فيلم افتتاح مهرجان وهران السينمائي

«لطفي».. حكاية الثورة الجزائرية

صورة

بعد ثلاثة أيام على بدء فعاليات مهرجان وهران السينمائي، تم عرض فيلم افتتاحه، الذي حمل عنوان «لطفي» للمخرج أحمد راشدي، ومن إنتاج وزارة المجاهدين، القيمة الفنية واللوجستية التي اعتمدت في صناعة الفيلم كانت حاضرة، فأنت أمام فيلم مدته 170 دقيقة، يحكي سيرة ذاتية لأحد وجوه الثورة الجزائرية ولقبه «لطفي»، حيث تشعر أن الطول في مدة الفيلم هو للتحدث عن كل تفصيل في حياة المناضل لطفي واسمه الحقيقي بودغان بن علي، وكأنك تقرأ سيرته عبر «ويكيبيديا»، لكن الحالة البصرية المتوازية مع أداء مميز لبطل الفيلم يوسف سحيري وفريق العمل بشكل عام، المتمثل في أسماء مثل أحمد رزاق وعبد الحليم زريبيع، كانت هي الطاغية على الحشو في السيناريو، ما اشعر المتلقي في كثير من الأحيان بالضياع وعدم ربط المَشاهد مع بعضها.

نهاية بطل

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/06/8ae6c6c54aa0819a014dced2709a2ada.jpg

يعود العقيد لطفي إلى موقعه، في الحدود الفاصلة بين المغرب والجزائر والمسيجة بالكهرباء والألغام، ويبدأ وفريقه التخطيط لدخول الأراضي الجزائرية، كي يعيد الثورة المسلحة من الأرض، وخطته التي اعتمدت تفريق مجموعته الى ثلاث فرق ترتدي اللباس البدوي وتمتطي الجمال، كانت السبب في قتله من قبل الفرنسيين بسبب سوء تقدير منه الذي تلمسه أنه جاء بناء على رغبة عاطفية لها علاقة بشوقه لوطنه، يختار العقيد لطفي رفاقه، الى منطقة مكشوفة اسمها «طريق بشار»، وخياره هذا اعتمد على ان الفرنسيين لن يشكوا أن قائداً سيجازف بفرقته في هذا الطريق لذلك لن تكون الرقابة من قبلهم كبيرة، لكن العدو فكر بطريقته نفسها وقرر بعد أن وصله معلومات عن رجال بدو يمتطون الجمال أن ثمة قائداً ثورياً بينهم وهذا القائد سيسلك المنطقة المكشوفة، كان هذا في عام 1960، تدور معارك وطيسة بين العقيد لطفي وفرقته وبين جيش مدجج بالدبابات والصواريخ والطائرات، الى أن يتم اغتيالهم جميعهاً وهم خمسة اشخاص فقط استطاعوا أن يجابهوا ترسانة حربية كاملة وجهت فقط لأجل النيل من العقيد لطفي، الذي انتهى معه المشهد بصورة جعلت الزغاريد تملأ قاعة السينما إضافة الى صوت بكاء وشهقات، فقد ارتمى العقيد لطفي على أرض وطنه الجزائر وقام بطبع قبلة على ترابها.

إذ أنت أمام حكاية بطل يجعلك تبكي في كثير من محطاته، بداية عندما كان اسمه بودغان، وهي مرحلة الثانوية العامة والتحاقه بالمجموعات السرية وكان أول شخص يعلق أول منشور لجبهة التحرير الوطني للشعب الجزائري في مدينته تلمسان عام 1954، ليصبح بعدها ملاحقاً من قبل عناصر الشرطة الفرنسية المستعمرة للجزائر في ذلك الوقت، فيتم إرساله مباشرة للعمل الميداني الثوري مع ثوار الجبل، ويصبح اسمه ابراهيم، بين المرحلة الأولى والثانية من حياة العقيد لطفي، أنت تدخل في تفاصيل لها علاقة بتكوين شخصيته، وتطوير أدوات عقله للتفكير بشكل عملي في كيفية استقلال الجزائر، المخرج أراد أن يوضح من خلال السيرة الذاتية للطفي أنه ينتمي الى عائلة متماسكة، ونهمة في قراءة الكتب مثل طلب شقيقته أن يقترح عليها عناوين كتب، وتركيزه في نوعية الكتب نفسها التي يقرأها من خلال تقريب الصورة على كتاب «العبرات» للروائي «مصطفى لطفي المنفلوطي» وهو في المرحلة نفسها التي كان لديه حبيبة يحتفظ بصورتها في محفظته، ويضطر الى احراقها عندما يلتحق بالمرحلة الثانية، لا يحرق صورة الحبيبة فحسب، بل يحرق هويته الشخصية التي تحمل اسمه ايضاً، ويعطيه قائده فرصة لاختيار اسم حركي فيكون «ابراهيم».

