يُعرض في دور السينما المحلية قريباً
«سمّاني ملالا».. وراء كل «شُـجاعة» أب عظيم
النصيحة في مشاهدة فيلم ما يجب أن تكون مسؤولة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بحكاية تحب أن تشاركها مع الجميع، تدرك تماماً وقعها على المشاهد، وأنه سيخرج من غرفة العرض وفي رأسه الكثير ليقوله، ففيلم مثل «سماني ملالا» الذي سيُعرض في دور السينما المحلية، ليس فيلماً عادياً، بل هو يحاكي مشاعر كثيرة يخجل ويخاف كثيرون من الإفصاح عنها، لكنه سيدرك بعد مشاهدة الفيلم أن ثمة أملاً، هذه المرة، مرتبطاً بفتاة أصبحت يانعة بعد تجربة كادت تودي بحياتها، ملالا التي أصبح عمرها 18 ربيعاً، هي بطلة حكاية الفيلم الوثائقي من إخراج ديفيس جوجنهايم.
لن تكون التفاصيل في الفيلم تشبه المواد الإخبارية التي غطت رحلتها منذ أن أطلق فرد من عناصر طالبان رصاصة على رأسها كادت أن تودي بحياتها، مروراً برحلة العلاج وليس انتهاءً بحصولها على جائزة «نوبل للسلام»، بل سيحاول الفيلم وضع يده على جرح ترفض ملالا، التي لا تغيب الابتسامة عن وجهها رغماً عن الشلل في جانبه الأيسر، أن تفصح عنه، هي لم تغضب الى اللحظة، وتحاول جاهدة أن لا تدمع عيناها بالدموع حتى وهي تشهد على مأساة اللاجئين السوريين، تشعر بكل لحظة في الفيلم أنها تقترب من أي حدث عالمي مأساوي تطبطب عليه وكأنها تقول: «أنا التي أفهمك تماماً».
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. |
قصة ملالا ليست مرتبطة بفردها، بل هي نتاج عائلة أرادت أن تتحدى السائد باختلافها، تشعر أن الأب هو البطل الحقيقي الذي ربّى ابنته على التحدي والشجاعة، لأنه عندما قرر أن يخرج عن صمته هو يدرك تماماً ما سيتعرض له من عناصر طالبان، هو يدرك أن رأسه ورأس كل فرد من عائلته التي تتكون من ملالا وشقيقيها وزوجته سيكون قرباناً من أجل حريتهم، حريتهم التي ارتبطت بالدفاع عن حق الفتاة بالتعليم، يقول: «لم أكن أتوقع أن يقتلوا طفلة»، لكن المجرم دائماً ضد كل التوقعات.
بدأ الشريط الوثائقي بصوت ملالا التي تؤكد أنها ولدت وهي مازالت في بطن أمها، مع حكاية كان والدها يرويها لها تحكي عن فتاة صغيرة كانت شاهدة على هروب الأفغان من الاحتلال البريطاني، تقرر الفتاة الصعود الى الجبل وتصرخ بأعلى صوتها «عش كأسد يوماً ولا تعش 100 عام كعبد»، هذا الصوت أعاد الشجاعة الى قلوب الأفغان وقرروا مواجهة البريطانيين، تقوده الفتاة التي أصيبت برصاصة أودت بحياتها وكان اسمها «ملالا» التي تعني الشجاعة.
إذا لم يكن إطلاق الاسم عليها مصادفة، بل كان مستشرفًا بمستقبل يُراد له أن يتكرر، مع عدو جديد على ما يبدو، اسمه «طالبان»، الصعب في هذا العدو أن ملامحه تشبههم ويتحدثون لغتهم، لكنهم ضد مصطلح اسمه الحياة.
أهمية الفيلم، أو الذي جعله يختلف عن ما تبثه القنوات الاخبارية عن ملالا، أنه دخل إلى عالمها، أراد أن يعرف من هي هذه الفتاة ومن أين جاءتها كل هذه القوة، هي بلغت الـ18 ربيعاً، لكنها مازالت تلك الطفلة ذات الـ15 ربيعاً، خصوصاً وهي تشاكس أخويها، من أجمل المشاهد في الفيلم كان يتعلق بسؤال اذا ما ستطلب ملالا من شاب أن يخرج معها بموعد عاطفي «أخي يستطيع أن يقول ذلك، لكن أنا من الصعب أن أتخيل منظر عائلتي عندما أطلب هذا الطلب»، لتتحول الكاميرا الى شقيقها الذي يقول: «هي مخطئة، لا أعلم لماذا تعتقد أنني أستطيع ذلك وهي لا؟».
