«يوم الاستقلال» يخفق في التحرر من التكرار
بعد النجاح الكبير، الذي حققه فيلم Independence Day، أو يوم الاستقلال عام 1996، التقى صانع الأفلام الأميركي الشهير ستيفن سبيلبيرغ مع المخرج الألماني رولاند إميريش، وقال له: لقد صنعت عملاً عظيماً سيلهم الكثير من صنّاع الأفلام وسيقلدونك.
سبيلبيرغ كان واقعياً ودقيقاً في قراءته للمشهد السينمائي في تسعينات القرن الماضي، إذ تحول فيلم يوم الاستقلال إلى مرجعية لأفلام الكوارث، خصوصاً مشهد تفجير البيت الأبيض الشهير، إلى درجة أن مايكل باي رائد سينما الفوضى استلهم منه في فيلمين: الأول أرماغيدون 1998، والثاني بيرل هاربور 2001، وذلك بأن مزج الفوضى بالدمار الشامل، ما كاد أن يشكل خطاً سينمائياً مستقلاً.
بعد 20 عاماً على ذلك الفيلم، ومواكبة لتوجهات استوديوهات هوليوود في العقد الثاني من هذا القرن بصنع أفلام معادة عن سبق إصرار (بسبب الإفلاس الفكري)، يأتينا فيلم Independence Day: Resurgence أو يوم الاستقلال: العودة، لكن لا سبب لعودته، فمهما حاولنا أن نبرر سبباً لوجود هذا الفيلم، فلن نجد سوى المؤثرات الخاصة البصرية.
تساؤلات عن «فوضى عارمة» الفيلم يفتقد الإبداع، وتسوده فوضى عارمة، فلا نعلم كيف يقود طيارون مقاتلات جوية دون خوذات وأقنعة أكسجين، بينما آخرون يرتدونها وهم يفعلون الشيء نفسه؟! ثم لماذا يشبه المخلوق الفضائي في هذا الفيلم نظيره في فيلم Aliens أو الغرباء لجيمس كاميرون عام 1986؟! ربما لأن مخلوق فيلم كاميرون أصبح معياراً ثابتاً لكل من يريد صنع فيلم عن مخلوقات فضائية! نقول ربما أو إنها علامة إفلاس ليست غريبة على هذا الفيلم. ونختم بتساؤلات: ألم تكن فترة 20 عاماً كافية لإميريش، لصنع عمل أفضل من هذا؟ ثم لماذا يحتاج البشر إلى أقنعة أكسجين خارج الأرض، بينما المخلوقات الفضائية تتنفس كما تشاء عند غزوها كوكبنا! ليس مطلوباً من المخرج الإجابة، لكن على الأقل قد يكون جوابه أو البحث فيه موضوعا شيقاً للجزء الثالث، الذي قد لا يبصر النور لو أخفق هذا الفيلم تجارياً. هذا الفيلم سيئ، ولا يستحق المشاهدة! |
إميريش، الذي كتب هذا الفيلم مع أربعة آخرين (هي كارثة في حد ذاتها)، أعاد بعض شخصياته في الفيلم السابق، باستثناء بطله آنذاك ويل سميث، وأضاف شخصيات جديدة. الأخير رفض البطولة هنا بسبب عقدة الإخفاق الشديد لفيلم «آفتر إيرث» منذ ثلاثة أعوام دون أن يصرح بذلك علانية، لكنّ المقربين منه سرّبوا هذا الكلام، وحسناً فعل باستيعابه أخطاء الماضي، التي لا يريد إميريش أن يستوعبها.
الفيلم يبدأ باقتراب الرابع من يوليو (عيد الاستقلال الأميركي)، عندما يحقق مهندس الأقمار الاصطناعية ديفيد ليفينسون (جيف غولدبلم) في أمر سفينة فضائية ضخمة، يقترب حجمها من ثلث حجم الأرض. من حسن حظ أهل الأرض أنهم هزموا غزاة قادمين من الفضاء منذ 20 عاماً (أحداث الجزء السابق)، واستفادوا من تقنية تلك المخلوقات في تطوير نظام دفاع فضائي منيع، وعندما يقود الغزاة هجوماً كاسحاً مجدداً للاستيلاء على الأرض، تتحد الولايات المتحدة الأميركية ممثلة في رئيسة البلاد إليزابيث لانفورد (سيلا وورد)، وفرق من العلماء والطيارين الشجعان جيك موريسون (ليام هيمسورث)، ودايلان هيلر (جيسي آشر)، وباتريشيا ويتمور (ميكا مونرو)، لتحرير الكوكب وإعلان يوم استقلال جديد، قبل أن يحرروا الجمهور من تفاهة القصة!
