نقاد: الأداء الباهت للممثلين أضعف من قيمة الفيلم

«ملكة الصحراء».. إنصاف للعــرب وفرحة لم تتم

الصحراء المترامية برمالها الذهبية شكلت فضاءً سحرياً في الفيلم. من المصدر

«فرحة لم تتم».. مثل يكاد يختصر الحالة التي أحاطت بفيلم «ملكة الصحراء» الذي عرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته الـ65 التي اختتمت أول من أمس، وصور في الأردن والمغرب، فللمرة الأولى يتناول فيلم غربي قضية تتعلق بالعرب وتكون لصالحهم.

يدور الفيلم الذي أخرجه فيرنر هرتزوغ، وقامت ببطولته نيكول كيدمان وجيمس فرانكو والفنان السوري جهاد عبدو، حول الخاتون بيل الرحالة والمستكشفة البريطانية والدبلوماسية لاحقاً، وإحدى أبرز الشخصيات البريطانية التي شكلت تاريخ الشرق الأوسط الحديث، ورسمت حدوده المعاصرة، وصنعت ملوك بعض بلدانه، متناولاً في أول مشاهده الضباط الكبار البريطانيين وهم يقفون فوق خريطة بلاد الشام ويقسمون فيه في ما عرف باتفاقية «سايكس بيكو».

الغريب أن المشهد الأول من الفيلم وعلاقته بتقسيم بلاد الشام كان مضحكاً لغالبية الصحافيين والنقاد في إحدى قاعات «برلين السينمائي»، لذلك كعربي مشاهد تتساءل: هل يعتبرون هذا النوع من السرد التاريخي كوميديا، أم إنهم لا يعرفون فعلا هذا الجزء من التاريخ؟

لتكون الإجابة من خلال مخرج العمل الذي أراد إيصال فكرة من الفيلم بغض النظر عن دور الخاتون بيل، وهو اللقب الذي منحه إياها العراقيون: يجب علينا مراجعة التاريخ، خصوصاً في ما يتعلق بسايكس بيكو، ونسأل أنفسنا: لو تدخلنا في المنطقة هل كنا سنرى ما يحدث حالياً في دول عربية خصوصاً بالمناطق التي كانت تحت مسمى بلاد الشام سابقا؟. رأى أحد الصحافيين أن الفيلم لصالح العرب، بينما رد آخرون: واضح أن الإعلام الغربي ضللنا كثيراً.

الفرحة التي لم تتم لها علاقة بالفنية في الفيلم، بداية من قصة تاريخية منقوصة مروراً بأداء تمثيلي باهت لنيكول كيدمان وفرانكو، وسيناريو ضعيف ومضحك في أحيان عدة، وليس وهذا انحيازاً عربياً الإشادة بدور الفنان السوري جهاد عبدو في الفيلم عبر شخصية «فتوح»؛ إذ كان متماسكاً وطاغياً على آخرين، مع أن غالبية مشاهده أمام نيكول كيدمان، لكنه بالفعل طغى عليها فنياً، وذلك حسب آراء العديد من النقاد الذين أكدوا أن فنيات الفيلم غير المتماسكة طغت على القضية الفعلية.

مخرج الفيلم فيرنر هرتزوغ، وهو مخرج سينمائي ألماني، إضافة إلى كونه منتجاً وكاتباً للسيناريو وممثلاً ومخرجاً لعروض الأوبرا، لطالما اعتبر واحداً من أعظم الشخصيات في السينما الألمانية الحديثة، ومعروف عنه تقديمه أفضل الوثائقيات، ويقال عنه إذا ما أقدم على إخراج فيلم روائي هو نوع من الترف، فالجمالية في أفلامه الوثائقية أعمق؛ مثل عمليه الوثائقيين «فيتزجيرالدو» و«أغويرا» ، ومعروف عنه أيضاً استعانته بممثلين من هوليوود، في أفلامه الروائية؛ كما حدث مع «ملكة الصحراء»، وهذا - حسب البعض - يضعف ما يقدمه، لأن الممثل الهوليوودي يصعب أن يكون أوروبياً غالباً.

لكن جرأته في الطرح وأجوبته خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد فور انتهاء عرض الفيلم للصحافيين في برلين، يؤكد أن المخرج صاحب قضية وموقف وصاحب تساؤلات تحتاج إلى إجابات من خلال ردود فعل الجمهور، إذ وقع فيلمه في فخ المقارنة مع فيلم «لورانس العرب» للمخرج ديفيد لين عام 1962، إلا أنه أزاح الاهتمام بنقد أداء الممثلين في الفيلم من خلال ذكائه في تحويل مسرى الأسئلة لتصبّ جميعها في قيمة الفيلم المبتغاة.

ويرى الناقد السينمائي محمد رضا أن «فيلم فرنر هرتزوغ (ملكة الصحراء) (تتكامل فيه) كل عناصر الفيلم الساحر بصرياً، وفي مقدمتها تلك الصحراء المترامية برمالها الذهبية. مثل ديفيد لين في (لورانس العرب)، ينقل هرتزوغ الصحراء جميلة ومخيفة في الوقت ذاته. جميلة لطبيعتها الغريبة (ترليونات من حبات الرمل في كل متر مربع؟) وتضاريسها المتنوّعة، ومخيفة إذ تعود الكاميرا إلى الوراء لتحوّل الناس إلى مجرد ظلالات فوق أرض شاسعة.

