افتتح الدورة الخامسة من «مالمو للسينما العربية» ومخرجه رفض مقارنته بـ «سهر الليالي»
«سكر مر».. فيلم الخيارات المحـدودة
يصرّ المخرج هاني خليفة كالمؤلف محمد عبدالمعطي على رفض المقارنة بين فيلم «سكر مر» الذي شهد افتتاح الدورة الخامسة من مهرجان مالمو للسينما العربية، وبين الفيلم الذي أخرجه خليفة عام 2003 «سهر الليالي» الذي اعتبر قفزة نوعية في شكل السينما المصرية والعربية عموماً، وبناء على هذا الرفض في المقارنة، سيتم تناول الفيلم على حدة كتجربة مغايرة جاءت بعد أكثر من 12 عاماً من غياب خليفة عن الإخراج السينمائي.
«سُكر مُر» من إنتاج شركة «مانز بيكتشرز»، وبطولة جماعية يشارك فيها أحمد الفيشاوي، وهيثم أحمد زكي، وآيتن عامر، وشيرين عادل، وناهد السباعي، وأمينة خليل، ونبيل عيسى، وكريم فهمي، وعمر السعيد، وسارة شاهين.
لا شك أن خليفة في هذا الفيلم استطاع أن يثبت أنه مخرج مختلف، فقد قدم صورة سينمائية من الصعب تجاهل العناصر الفنية الكاملة بها، والتي تؤكد على إدارة مخرج ذي مستوى عال، إضافة إلى قدرته على ترويض النص بما يتناسب مع تلك المشاهد التي صنعها، وعلى ذكر النص فمن الواضح أن المشكلة تكمن فيه، في ظل وجود 10 شخصيات في الفيلم، تفاوتت مدى براعة التمثيل بينهم، لكن لاشك أن الفنان أحمد الفيشاوي يثبت دائماً أنه متفرد ويستطيع جذب الكاميرا له بشكل ساحر، ومع وجود عدد كبير شكلوا بطولة جماعية مطلقة، لكل شخصية حكاية متقاطعة مع الشخصية الأخرى، ظهر عنصر التيه لدى مستقبل الفيلم، خصوصاً مع العدد الكبير غير المبرر إذا لم يلازمه سيناريو يتوافق مع ذكاء المخرج وأداء مميز للممثلين مع التحفظ على أداء آيتن عامر الذي كان مبالغاً فيه، ونبرة صوتها التي طغت على تمثيل كان من الممكن أن يكون أفضل بناء على ما قدمته سابقاً من أعمال فنية، التميز كان حاضراً بالشخصية التي قدمتها أمينة خليل التي تستحق الاشادة، وحضور ليس مؤثراً لهيثم أحمد زكي، ونمطية في الأداء لشيرين عادل وعمر السعيد، أما ناهد السباعي فهي من الواضح أنها تريد لخطواتها الفنية أن تكون متطورة مع كل دور تقدمه، والمفاجأة كانت حاضرة مع نبيل عيسى وكريم فهمي وسارة شاهين.
قصة الفيلم هي إسقاط واضح على تأثير السنوات الأربع الفائتة منذ الثورة المصرية على حياة الجميع، فمسألة قبل وبعد أشبه بماركة مسجلة في الوطن العربي قبل وبعد النكبة، قبل وبعد النكسة، قبل وبعد الحرب اللبنانية، قبل وبعد حرب الخليج، قبل وبعد 11 سبتمبر، وأخيراً قبل وبعد ثورات الربيع العربي، هذه الحالة التي تجمع التغييرات التي تطرأ على المجتمع بإرهاصات الماضي وتوقعات المستقبل أصبحت ثيمة جديدة في صناعة الفيلم العربي بشكل عام، فالكل يؤثر في الفرد، وطريقة التعاطي مع المسلمات لم تعد جديرة بالحالة الجديدة، ثمة ثورة في داخل كل شخص، ثمة تساؤلات كثيرة تحتاج الى أجوبة وتجربة أي نوع من التغيير حتى بالشكل الاجتماعي كما ظهر في الفيلم هو نوع من البحث عن الإجابات المرجوة.