مرحلة ابراهيم تكاد تكون من الناحية الفطرية والعاطفية هي الأقرب لعلاقة المتلقي بما يشاهده بعد مرور كل هذه السنوات، فخلع اللباس المدني وارتداء العسكري وحمل السلاح، ليس بالأمر السهل، خصوصاً عندما يضيق الوطن من كل السبل لحريته ويصبح حمل السلاح وجهة نظر.

قبل المضي في طريقة تحول بودغان الى لطفي وهو تحول ليس في الاسم فقط بل في المرحلة وتطورها، يجب أن يكون الحديث عن هذه الجزئية التي كانت مملوءة بالسقطات التي لها علاقة بالمكان والزمان، حيث طريقة النقل توحي بأن هذه الساعات الثلاث الا ربعاً من وقت الفيلم كانت أكثر بكثير، واضطر المخرج أن يقوم بتقطيع مشاهد رابطة، من الممكن تكنيكياً أن يلتقطها الجمهور العادي قبل الجمهور المتخصص بفنون السينما وصناعتها.

وللعودة إلى الجبل وثواره، المرحلة التي تظهر فيه اسماء لوجوه عدة في الثورة الجزائرية التي بدأت بمنشورات وانتقلت الى ثوار يلتقطون اسلحتهم عبر قتل الجنود الفرنسيين، أعدادهم القليلة استطاعت حينها أن تهز الكرسي الفرنسي المستعمر، واستطاع لطفي من خلال مشاهد غير مرتبة في السرد التاريخي للحدث أن يصبح قائداً لمجموعة من الثائرين يضع الخطط للتنفيذ، من بينها قتل دبلوماسيين فرنسيين وتفجير أماكن سكنهم، بعد أن يطلبوا من النساء والأطفال مغادرة تلك التجمعات، اضافة إلى عمليات المواجهة التي تعتمد على القنص، وليس انتهاء بارتداء زي الجيش الفرنسي أو أمنه لتنفيذ عمليات نوعية.

تمر السنوات ويصبح اسم إبراهيم ايقونة ترفع في التظاهرات التي بدأها المجتمع المدني الجزائري التي كانت تؤكد دوماً على سلميتها، اصبح إبراهيم حلم الفتيات حتى لو من خلال لقاء، حسب فاطمة التي التقته بعد اصابته في احدى المناوشات لتؤكد له أنه كان حلماً لها، وفي ما بعد اصبحت زوجته.

هذا الحديث يجعلنا نذهب الى نظرة لطفي منذ كان بودغان وإبراهيم الى المرأة، فهو دائماً كان يبرز دور المرأة في الثورة، التي كان يعتمد عليها ليس فقط في تمريض الجرحى بل في حمل السلاح، وهي من الأمور التي ناقشها مع المجلس الوطني الجزائري في مرحلته الانتقالية كحاكم عندما استنكر غياب المرأة من المجلس.

مرحلة ما بعد ابراهيم كانت عندما تمت ترقيته الى رتبة عقيد في عام 1958، ويقرر أن يصبح اسمه لطفي، في هذه المرحلة تظهر أسماء عديدة من قيادات الثورة الجزائرية قبل خلعهم البزة العسكرية وارتدائهم البدلات الرسمية، عندما اقترب موعدهم مع تشكيل حكومة انتقالية متمثلة في المجلس الوطني الجزائري، من بينهم العربي بن مهيدي وعبدالحفيظ بوصواف وهواري بومدين.

الفيلم عاطفي من الدرجة الأولى، فيه مشكلة واضحة في السيناريو والحوار، والتكنيك في الانتقال بين المشاهد، لكن قوة الصورة والكادر والإضاءة وعناصر فنية لها علاقة بإدارة المخرج كانت كفيلة بأن تعطي قيمة فنية عالية المستوى للفيلم.

تويتر