شخصية دايلان هيلر هو ابن الكابتن ستيفن هيلر (ويل سميث) في الجزء الأول، أما باتريشيا فهي ابنة الرئيس الأميركي السابق في الفيلم توماس ويتمور (بيل بولمان)، الذي يظهر في الجزأين مع العالم ليفينسون، وبعض الممثلين الآخرين. نتساءل: هل كان إميريتش بحاجة إلى صنع فيلم جديد؟ ليس جديداً وإنما كرر فيلمه السابق لأجل النوستالجيا فقط، لا نتحدث عن فيلم من أفلام المتحولين Transformers، التي تكرر نفسها لكن تستغل شغف الأطفال بشخصياتها التي تباع على شكل ألعاب، فهي منجم ذهب مضمون، لكن قرار إميريش بالمضي قدماً في هذا المشروع لم يكن حكيماً. إميريتش - لمن لا يعرفه - متخصص في سينما الخيال العلمي، ومنها انتقل إلى أفلام الكوارث والدمار؛ ابتداء من يوم الاستقلال الجزء الأول، والذي كان السبب في نجاحه قوة المؤثرات الخاصة التي ظهرت في التسعينات، ودشنت عهداً جديداً من أفلام الكوارث في ذلك الوقت استمر حتى اليوم. لكنْ هناك مشكلتان تتعلقان بهذه النقطة تحديداً: الأولى أنه بعد 20 عاماً من ذلك الفيلم، أصيبت الجماهير بالضجر من مشاهدة مؤثرات فقدت قيمتها ووزنها سينمائياً ولم تعد مبهرة، بل هي أقرب إلى كليشيهات، فكم مرة شاهدنا مدناً تدمر ومعالم مدن عالمية تتفتت، وجسوراً تنطوي كالأوراق وتغرق في البحار! والنقطة الثانية تتعلق بالأولى وهي أن جدلاً يجري حالياً في هوليوود بأن هذا الصنف تحديداً يعاني أزمة إفلاس فكري، ولم يعد محبوباً في صالات السينما، بسبب ضحالة النص واعتماده بشكل رئيس على المؤثرات، كأن المخرج وضع المؤثرات أولاً ثم كتب القصة. الفيلم يعاني الكثير من المشكلات الأخرى وعلى جميع المستويات، فالنكت في مجملها سخيفة، ولم تضحك أحداً من الجمهور (على الأقل خلال العرض الذي حضره كاتب هذه السطور)، والحوارات مبتذلة لدرجة أن المشاهد قد لا يتقبلها إلا إذا أقنع نفسه بأن هذا فيلم أطفال، وهو ليس كذلك. وقد يكون الحوار المبتذل نتيجة تجربة إميريتش في الجزء السابق عندما نجح آنذاك وعلينا تذكر نقطة مهمة هنا وهي أن تقبل الجمهور لذلك الحوار المبتذل وقصة الفيلم إجمالاً (أميركا تنقذ العالم) يتماشى مع السياق السياسي لتلك الحقبة عندما كان كلينتون يرأس أميركا قوية تتدخل في الأزمات العالمية حتى لو لم تتضرر مصالحها بشكل مباشر. أما اليوم فأميركا أوباما منكفئة ومترددة إلى درجة أن حلفاءها وخصومها لم يعودوا مهتمين برأيها. وهذا ما يضع هذا الفيلم خارج السياق السياسي لهذه الحقبة، وينزع منه صدقيته؛ وبالتالي واقعيته، ويجعل أحداثه مقبولة فقط، لو كانت تجري في عالم خيالي موازٍ، لكن ليس عالمنا هذا.