«قدرات غير عادية».. سيرك بدائي
حالتان تستطيع من خلالهما كمشاهد أن تدرك مدى تأثير الفيلم سلبياً في حالة متعة المشاهدة في صالات العرض، الأولى عندما تسمع أحاديث جانبية تخترق عتمة الصالة والضوء الآتي من شاشة العرض، والثانية عند رصد عدد من المشاهدين وهم يغادرون الفيلم قبل نهايته.
هذا الذي حدث في فيلم داوود عبدالسيد «قدرات غير عادية»، المنتظر من قبل عشاق السينما وعشاق أفلامه ورؤيته الخاصة في تناول الموضوعات، والذي عرض ضمن فعاليات «ليالٍ عربية» في الدورة الـ11 من مهرجان دبي السينمائي الدولي للمرة الأولى عالمياً.
داوود عبدالسيد هو مخرج ومؤلف مصري، حصل على بكالوريوس إخراج سينمائي من المعهد العالي للسينما عام 1967. لم يكن ضمن طموحه في الطفولة أن يصبح مخرجاً سينمائياً، لكنه أراد أن يكون صحافياً، بدأ العمل مساعد مخرج في بعض الأفلام، أهمها «الأرض» ليوسف شاهين، و«الرجل الذي فقد ظله» لكمال الشيخ، ليصنع أفلاماً تسجيلية اجتماعية بعد ذلك، لشغفه برصد المدينة وأهلها، فقدم «وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم 1976»، و«العمل في الحقل 1979». |
الفيلم الذي أدى دور البطولة فيه كل من خالد أبوالنجا، ونجلاء بدر، ومحمود الجندي، والطفلة مريم تامر، يحكي عن محاولة طبيب البحث عن «قدرات غير عادية» في مصر لمصلحة بحث يتضح لاحقاً أنه من أجندة المخابرات العامة.
الحالة التي تسيطر عليك كمشاهد ومتابع لأفلام داوود عبدالسيد، بأنك ستتوقع الأجمل والأهم من قبل هذا المخرج، الذي قدم دائماً المختلف على مر سنوات حياته الفنية، ليس أولها «الكيت كات»، ولا آخرها «مواطن ومخبر وحرامي»، و«رسائل بحر»، وتتوقع أن القدرات غير العادية ستكون ابتسامة ربما، أو فقراً، أو حزناً، مشاعر الناس التي يحكيها عبدالسيد دائماً بطريقته الخاصة، لكنك بعد مرور مشاهد الفيلم تدرك أن القدرات غير العادية متمثلة بطفلة تتمتع بقدرة تحريك الأشياء من عيونها.
القصة ليست بالطفلة تحديداً على قدر ما هي ربطها بشكل الحالة الأمنية التي تسيطر بشكل كامل على العقول، حتى أن الطبيب نفسه لم يكن يدرك أنه يعمل لمصلحة المخابرات في بحثه، لكن مديره في المستشفى يعلم ذلك جيداً، وكأن كل من على الحياة مسخر لخدمة هذا الجهاز تحديداً.
تبدأ الحكاية فعلياً بقرار الطبيب يحيى الذهاب إلى الاسكندرية، بعيداً عن ضجيج القاهرة للتفكير في بحثه، والبحث عن قدرات غير عادية لدى البشر، يقيم في فندق صغير مطل على البحر، فيه شخصيات غريبة ومتنوعة بين الأوبرالي والمنشد والفنان والمخرج، كل ينتمي إلى ثقافته، ويجمعهم المكان والصداقة القوية مع صاحبة الفندق، وهي والدة الطفلة الخارقة.
خالد أبوالنجا، الذي يقدم دور الطبيب يحيى، يقدم هذا العام الدور الرابع له، بعد أن شارك في فيلم «ديكور» مع المخرج أحمد عبدالله، والفيلم الفلسطيني «عيون الحرامية» مع المخرجة نجوى نجار، والإماراتي «من ألف إلى باء» مع المخرج علي مصطفى، استطاع في كل دور من الأفلام الأربعة التي شارك فيها أن يقدم شخصيات مختلفة، تدل على شغف هذا الفنان بأن يترك بصمة مميزة له في كل عمل.
وبالعودة إلى الفيلم، الصادم إلى حد ما، الذي يشعرك لحظة بأنك حزين على المخرج، ولست غاضباً منه، لمعرفتك الدقيقة بتاريخه الفني، تجد أن الفيلم لا يشبهه ولا يشبه ما قدمه على مر السنوات، تشعر بأن الفيلم لمخرج آخر، جديد، فلا يمكن استيعاب أن اهتزاز الكاميرا حاضر في أكثر من مشهدين، والاهتزاز هنا ليس له علاقة بالصورة المراد منها، بل هي سقطة فنية، حتى الحوار الذي كتبه هو أيضاً ركيك، وغير مقنع، والكيمياء بين البطلين التي تجلت بين «يحيى وحياة» كانت شبه معدومة.
حتى مشهد اكتشاف الطفلة من قبل الجميع، كان بعيداً كل البعد عن المنطق، فقد تم اكتشاف الموهبة لديها في سيرك، وهو المكان الذي يكاد يكون الوحيد الذي يقدم قدرات غير عادية، يعني من الطبيعي أن تشاهد ناراً تخرج من الفم، وسكاكين تخترق الجسد، لكن غير الطبيعي، من وجهة نظر عبدالسيد، أن ترى ألعاباً تطير لوحدها في الهواء، فكان يمكن لهذا المشهد أن يدل على قدرات غير عادية للطفلة إذا كان خارج سيرك وليس بداخله.
المجتمع في السيرك ينشر خبر هذه القدرات، ويبدأ الأمن يلاحق الطفلة وأمها، التي يتضح أنها هي من أورثت طفلتها هذه الموهبة، وهي القادرة على تحسس الغيب أيضاً وكشف الكذب، لكنها لم تكشف كذب ضابط الأمن وهو يقول لها إن الطبيب يحيى متعاون معهم، وهي التي بدأت تحبه.
«كليشيهات» الفيلم كليشيهات ثابتة ومتوقعة، وتستطيع التنبؤ بها، لكن ليس في فيلم من توقيع داوود عبدالسيد.