كلاسيكية جديدة تعزّز إرث «ديزني»
«ذا جنغل بووك» يبهر الجمهور أداءً ومؤثرات خاصة
يخطئ كثيرون من الناس فهم فكرة إعادة صنع فيلم أو Remake، فيظنون أن معناها إعادة صنع فيلم قديم بإعادة تصوير مشاهده لقطة بلقطة؛ بحيث لا يتغير شيء سوى جودة الصورة والصوت والممثلون.. هؤلاء يبررون ما فعلوه بوفائهم للعمل الأصلي.
لكن هناك فريق آخر يعلمون تماماً كيف يبدعون في اقتباس الأفلام الأخرى، مثل فيلم «ذا جنغل بووك» في حلته الجديدة، والمقتبس من كتاب للمؤلف البريطاني روديارد كبلينغ، عن قصة تتخذ من الأدغال الهندية مكاناً لها، وهذا العمل أكبر مثال على الإعادة المبدعة لفيلم قديم، ولا تضاهيه سوى أفلام سندريلا 2015، لكينيث براناه، وماد ماكس طريق الغضب، وكريد.
نعترف بأننا لم نتحمس للأخبار التي أعلنتها شركة ديزني عن قرارها تحويل فيلم «ذا جنغل بووك» أو كتاب الأدغال إلى فيلم حي، لأننا نشأنا على مشاهدة نسخة الرسوم المتحركة أو «الأنيميشن» التي تعود لعام 1967، وفي تصورنا ألا شيء يمكن أن يكون مساوياً لها، وهذا الشعور بالطبع يتعلق بالنوستالجيا.
هي القصة الكلاسيكية نفسها عن ماوكلي فتى يتيم (نيل سيثي) تربيه عائلة ذئاب وفهد يدعى باغيرا (بن كينغسلي)، في يوم ما يأتي النمر شيرخان (إدريس إلبا)، ويطالب بتسليم الفتى ماوكلي لتصفية حساب قديم بينه وبين والد الفتى، فتضطر عائلة الذئاب لإرساله إلى قرية البشر المجاورة للغابة، وتدور كل أحداث الفيلم خلال هذه الرحلة إلى القرية.
قرار جريء
خالٍ من البشر.. مملوء بالعواطف الفيلم خالٍ من البشر، إلا أنه مملوء بالمشاعر والعواطف الإنسانية؛ والفضل يعود لأداء الطفل نيل سيثي الجميل، وكذلك الأداء الصوتي المتميز لكل النجوم المشاركين في العمل، خصوصاً بن كينغسلي ولوبيتا نايونغ وبيل موراي وإدريس إلبا. اختيار فافرو كان موفقاً في مشروع لا يوصف سوى بالرائع، لجمال نصه ودقة تفاصيله المرئية، وهو بالتأكيد سيتحول إلى كلاسيكية، سيتذكرها هذا الجيل والأجيال المقبلة. |
يبهر الفيلم المشاهدين بصيغته الجديدة الفريدة من نوعها، إذ يضع المخرج جون فافرو (أخرج آيرون مان)، ممثلاً واحداً فقط وسط شخصيات مصنعة بالكمبيوتر، لكن ذلك قد يتعارض مع تصنيف الفيلم باعتباره فيلماً حياً؛ أي يحوي عنصراً بشرياً، نظراً لأن الأغلب فيه هو صناعة التكنولوجيا. أضاف فافرو كذلك تغييرات ولمسات تجديدية عدة؛ منها تحويل الفيلم من الكوميديا إلى الجدية الأقرب إلى الظلامية، وأزال كل العناصر التي من شأنها التشويش على هذا الجو؛ كإلغائه شخصيات الصقور الهزلية. إضافة إلى ذلك اتخذ فافرو قراراً جريئاً لصالح دعم هذه النقطة، وهو تقليص أغاني الفيلم، والتي كانت جزءاً من إرث نسخة 1967، بقي مع الأجيال اللاحقة، إلى أغنيتين فقط. القرار جريء لأنه قد يحبط كثيرين ممن قد يصطحبون أبناءهم للاستمتاع بالأغاني الظريفة للفيلم، ويسترجعون ذكريات طفولتهم، لكنه ليس قراراً خاطئاً وفي محله تماماً؛ إذ يدعم الأجواء الجادة للفيلم المجدد.
