عُرضت خلال الدورة الثامنة من «مهرجان وهران»

أفلام قصيرة تفتش عن أحلام منتهكة

مشهد من فيلم «سكر أبيض» من المصدر

عرضت الدورة الثامنة من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، التي اختتمت فعالياتها أخيراً بالجزائر، 14 فيلماً قصيراً عربياً، تنوعت موضوعاتها بين الحديث عن التطرف، والثورات، والانتهاكات بحق البشر وأحلامهم.

ومن بين تلك الأفلام، نستعرض أربعة منها: الأول للمخرجة اللبنانية رشا التقي، والذي حمل عنوان «رش المي فراق»، والثاني فيلم «صحافي حر» للمخرج الفلسطيني محمد حمدان المشهراوي، والثالث للمخرج المصري أحمد خالد، وحمل عنوان «سكر أبيض»، والرابع للمخرج البحريني إبراهيم محمد إبراهيم بعنوان «زينب».

البداية مع فيلم رشا التقي، الذي تكمن أهميته في صورة بصرية قدمتها التقي، وتؤكد ولادة مخرجة ليس من الصعب عليها الانتقال إلى مرحلة صناعة فيلم طويل، وهذا الوصف ليس مبالغاً فيه، بالقياس مع الفيلم الذي قدمته وحمل عنوان «رش المي فراق» المستند إلى قصة حقيقية، من بطولة صباح الجزائري، وجورجينا رحمون التي كانت الحلقة الأضعف في الفيلم.

يتناول الفيلم قضية التحرش بالأطفال وقتلهم، ومع أن موضوع الفيلم قد يثير عواطف كثيرين، خصوصاً الآباء والأمهات، إلا أن طريقة تناوله كانت في غاية الحرفية، إذ اعتمدت التقي على شخصية سمر، وهي امرأة صماء وأم لطفل وطفلة، تعيش عند والدتها في بيت مسكون بالدفء والحرص، وهذا ما تظهره التقي في الدقائق الأولى من الفيلم ومدته 14 دقيقة، والتي كانت حافلة بالتكثيف المرتبط بإيصال الرسالة دون رتوش. في المشهد الأول، يظهر شاب بشعر أحمر اللون يقود دراجته في جو صافٍ جميل، ويقف أمام منزل سمر، ينذر ببداية الحكاية، خصوصاً بعد أن أصرّت التقي على أن تظهر مدى اهتمام العائلة بطفليها، وعدم السماح لهما بالخروج من المنزل واللعب فقط في الحديقة الداخلية، تفاصيل كان لابد منها، لتأكيد أن الخطر عندما يأتي لا يفرق بين طفل وآخر، خصوصاً إذا كانت عيون ذلك الشاب متربصة بقوة بالطفل رامي، قرة عين أمه التي ترى من خلاله الدنيا وحلاوتها؛ فهي الصماء التي تحاول استشعار كل حواسها الطبيعية لتثبت له ولشقيقته كم تحبهما. يختفي الطفل رامي في ظروف غامضة، ويتكاتف أهالي الحي للبحث عنه، هذا النوع من التفصيل وطريقة تناوله وإدارة التقي الفنية له، كانت شديدة التميز، حتى من ناحية استخدام الإضاءة والكوادر؛ إذ استطاعت ببساطة أن تلعب على المشاعر: فالجدة تعلم أن حفيدها اغتصب وقتل من قبل الشاب الذي يوصل طلبات البقالة للمنازل، تخفي الأمر عن ابنتها الصماء، وتؤكد لها أن حادث سيارة أودى بحياة ابنها، لكن الأم تصرّ على رؤية الجاني، تقابله لتقول له إنها سامحته، فهي لا تعلم الحقيقة، هي كانت تريد التأكد من أن ابنها لم يتعذب قبل رحيله عن هذه الدنيا، لكن في العزاء تستطيع الأم أن تقرأ شفاه المعزين، وتدرك أن ابنها اغتصب وقتل، لينتقل المشهد ويتحول بشـــكل كامل إلى ملحمة فردية تمارسها الأم مع نفسها بداية من الخروج من المنزل، ونزع حجابها، وصراخها، وعويلــها وليــــــس انتـــهاء بمحاولتـــها قتل الجاني داخــــل مركـــز الشـرطــــــة. الفيلم ينتهي بمشهد مصنوع بحرفية عالية، له علاقة بالدراجة الهوائية التي كان يركبها الشاب ذو الشعر الأحمر، والطفل رامي من خلفه سعيد بمداعبة الهواء له ولشعره، سعادة ليست أقل من سعادة ذي الشعر الأحمر أنه حصل على فريسته.

