«المجرم».. محاولة أنسنة القاتل
جميعهم قتلة، تلك الشخصيات في فيلم «كريمينال» (المجرم)، لكن ثمة من يقتل بذريعة الحفاظ على الأمن القومي، وثمة من يقتل لأنه مجرم وعقابه يكون السجن، لكن العقلية الإجرامية الواحدة تجاه القتل تجمع بينهم، بل يتم تبادل المصالح أيضاً في ما بينهم، فكل محاولات أنسنة القتل حاضرة في الفيلم الذي يظهر فيه كيفين كوستنر بدور البطولة الرئيس، إلى جانب مجموعة من الممثلين من جنسيات مختلفة، كالممثل الأميركي تومي لي جونز، والكندي رايان رينولز والإسباني جوردي مولا، وبيرتو ريكو، والممثل أموري نولاسكو والممثلة الإنجليزية أليس إيف والممثلة الألمانية انتجي تروي، لأن القصة تدور حول محاولة جهاز الأمن الاتحادي الحصول على شيفرة قد تدمر العالم، قام بصنعها شاب يطلق على نفسه «الهولندي»، يحاول بيع هذه الشيفرة لدولة عظمى مقابل المال ومقابل جواز سفر، وأميركا طبعاً تنجح بالاتفاق مع هذا الهولندي عبر عميلها بيل، الذي يتم قتله من قبل مقرصن إسباني يريد السيطرة على العالم من خلال الحصول على هذه الشيفرة، لتنتقل أحداث الفيلم الى محاور صراع ثلاث جهات، الاستخبارات الاتحادية بقيادة أميركا وبريطانيا، مقابلها روسيا والمقرصن الإسباني، فتقرر الرئاسة المركزية للاستخبارات محاولة نقل المعلومات والذاكرة من دماغ بيلي الى دماغ شخص آخر، ويكون المرشح مجرماً متنفذاً بالقتل في السجون الأميركية، واسمه جيريكو، ليصبح بعدها الهدف الأول المطلوب من قبل الدول العظمى، والإرهابي المجنون الذي يريد تدمير العالم بالصواريخ النووية التي يحمل شيفرتها الشاب الهولندي.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. |
تبدأ الأحداث الفعلية في الفيلم الذي يعرض حالياً في دور السينما المحلية ونال إعجاب أغلبية مشاهديه، بعملية نقل ذاكرة العميل المتوفى بيل الى جيريكو، فشخصية جيريكو مثيرة للمشكلات، وعلاقته مع العنف بدأت معه منذ الطفولة عندما ألقى به والده من النافذة بعد أن اكتشف أنه ليس ابنه، ما سبب له أذى في دماغه، حوله الى مفترس وقاتل، ومحكوم عليه بالإعدام، يصفه المحققون بأنه لا يحمل أي نوع من المشاعر، لا يعرف الحب ولا الكره، يعرف فقط كيف يقتل كل من يضايقه حتى لو كان السبب بسيطاً، وإجراء عملية نقل ذاكرة العميل الاستخباراتي الى دماغه كانت مجازفة مع شخصية جدلية مثله، حيث بالفعل استطاع أن يوهم فريق الاستخبارات وطبيبه أن العملية لم تنجح، لأنه من الذاكرة فيه أدرك أن ثمة حقيبة مملوءة بالنقود في مكان ما، أصبح هدفه الشخصي الحصول عليها.
كيفين كوستنر الذي أدى دور جيريكو أدى العديد من الشخصيات المتعلقة بعملاء الـ«اف بي آي»، مثل دوره في فيلم «غير المرتشين The Untouchables» و«ثلاثة أيام للقتل»، الذي قدم فيه دور عميل ينفذ أوامر القتل، لكنه يحاول أن يظهر أنه وصل الى هذا المستوى بسبب تفكك أسرته، لكن دوره في هذا الفيلم معقد بشكل أكبر، فهو يحمل دماغين في رأسه، دماغ عميل استخباراتي لديه عائلة جميلة مكونة من زوجة وطفلة، علاقته بهما مملوءة بالحب والشغف، ودماغ مجرم معقد من طفولته وخيانة أمه للرجل الذي كان يعتقد أنه والده، يجمع بين الدماغين التفنن في القتل، لكن لكل دماغ ذريعته، فلك أن تتخيل المشاهد التي قدمها كوستنر في لعب دور شخصيتين في رأس واحد، خصوصاً عندما تمر برأسه ذكرياته مع أسرته، فتراه وقد انقلبت حياته ليجرب مشاعر جديدة اختفت من قلبه منذ زمن.
السيناريو في الفيلم لا يرتقي لقامة الممثلين فيه، فأنت تتوقع كل حوار قد يحدث، وكل مشهد، ومنذ اللحظات الأولى من الفيلم ستعيش تجربة مطاردة ليس لها علاقة بمطاردة إنسان من لحم ودم بل بمطاردة دماغه، والدليل أن قتله كان وارداً بعد أن يتم الحصول على المعلومات المرادة من دماغه النصفي الذي يحمل الكثير من المعلومات التي ستحافظ على أمن العالم، من ناحية ثانية ستعيش لحظات عاطفية خاصة في المشاهد التي ستجمع جيريكو مع أرملة بيل، بعد أن تصدق قصة نقل ذاكرة زوجها اليه، فتراها تحاول استجداء بضع كلمات وبضع عواطف من رجل كان حبها الكبير، وهناك طفلتها ايضاً التي تتعلق عاطفياً بجيريكو، وتكون في حبكة الفيلم عاملاً مؤثراً في تغيير مجرى الأحداث والتحول الكبير في شخصية جيريكو.
ثمة جانب من الجدير المرور عليه وهو يتعلق بالفنان رايان رينولدز، الذي بات واضحاً نضوجه في خياراته في التمثيل، ومع أن حضوره في الفيلم بمشاهد قليلة، الا أنه أوصل رسالة بأنه لم يعد ذلك الممثل الذي يؤدي أدواراً بهلوانية وكوميدية فقط.
في الفيلم قصة ذكية، كان من الممكن تنفيذها بشكل أفضل، لكن ما آل إليه الفيلم يستند إلى قوة أداء انتصرت على سيناريو متواضع، ورؤية بصرية عادية، مع إدارة جيدة للمخرج أريل فرومين.