وأيضاً حوّله إلى فيلم تشويق وإثارة، لا يخلو من المطاردات على الأرض وبين أغصان الأشجار، فضلاً عن تطوير الأفكار السياسية، وإضافة موضوع البيئة، والذي نلاحظه من خلال مشهد الهدنة المائية، عندما تتفق كل الحيوانات على تقاسم مياه البحيرة في وقت الجفاف، ما جعله فيلماً ناضجاً وهادفاً من الدرجة الأولى. كما يحوي الفيلم لمسة جديدة هي إضافة قصة ماوكلي الخلفية على شكل (فلاش باك)، نراه من خلال عين الأفعى كا «سكارليت جوهانسون».
الفيلم يدعو إلى فكرة نبيلة هي عدم تضارب المصالح بين الإنسان والطبيعة، الممثلة بالحيوانات التي تعيش في الأدغال، ففي أفلام سابقة نرى الإنسان متفوقاً بعقله، ويشكل تهديداً للغابة (البيئة) لخدمة مصالح ضيقة، هنا نشاهد العكس حيث يتعرف ماوكلي إلى الدب المحتال بالوو (بيل موراي)، الذي يقنعه بمساعدته للحصول على العسل، بالوو لم يكذب لكنه احتال على الحقيقة، والمشهد التالي يمثل ثورة في طريقة تفكير الفتى، وكيف تعلم استخدام أقوى عنصر يملكه (عقله) لمساعدة بالوو، خصوصاً بعد أن لدغه النحل عند اقترابه من الخلية.
النقطة تتكرر مرة أخرى في مشهد المواجهة النهائية، عندما يذكر باغيرا ماوكلي بأن عليه القتال كإنسان، فيفهم ماوكلي الرسالة فيستخدم عقله، كل هذه الجزئية موجودة على شكل استنتاجات واجتهادات لماوكلي، للتغلب على التحديات التي تواجهه، وهذه أقوى نقطة تتعلق بطريقة تطور شخصيته، وليست مفروضة عليه من شخص أكبر سناً مثلاً، لتبدو كأنها درس سيشعر الآباء الذين يشاهدونه مع أبنائهم كأنه موجه إليهم.
الرحلة من الغابة إلى المدينة، في حد ذاتها، تبدو كأنها رحلة ماوكلي من الطفولة إلى الاستقلالية، إذ تعلم الكثير وكوّن علاقات وتعرف إلى الأفعى كا، ثم الدب بالوو، ثم الغوريلا لوي (كريستوفر وولكن)، كل ذلك أضاف تفاصيل ارتقت بشخصيته وطريقة تفكيره، حتى أصبح عقله ناضجاً قبل عمره.
دوافع الشخصيات واضحة وبسيطة، وأقواها شيرخان عندما يحاول إقناع راكشا (لوبيتا نايونغ)، بما قد يرتكبه الإنسان من جرائم في حق سكان الغابة، شيرخان حجته قوية ومقنعة، على الرغم من أن دوافعه تعني حتماً موت ماوكلي، وهو من أقوى الدوافع وأكثرها إقناعاً لشخصية شريرة على غرار شخصية ماغوا في فيلم The Last of the Mohicans عام 1992 لمايكل مان، وكذلك الجنرال زود في فيلم Man of Steel عام 2013.
تفاصيل ثرية
المؤثرات الخاصة في الفيلم مبهرة لدرجة تفوق التصور، إذ تكاد العين تعجز عن التمييز بين الحيوانات الطبيعية والصور المصنعة بالكمبيوتر، وهو العامل الذي أضفى رونقاً خاصاً على الفيلم، خصوصاً أن مشاهده غنية بالتفاصيل، نرى فيها الأشجار وأغصانها وأوراقها وجذوعها، والحيوانات التي تعيش عليها أو حولها في وضوح شديد عكس براعة وإتقاناً منقطعي النظير.
هذا كله بالطبع يحسب لصالح شركة ديزني، التي حرص مؤسسها والت ديزني على الإشراف شخصياً على صناعة نسخة 1967 من الفيلم، الذي صدر بعد عام من وفاته. ثم توالت إنتاجات الشركة لكن بجودة أقل، قبل أن تدخل مرحلة تخبط في آخر الستينات والسبعينات، بسبب افتقادها الرؤية التي تمتع بها المؤسس، ثم تحسنت قليلاً في الثمانينات، وعادت بقوة في التسعينات من خلال فيلم علاء الدين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news