريد التخلي عنه.
المخاطرة مع هذا القارب هو قرار اتخذه الصديقان ليحققا شيئاً في نفسيهما، له علاقة بالبحث عن الأمان حتى لو باختلاق قصة لا يمكن تصديقها، فمن المستحيل أن تكون الدلافين موجودة في هذا المكان تحديداً، ومع ذلك استسلما لحس المغامرة لديهما والرغبة في الهروب الى مكان ما، ربما ليلفتا انتباه العالم إليهما.
ومع ابتعاد القارب عن الشاطئ، والحديث الطفولي بين الصديقين، تدرك الأم غياب ابنها من خلال أم الطفل الأعرج، فتهرعان للبحث عنهما، في ذلك الوقت يكون الأب قد وصل بسيارته إلى منطقة مطلة على البحر نفسه، ويدرك لأول مرة أن هاتفه لم يرن منذ مدة، ويمتلئ الشاطئ بالناس الذين يريدون البحث عن الصديقين، والقارب أصبح أصغر وأصغر، ولا يقطع كل هذا السكون سوى صوت الهليكوبتر التي جاءت للبحث عنهما، وينتهي الفيلم مع ثوب الأم الذي كان شراعاً للقارب، وأصوات دلافين.
الشحي في هذا الفيلم كسر حاجز الخوف الشخصي من ناحية صناعة فيلم روائي طويل، قد لا يكون المتوقع، لكنه بلا شك بداية تبشر بجديد قادم سيكون أفضل.