ركز على الفنيات فضاعت القصة

«ذا شالوز» يغرق في المياه الضحلة

صورة

يحدث أحياناً أننا نشاهد فيلماً ما ونتقبل مبالغاته بسبب الإطار العام للقصة، فلا تهم التفاصيل لو تنافت مع المنطق مادامت القصة بشكل عام تسير بشكل جيد، وهذه حالة نفسية خاصة يدخلها المشاهد تسمى إيقاف عملية اللاتصديق.

لكن هناك أفلام تفسد هذه العملية برمتها، وذلك عندما يسير الفيلم بشكل جيد قبل أن يتعثر ثم تأتي نهاية لا علاقة لها به، أو ربما تصلح أن تكون لفيلم آخر فتبدو مقحمة جداً، وهذه كارثة هذا الفيلم.

فيلم The Shallows أو المياه الضحلة يبدأ بفتاة اسمها نانسي آدمز (بليك لايفلي)، طالبة طب من تكساس (لم نرصد لهجة تكساسية خلال الفيلم) تترك دراستها، وتسافر إلى الشواطئ المكسيكية لركوب الأمواج. ثم يخبرنا الفيلم أن هذه الشواطئ نفسها كانت المكان المفضل لوالدة نانسي الراحلة عندما اكتشفت حملها بابنتها.

نانسي تصل إلى الشاطئ بواسطة أحد السكان المحليين، الذي يصف الشاطئ بالجنة، وتبدأ نانسي في ركوب الأمواج مع أشخاص تلتقيهم هناك. في أوقات استراحتها تستخدم نانسي هاتفها الذكي للتخاطب عن طريق الفيديو مع شقيقتها، ولتخبرها بأنها تركب الأمواج عند الشاطئ نفسه المفضل لوالدتهما، ثم تتحدث مع والدها بالطريقة نفسها.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.


الطائر الجريح

نتساءل ما الذي يجعل الطائر الجريح «ستيفن سيغال» باقياً بجانب بطلة الفيلم طوال الوقت، رغم أنها عالجته؟! وهو السؤال نفسه الذي يقول ما الذي يجعل القرش مصراً على التهام بطلة الفيلم، وكأنه يعلم أن هناك فرصة ستحين له عاجلاً أم آجلاً؟! الجواب: يحدث ذلك عندما يتصرف الاثنان استجابة لرغبة المخرج وليس وفقاً لغريزتهما!

ثم نعلم أن هناك بعض المشكلات العاطفية في الأسرة من حديثها مع والدها، وبعد إقفال الخط تقرر نانسي العودة لنشاطها في البحر قبل المغادرة إلى الفندق، وبينما هي تنتظر قدوم الموجة لتركبها تلاحظ وجود حوت ميت طاف ثم تتعرض لهجوم من قرش يعض قدمها، ويسحبها إلى البحر لكنها تقاوم وتهرب إلى حاجز مرجاني وتبقى عليه بانتظار النجدة.

هناك على الحاجز نرى جرح نانسي الغائر من عضة القرش، ونلاحظ أنها تعالج نفسها معتمدة على خبرتها الدراسية بالتأكيد. إلى هنا تكون دراما النجاة هذه قد وصلت إلى نصف ساعتها الأولى.

الآن نحن نعلم نوعية العمل واتجاهه وكل ما قد يخطر في بال المشاهد من لقطات رآها في أفلام مشابهة سيكون صحيحاً، وهذه نقطة ليست في صالح الفيلم المعتمد على شخصية واحدة فقط، ويكون دائماً سبباً لإبراز المواهب التمثيلية.

بليك لايفلي أبلت بلاء حسناً في تجسيد شخصية نانسي، لا شك في ذلك، لكن انعدام الأصالة في السيناريو واستعارته من أفلام أخرى وأخطائه في الربع الأخير جعلت العمل يبدو شبه مفلس، مقارنة بغيره من أعمال الصنف.

هناك لمحات لأفلام عدة، نذكر منها «127 ساعة» لجيمس فرانكو، و«ضياع كل شيء» لروبرت ريدفورد، و«مياه مفتوحة»، والمنبوذ Castaway وبالتأكيد كلاسيكية ستيفن سبيلبيرغ Jaws أو «الفك المفترس».