هؤلاء الناس هم غرترود بل، الرحالة البريطانية التي جابت الصحراء العربية بحثاً عن نفسها أولاً، ثم في محاولة منها للتواصل مع زعماء القبائل في الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية مبدية أيما إعجاب بالثقافة الإسلامية (تستشهد بأقوال للرسول محمد صلى الله عليه وسلّم) والبدوية ومبدية الاستعداد لمساعدة البريطانيين رسم خطوط فوق الرمال تكون بمثابة حدود لدول المنطقة مستقبلاً، وتقف بالند ضد محاولة تجيير معلوماتها كجاسوسة بريطانية من قبل أحد الضباط (ولو أنها لاحقاً ما تنخرط في عمل الحكومة البريطانية) فتقول له: »لدى البدو ما تفتقده أنت وحكومتك: الحرية والكبرياء«.

من جهته، كتب الناقد السينمائي بيتر ديبرغ، بمجلة فاريتي »يميل الفيلم أكثر الى الرومانسية، إضافة إلى القبائل المتصارعة في الشرق، مع نهاية الحقبة العثمانية، والتي أدت بنهاية المطاف الى تقسيم المنطقة العربية، الفيلم يفتقر إلى الصراع الدرامي الملحمي، ولا يقارن بأي شكل من الأشكال مع تحفة «لورانس العرب» فالسرد كان قليلاً ومختصراً«.

بينما كتب الناقد والزميل إبراهيم توتونجي عن الفيلم »تبرز نظرية المخرج الألماني هيرزوغ في فيلمه ملكة الصحراء، وهو مستند عن قصة واقعية مستمدة من حياة الجاسوسة البريطانية غيرتود بيل (1868-1921) التي عاشت في إيران والأردن في الفترة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية على إثرها. ويعتبر المخرج أن قصة الحب الرومانسية التي ظللت أحداث الفيلم، وربطت بين البطلة التي يظهر الفيلم وجه اهتمامها بالشعر والثقافة، هدفه أن يعيد تسليط الضوء على «جمال وكبرياء حياة بدو الصحراء»، في مقابل «الكثير من الحملات التي تتعرض لها »تلك الشعوب« في هذه الأيام، »أنها رسالة من حقبة ماضية إلى الراهن اليوم«.

لكن المخرج - حسب توتونجي - لا يوضح كيف أن فيلماً كتبه وأخرجه عن جاسوسة تتمتع برفاهية الكولونيالية البريطانية في بلاد فارس والعرب، وتخوض في علاقات سياسية مع الأطراف المتنازعة والمتكالبة على رسم الخرائط، وتقضي وقتا في »البازارات« الموحشة حيث تباع رؤوس الخراف المقطوعة والمنفرة، وتتمايل مع حبيبها بلباسها الفاخر في عربة الخيل التي تمر في مناطق بائسة (صورت غالبية مشاهد الفيلم في المغرب).. كيف ذلك كله بوسعه أن يساعد في ردم تلك الهوة التي تحدث عنها».

بدوره علق ماثيو اندريسون، من بي بي سي، على الفيلم «على الرغم من أن المخرج اختار أن يفتتح فيلمه باجتماع شهير حضره ونستون تشرشل، وزير المستعمرات آنداك (أدى دوره الممثل كريستوفر فلفورد) لتقاسم النفوذ في مناطق الإمبراطورية العثمانية (الرجل المريض) بعد الحرب العالمية الأولى، إلا أنه لم ينشغل بتعقيدات السياسة وجعل هذه الأحداث مجرد خلفية لمغامرة بطلته في الصحراء، أو قصص حبها الفاشلة». ويضيف «بدت الشخصيات السياسة مفرغة من تأثيرها الأساسي بل وأقرب إلى الشخصيات الكاريكاتيرية، كما هي الحال مع شخصية لورانس التي جسدها روبرت باتنسون، وقد أثار ضحكات جمهور المشاهدين عند ظهوره بزيه العربي، لاسيما أن الكثيرين يتذكرون الأداء المميز للممثل القدير بيتر أوتول لهذه الشخصية في »لورانس العرب«. وكذلك الحال مع تشرشل وهو يقف لالتقاط صورة له أو يحاول امتطاء جمل أمام الاهرام».

وتابع «إذا استثنينا شخصية فتوح مرافق مس بيل ودليلها في كل رحلاتها، التي أداها بنجاح الممثل السوري الاصل غاي أبدو (جهاد عبدو)، بدت الشخصيات العربية الأخرى شاحبة الحضور وغير متقنة الأداء كما هي الحال مع صور الأميرين فيصل وعبدالله أو أمير حائل، على الرغم من حرص المخرج على تجنب تقديم صورة نمطية مشوهة للشخصية العربية اعتدنا أن نراها في الكثير من أفلام هوليوود التي تظهر فيها شخصيات عربية، وحرص على تقديمها من منظور إيجابي استناداً إلى منظور مس بيل نفسها».

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.
 

تويتر