نعم.. أنت أمام علاقات كثيرة ومتشابكة، يجمع بينها المحاولات الدؤوبة في البحث عن النقص في كل شخصية، فالشاب المتعدد العلاقات «سليم» قرر أخيرا أن يستقر ويتزوج، والشاب المهمل اجتماعياً «علي» مع أنه دكتور في الجامعة ووسيم، يقرر البحث عن امرأة تنتشله من هذا الإهمال وتساعده على دخول العالم المحظور عن أشكاله بالعرف الاجتماعي، ولهذا تراه يفسخ خطوبته من المرأة التي اعتقد أنها ستحقق مراده لأنها تحجبت، هذا الحجاب نفسه الذي جاء كردة فعل الشخصية «ملك» بعد فقدان أمها، وطريقة التعاطي معه كانت الأصدق والأقرب الى الواقع، ثمة امرأة أيضاً في الفيلم تريد الاستقرار رغم أنها عدة العلاقات «شيري» ولم تسمع طلب الزواج من كل الرجال الذين أقامت علاقة معهم، تراها مع ذلك الرجل «علي» الذي يبحث عن الظهور اجتماعياً من خلال نساء المجتمع المخملي إذا جاز التعبير، في المقابل تظهر شخصية «حسام» الذي يقرر فجأة التدين بعد سماعه الأذان في حضرة الحشيش والكحول أمامه، ولن تستغرب اذا ارتبط بـ«ملك»، وهناك أيضاً مريم ونبيل اللذان بمجرد أن انتقلا من مرحلة الحب إلى الزواج بهت كل شيء وفقد قيمته، والمعضلة عندها أن الطلاق في ديانتها لا يتحقق بسهولة، وأكثر الشخصيات صخباً تمثلت بنازلي ومروان، الرافضين لعرف مؤسسة الزواج، ونازلي تحديداً هي صاحبة عبارة «لو كل واحدة فينا حرمت أكساتها على اصحابها ما فيش بنت بمصر حتتجوز» فهي تتعامل مع مشاعرها باللحظة دون تفكير، حتى إنها ترى نفسها في النهاية متزوجة من مروان، ووقتها ينهار كل شيء، أما شخصية عالياء فهي التي بتحولها تضع الملح على الجرح، لكمية المشاعر المكبوتة، والتصرفات المليئة بالادعاء والتي تتصادم في اختيار شريك الحياة الذي قرر أن يتغير وهو سليم، في الوقت الذي أرادت عالياء أن تعيش حياته السابقة.
كل هذ العلاقات التي انتهت بالزواج تنتهي بالطلاق بل وبتبديل العلاقات بينهم، وكأن الحياة اصبحت محصورة مع هؤلاء فقط، يعيشون في دائرة لا مخرج فيها، ولا يوجد خيارات أمامهم الا الموجود، هذه العملية هي التي تعطي الحق للفرد بتجربة الآخر الى أن يصل الى القرار الذي يتوافق معه، أو يوافق على أن يتغير لأجل فكرة، هنا الخطورة والذكاء في هذا الفيلم، فكل الشخصيات التي قد تجدها في أي مجتمع حاضرة، وطريقة تطور الأدوات لدى كل فرد حاضرة أيضاً ضمن ما هو متوافر، لذلك التغيير يكون باختيار شركاء الحياة بناء على استبدالها، وليس لأنه يوجد بديل خارج تلك الدائرة، وكان محورها مع المشاهد الأخيرة في الفيلم خصوصاً مع شخصية سليم وهو يجلس في سيارته ينتظر حبيبته الجديدة، وتكون هذه المرة شيري، ويقول بينه وبين نفسه «يا ترى السنة الجاية حكون مع مين؟ معاها والا مع غيرها، والا حكون لوحدي»، فسليم يجسد الشخصية الذي طمح الى التغيير وصدم بالواقع الذي لم يتناسب مع هذا التغيير.
لا شك أن الفيلم يحمل الكثير من الاسقاطات السياسية على الحالة المصرية بشكل خاص والعربية بشكل عام، لكنه يحتاج الى أن تكون حواسك حاضرة بالكامل، فتسلسل الأحداث فيه تأخذك من سنة الى أخرى مع «الفلاش باك» الذي قد يشوش على عدم القدرة على ربط المشاهد مع بعضها.
وكما سبق وذكرنا أن الفيلم مليء بالتساؤلات من قبل الشخصيات فيه والمشاعر التي يتم بثها باستمرار، والتي تحولت الى ثيمة على بوسترات الفيلم عبر مواقع الكترونية للترويج عنه مثل ما قالت عالياء «كلنا مندور على السعادة بمليون طريقة، ولسة محدش وصل لطريقه»، ومن ضمن ما قاله حسام «كلنا منخاف من الناس القريبين منا يتغيروا، وننسى انه احنا كمان منتغير»، وظهر على لسان شيري «خوفنا من الوحدة ساعات بيكون سبب رئيسي في سوء اختيارنا لشريك حياتنا». الفيلم سيرى طريقه قريباً إلى دور السينما العربية، وهي فرصة ليرى المشاهد نوعاً مختلفاً في صناعة الفيلم المصري، حتى لو لم يحب الفيلم أو يفهمه.
للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news