عرض في مسابقته الرسمية أكثر من 70 فيلماً من 44 دولة
«الإسماعيلية السينمائي».. الوطن والعائلة والحرب
انتهت الدورة الـ18 من مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والوثائقية، الأسبوع الفائت، مع حفل إعلان نتائج الأفلام الفائزة، التي سنتناول بعضاً منها اليوم، مع العلم أن غالبية الأفلام التي شاركت في هذه الدورة هي أفلام غربية مقارنة بأعداد قليلة من الأفلام العربية، وعلى ما يبدو أن هذا الاختيار له علاقة بمشاركة كل مؤسسات الدولة المصرية في الترويج للسياحة في مصر، ونشر فكرة الأمن والأمان، ما أثر على السياحة فيها، لذلك كان لوجود الضيوف الغربيين الطاغي حضورهم على الضيوف العرب مثار حديث بين أروقة المهرجان، لكن هذا لم يطغَ على الأيام السينمائية التي جمعت كل الثقافات في قاعة سينما تعرض هموم العالم عبر أفلام تسجيلية طويلة وقصيرة، فكانت الغلبة، كما دوماً، للسينما التي دائماً تؤكد على إلغائها الحدود، فهموم الناس في الغرب لا تقل عن ما لدى العرب اذا ما كان الموضوع له علاقة بالوطن والعائلة والحروب، وهي عناوين بارزة في غالبية الأفلام المشاركة، حتى في فئة أفلام التحريك.
من إيطاليا استطاع المخرج الإيطالي مانو جيروسا بفيلمه «بين شقيقتين» أن يقتنص جائزة أفضل فيلم تسجيلي طويل في الدورة 18 من مهرجان الإسماعيلية، والمؤكد أنه بعد مشاهدة الفيلم كانت علامات الرضا عن الفيلم بادية على غالبية الحضور، وكان سقف التوقعات لفوزه حاضراً، حيث تشعر منذ اللحظة الأولى لمشاهدة الفيلم أنه يتحدث عن شيء قريب من الثقافة العربية التي يميزها ترابط العائلة فيها، فجيروسا قدم قصة تدور بين أمه وخالته، التي تربط بينهما علاقة تجاوزت علاقة الدم، فكل واحدة منهن لا تستطيع الاستغناء عن الأخرى، وقد وصل بهن العمر الى أن الأم بدأت أعراض الزهايمر تظهر عليها، والخالة التي اقترب عمرها من الموت، اضافة الى الأمراض الكثيرة التي تعانيها.
ليست هذه الحكاية التي أراد جيروسا الذي شارك سابقاً في الدورة الـ16 من مهرجان الاسماعيلية في فيلم «لايف أوف سول»، بل هو أراد أن يوضح شيئاً يتنامى في هذه العلاقة بين الشقيقتين له علاقة بالماضي وأسراره تارة، وتحكم وسيطرة الشقيقة الكبرى، واسمها تيريزا، تارة أخرى، والتخبط الداخلي الذي يصيب الأم واسمها ارنيلا بين مشهد وآخر في حقيقة مشاعرها من كل ما يحدث حولها.
منذ اللحظة الأولى من مشاهد الفيلم ستقع في حب تيريزا، تلك الثمانينية المتصابية المتمسكة بالحياة، التي تهتم بجمالها وأنوثتها، وتسعد عندما يقول لها شخص غريب أنها تبدو بالستينات من عمرها، ترفض تيرزا كلياً الحديث عن الموت، تصم أذنيها بكل قوتها، وتعود كالطفلة تنتفض بشكل طفولي ولو كان لها القدرة لركضت بعيداً وكأنها تختبئ من شبح قادم، تتميز تيريزا بخفة الظل، واطلاق القصص المضحكة، تحب تيرزا اختها الصغرى كثيراً، ويبدأ الفيلم معهما عندما قررا الذهاب في رحلة الى البحر، تتصرفان كأنهما في أوج شبابهما، ترقصان وتغنيان وترتديان ملابس السباحة الملونة، الحوار بينهما قد يكون عابراً، لكنه يحمل في طياته تجاعيد ملأت كل مسام جسميهما، حوار يدل على ماضٍ يشعرانك أنه ليس ببعيد، تحاولان تذكر كل شيء جميل فيه، وتبتعدان عن أي منغص كعلاقتهما مع أبيهما.
في المقابل، تظهر أرنيلا بدور الشخصية الهادئة التي تتحمل أختها المسيطرة التي تريد أن تتملكها، رزينة، تنتقي عباراتها، لكن تدرك مبكراً أن ثمة حزناً يسيطر عليها يوقظها بين فترة وأخرى، هذا الحزن هو العلاقة بوالدها، إذ تؤكد أنها لا تتذكر أن ثمة حوار دار بينهما يوماً ما، لذلك كانت تشك دائماً أنها ليست ابنته، خصوصاً أنها ولدت وهو غائب، ومن لمزات الجيران والأقارب عندما كانوا يقولون لها «أنت نصف شقيقة»، هذه التساؤلات لامرأة بدت عليها عروض مرض الزهايمر، أصبحت ترافقها، وحلت مجرى الفيلم في كثير من مشاهده، خصوصاً عندما تتهرب تيريزا من الاجابة عن تساؤلاتها. شقيقتان، لكل واحدة منهن حكايتها وشخصيتها المختلفة عن الثانية، تربط بينهما تفاصيل وقصص، مضحكة في أغلبها، تستطيعان ببساطة أن تُشعراك كمتفرج أنهما قريبتان اليك، تشبهان شخصيات موجودة بعائلتك. من الممكن أن يكون السر في سحر البحر المتوسط، الذي يحكي سكانه لغات عديدة، لكنهم يشتركون في تعابير وجه، وقصص أكثر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news