هنا تحديداً تدرك مدى المختلف في هذه العائلة، بالرغم من أن الأم لم تتكيف بعد مع الوضع الجديد «أحب الحياة في لندن، لكنني أشتاق الى منزلي وجيراني».
والدة ملالا التي رأت نفسها وهي في عمر الخمس سنوات في مدرسة هي الفتاة الوحيدة بها، فتقرر أن تقايض كتبها بالحلوى، وتترك التعليم، ليخرج صوت ملالا معلقة على هذه القصة «لم يسألها أحد أين كتبها، ولماذا لا تذهب الى المدرسة، وهذا هو السبب».
الفيلم يعتمد صوراً حية ومشاهد مصورة على شكل حكايات كرتونية، تحكي ماضي كل فرد في العائلة، وللأب تحديداً قصة نستطيع أن نقول عنها إنها القاعدة الأساسية التي بنيت عليها شخصية كل فرد في العائلة.
يؤكد الأب «عندما ولدت طفلتي ملالا، تعلقت بها من النظرة الأولى، وطلبت من قريبي أن يأتيني بشجرة العائلة التي تمتد الى 300 عام، ولاحظت أنها تحوي أسماء الذكور فقط، لكنني وضعت اسمها على الشجرة ليكون أول اسم لفتاة فيها».
لذلك عندما أفاقت ملالا من غيبوبتها بعد إطلاق الرصاصة على رأسها سألت الطبيبة «أين أبي؟»، فالعلاقة بينهما مكملة لبعضها، هو كان خائفاً من عتابها اذا ما نجت، واتهامها له أنه السبب وراء كل ذلك، لكن هذا لم يحدث، هي تمسك يده دائماً لأنها تشعر بأنه القوة الكامنة في داخلها.
ينقل الفيلم أيضاً تفاصيل العلاقة بين عائلة يوسف الأب وفضل الله أحد زعماء «طالبان» «وثقنا به في البداية، وكنا نستمع اليه كل يوم وقت بث عظاته في المساء، كان يخصص وقته للنساء أيضاً، لكنه عندما تمكن بقوة السلاح تحوّل الى مجرم، يستهدف حتى الأطفال».
الأب والحديث عنه واجب، لأنه أراد المستحيل في ظل الموت ظلماً، هو صاحب مدرسة ويؤمن بأن التعليم هو السلاح الأقوى ضد الجهل والظلام، هو يدرك أن منع «طالبان» التعليم أساسه الخوف من التشكيك بكل ما يبثونه، هو أدرك عندما قرر أن يختار ملالا باسم مستعار لتكتب عن يومياتها لقناة الـ«بي بي سي»، بعد أن خاف والد إحدى الطالبات عليها من الموت، أن يضع ابنته على أول سلّم المواجهة، هو أدرك أن الحرية تبدأ بالتضحية، ولا يوجد أغلى من الأبناء، ومن هنا بدأت حكاية ملالا، التي قررت بعد تفجيرات عدة لمدارس وتهديدات للفتيات اذا ذهبن الى الدراسة، أن تكشف عن هويتها وتتحدث الى الإعلام علانية، فكانت النتيجة رصاصة في رأسها ورصاصة لزميلتيها. هي تحلم بالعودة الى بلدها، فلا شيء يشبه رائحة الوطن، فحسب والدتها التي قالت: «القمر وحده الذي لم يتغير»، هي شعرت بالتحدي بشكل أكبر، خصوصاً عندما علمت أن «طالبان» هددت بقتلها اذا ما فكرت في العودة، هي تريد رؤية منزلها التي ترعرعت فيه ولو لمرة واحدة. تفاصيل كثيرة في هذا الفيلم الذي سيصنع تغييراً لا محالة، فيلم يراد منه التمسك بالأمل، وأن الصمت لن يجلب الوجود للشخص، فوقع الصراخ أفضل وأكثر تأثيراً، يجعلك تشعر حسب والد ملالا أنك على قيد الحياة.
التقرير عن الفيلم يستحق أن لا تذكر كل تفاصيله كدعوة الى ضرورة مشاهدة مثل هذه النوعية من الأفلام، التي ستتفاعل معها وتبكي وتفرح وتشعر بنصر ما، هي حكاية طفلة غيرت الكثير من مفاهيم العالم بنظرتهم الى الشرقيين والمسلمين، هي أرادت في هذا الفيلم تحديداً أن تؤكد أن الظلم ليس له هوية، لذلك كانت هناك لقطات لمخيمات لاجئين سوريين، ولأهالي الفتيات المختطفات في نيجيريا، وغيرها، الفيلم يحكي كل ذلك وأكثر، ويستحق بالفعل المشاهدة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news