هناك مشهد لنانسي تطلب النجدة من شخصين على الشاطئ، المشهد أصبح غريباً في حد ذاته خصوصاً في هذا النوع من الأفلام، لأن طلب النجدة هو خطوة منطقية لأي شخص في مكانها لو كنا في العالم الواقعي، لكن في السينما كمشاهدين نعلم ونحن مغمضو الأعين أن المشهد غير ضروري، فلو التفتا إليها وقررا إنقاذها فلن يكون أمامنا فيلم نشاهده!

هناك أيضاً ذلك المشهد الحتمي وهو عندما تشعر الشخصية بالوحدة تبدأ بالتحدث مع أي شيء بجانبها، توم هانكس كان يتحدث مع كرة في المنبوذ، ولايفلي هنا قررت التحدث مع طائر جريح يشاركها الحاجز المرجاني، وأظرف ما في ذلك الحوار بينهما أنها تلاعبت باسمه لفظياً، وأطلقت عليه اسم ستيفن سيغال! (نعم المقصود هو سيغال بطل أفلام الفنون القتالية الشهير)، وهي النكتة الوحيدة في هذا الفيلم غير الكوميدي، والأكثر ابتكاراً من كل النكات التي نشاهدها في الأفلام الكوميدية.

المخرج الإسباني خومي كوليت سيرا (أخرج Non-stop وهروب طوال الليل) صور الفيلم في أستراليا، ووضع الكثير من اللمسات الفنية الجميلة مستخدماً ثلاثة أنواع من اللقطات، علوية وأخرى من تحت الماء والنوع الثالث لا يظهر فيه أكثر من وجه الممثلة فقط. سيرا أيضاً يتفنن في عرض محتويات شاشة هاتف نانسي الذكي على الشاشة، وكذلك وضع إطارات لها وللأشخاص الذين تحدثت معهم وهو ما لم نره في أفلام متخصصة في التقنية مثل Nerve، لكن سيرا مصر على أن يكون قرشه ذكياً أكثر من عفوي، فهو يحرس نانسي عند الحاجز المرجاني وكلما ابتعد قليلاً وأرادت العودة إلى الشاطئ، فإنه يتجه إليها بدقة كأنه مزود بخاصية نظام تحديد المواقع «جي بي إس»!

النصف الثاني من هذا الفيلم القصير أو فلنقل الـ20 دقيقة الأخيرة يغرق تماماً في المياه، إذ يصبح معتمداً على المصادفات أكثر ويبدأ في التخلي عن المنطق، فما الذي يجعل نانسي تتناول شيئاً من البحر يشبه العنكبوت وتضعه في فمها بعد مرور ساعات عدة فقط من الأزمة! إذ لم يصل الأمر إلى حد الموت جوعاً لتبرر هذا التصرف!

ولا نفهم كيف يتأذى قرش من قناديل البحر، لكنه يأكل كل شيء من الخشب إلى الحديد، والبشر باستثناء بطلة الفيلم!

القرش مخيف أكثر عندما لا نراه وعندما يظهر أمامنا، فإن سيرا اختار له أفضل اللقطات توقيتا للظهور. لكن في الدقائق الأخيرة يبدو أن سيرا أدرك أنه استنفد جميع المصادفات وأصبح الأمر خارجاً تماماً عن سيطرته وعن المنطق، فأصر على المواجهة بين بطلته وعدوها القرش على طريقة أفلام «داي هارد» أو أفلام «تحت الحصار»، لبطلها ستيفن سيغال الموجود في هذا الفيلم على شكل طائر جريح!

لن نكشف النهاية، ولكنها هي الجزء المثير للسخرية، وهي التي تجعلنا شبه متأكدين أنه لولا وجود سيرا خلف الكاميرا وبطلته بليك لايفلي أمامها لفقد هذا الفيلم ميزة الإصدار السينمائي، ولوجدناه في أسواق الفيديو مباشرة مع أفلام سيغال الجريح.

تويتر