«صحافي حر»

بينما يقدم الفيلم الفلسطيني «صحافي حر» للمخرج محمد حمدان المشهراوي، خلال 10 دقائق، قضية الصحافيين الفلسطينيين الذين لا يعملون في مؤسسات رسمية، والذي كانت طريقة العرض أقرب إلى تقرير تلفزيوني إخباري أكثر من سينمائي، وهذا ما أفقده بريقاً كان من السهل أن يكون حاضراً، خصوصاً في قضية لم تتناول كثيراً في السينما الفلسطينية، إذ تاه المخرج المشهراوي في إيصال الفكرة سينمائياً، وأشعر المتلقي بأنه يشاهد تقريراً إخبارياً، فالمخاطر التي رصدها المشهراوي للصحافيين الذين يعملون بشكل حر دون الارتباط بمؤسسات إعلامية، كانت مشاهد وثائقية وليست تمثيلية درامية، ما جعلها تصب في خانة الأخبار، ولم تقدم سوى تعاطف عادي مع هذه القضية التي تضاف إلى معاناة الشعب الفلسطيني.

«سكر أبيض»

المفاجأة الحقيقية بالنسبة لهذه المجموعة من الأفلام كانت في الفيلم المصري «سكر أبيض» للمخرج أحمد خالد، ومدته 13 دقيقة، والتي يعيشها المشاهد من خلال نظرة رجل حالم، يمتزج فيها الواقع بالخيال. طريقة التناول من الممكن مشاهدتها في كثير من الأفلام الأميركية، فالمشاهد يرحل مع هذا الحالم في تفاصيل بين الواقع حيناً والحلم حيناً. طريقة الانتقال من مشهد إلى مشهد يراد منها إيصال إذا ما الحلم ارتبط مع الخوف، وإذا ما الحلم ارتبط مع الحرية، وإذا ما الحلم ارتبط مع الخيال.. وهو أصعب أنواع الأحلام. يبدأ المشهد مع الحالم وهو يقصد محال للحلوى، يحكي علاقة ذلك الحالم مع الحلوى بطريقة فانتازية لها علاقة بشكل الحلم وإرهاصاته، لكن المشهد الذي أدخل بعد ذلك يكمن في فتاة ظهرت متكشفة، وهو شكل جديد على السينما العربية، خصوصاً في الفيلم القصير، وكان هنا في فيلم «سكر أبيض» جزء من الحلم، وارتباطه بالحلوى. هذا «الإقحام» لم يعجب كثيرين، ليس بسبب الجرأة بل بارتباط جسد المرأة بالحلوى، وتنتقل المشاهد بعدها إلى نقل المخاوف من محيطين، عبر مشهد ضم امرأة وطفلاً ورجلاً ملتحياً، من الواضح ألا علاقة تجمع بينهم، لكن السرد أن هذا الرجل يدفع فواتير الجميع دلالة على أسلوب من يريد السيطرة والحكم على الجميع حتى لو خالفوه الرأي، مشاهد عدة في هذا الفيلم القصير تنقل المخاوف بحذافيرها ضمن صور خلابة في طريقة صنعها، وحركة كاميرا قريبة إلى الصناعة المتمكنة في السينما.

«زينب»

ونال الفيلم البحريني «زينب» للمخرج محمد إبراهيم محمد، ومدته 17 دقيقة، إعجاب كثيرين، خصوصاً أن عرض فيلم خليجي بحد ذاته يعد دلالة على صناعة يجب على العالم العربي الاهتمام بها. يتناول الفيلم قصة فتاة اسمها «زينب» تعاني من ضعف شديد بالبصر، لكنها شديدة البصيرة، بعلاقتها مع محيطها في الحي، خصوصاً جارها علي، علاقة البصر والبصيرة مرتبطة معه ومن خلاله، وتبدأ مع فقدانها نظارتها في الوقت الذي قررت فيه عائلة علي الانتقال من الحي، واشتداد المرض على أم زينب. كل هذه المعضلات أوجدت جواً مشحوناً وعاطفياً تجاه زينب، التي يراد منها أن تتحلى دوماً بالصبر والرضا، وهي التي تريد إدخال مشاعر جديدة في حياتها تتلخص في معنى الفقدان. المشاهد التي اعتمدها المخرج في الفيلم صورت أحياء قديمة من مملكة البحرين، بعيدة كل البعد عن التخيّل العربي لشكل العيش للخليجي بشكل عام، لكن قصة الانتقال من الحي كانت كفيلة بربط المشهد بين الماضي والحاضر، حتى لو كانت المشاهد حية وحديثة، الفيلم ببساطة أراد أن يحكي الفقدان بكل أشكاله، من خلال فتاة ضعيفة النظر لكن قلبها بكبر حجم الحي الذي يرحل عنه كثيرون، أولهم صديقها العزيز وجارها علي.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

 

تويتر