«هيل أور هاي ووتر».. ومعضلة التسديد للبنك من أمواله المسروقة

نذهب إلى السينما لمشاهدة فيلم، نخرج منه إما معجبين به، ولكن به بعض المشكلات، وغالباً سيكون منسياً في نهاية المطاف، أو نخرج منه بوجه قاتم وكئيب ولا نريد تذكّره، لأن أفضل تعبير لوصفه هو: مضيعة وقت.

تحفة قد تسرق «الأوسكار»

«هيل أور هاي ووتر» تحفة سينمائية بجميع المقاييس، قد تسرق الأوسكار مهما كانت الصعاب، هذا الفيلم رائع، ويستحق المشاهدة أكثر من مرة.

كل اللقطات تستحق النقاش

لا توجد نقطة في هذا الفيلم لا تستحق الذكر، بل لا توجد لقطة لا تستحق النقاش، الحوارات العنصرية بين ماركوس وألبرتو، تعكس زمالة وصداقة عميقتين جداً، واحتراماً متبادلاً بين الرجلين، سيظهر بشكل أوضح آخر الفيلم. توبي يعطي نادلة (كيتي ميكسون) 200 دولار إكرامية! مشهد بسيط له دلالة عميقة.

أو نخرج منه بشعور مختلف، هو أنه فيلم لا يمكن أن يمر مرور الكرام! ما كان هذا الفيلم الذي شاهدناه؟ نسأل بعضنا: هل تتذكر تلك اللقطة؟ أيّ الممثلين كان الأفضل أداءً؟ ياله من مشهد ذكي؟ بل يالها من طريقة ذكية أو مثلى لطرح موضوع مهم وحساس كهذا؟

قارئنا الكريم، لو وجدت نفسك تسأل كل تلك الأسئلة؛ فاعلم أنك كنت في تجربة سينمائية فريدة من نوعها، تجربة غير منسية بنهاية الفيلم، تجربة تعلم في قرارة نفسك أنها صنعت بجودة عالية واحترافية لا يُعلى عليها، هذه التجربة بعنوان Hell Or High Water، أو «مهما كانت الصعاب».

لا نعلم من أين نبدأ؛ لأن كل ما شاهدناه كان جميلاً، هذا فيلم اجتمعت فيه كل العناصر، لكن دعونا نبدأ بالقصة: البداية لقطة طويلة دون قطعات تنتهي بدخول الشقيقين توبي وتانر هوارد (كريس باين وبين فوستر) إلى بنك، شاهرين مسدسين في وجه موظفة، وهما يضعان قناعين، ويطلبان منها تسليم الأموال.

يسرق الشقيقان الأموال ولكن هناك شروطاً، يجب أن تكون أموالاً أقل من فئة 100 دولار حيث إن الـ100 يمكن تعقبها بواسطة الشرطة، وذلك يعني أن هناك تخطيطاً سليماً واحترافياً وراء العملية. تتكرر عمليات سرقة البنوك ونرى الشقيقين يقولان لأحد عملاء بنك: إنهما يسرقان أموال البنك، وليس أمواله.

شخصيتان متناقضتان

على الطرف الآخر؛ هناك رجل القانون العجوز ماركوس هاميلتون (جيف بريجز) على بعد خطوات من التقاعد، تأتيه بلاغات بسرقة بنوك، فيقرر أخذ المسألة في يده ومطاردة الشقيقين، ومعه مساعده ألبرتو باركر (جيل برمنغهام).

من خلال الحوارات نعلم مزيداً من التفاصيل، فالشقيقان هوارد شخصيتان متناقضتان: توبي مطلق وله ولدان، وهو ذكي وحكيم ويتمتع ببعد نظر، أما تانر فمجرم باحتراف ولا تريد العبث معه حتى وهو نائم. نعلم أن تانر خرج من السجن عام 2012 لأنه قتل والده في حادث، ونعلم أن العائلة كانت غارقة في الدين، ونتيجة لذلك فإن البنك رهن المزرعة، وفي حال الفشل في تسديد الدين، فإنه سيبيعها أو له حق التصرف بها، وهذا سبب قيامهما بكل سرقات البنوك تلك في أيام عدة فقط.

نعلم كذلك أن المزرعة واقعة على حقل نفط، وأن توبي يريد بعد فك رهن المزرعة بيع حقوق استغلال النفط ليضمن مستقبل ولديه، ويبعدهما عن حياة الفقر التي عانى منها. كل هذه التفاصيل تأتي تباعاً من خلال الحوارات لترسم لنا القصة كاملة، باكتمال ساعة الفيلم الأولى.

الشرير الوحيد

الفيلم من إخراج ديفيد ماكينزي، وتصنيفه ويسترن حديث ومصنوع بطريقة ذكية، كأن كاتبه تايلر شيريدان (كتب رائعة سيكاريو العام الماضي) كتبه باهتمام وعلى مهل وتروٍّ انعكس في كل جوانبه. الفيلم يكشف آثار الأزمة المالية العالمية الماضية (لا يبدو أن كلمة ماضية تنطبق على أميركا كما نرى في الفيلم) على شريحة من المجتمع الأميركي، تخيلوا معنا هذا المشهد: توبي وتانر جالسان مع محاميهما الذي يقول لهما ما معناه: إن تسديد ديون البنك بأمواله هو الخيار الأمثل، أي يوحي لهما بسرقته.

مشهد آخر: ماركوس وألبرتو جالسان في مقهى مقابل البنك، ينتظران ضربة الشقيقين التالية، فيقول ألبرتو وهو من السكان الأصليين - أي من الهنود الحمر - لماركوس: منذ 150 عاماً كانت هذه أرض أجدادي، فأتى أجدادك وسرقوها منا، ثم أتى هؤلاء (وأشار بيده إلى البنك أمامه) وسرقوها منكم.

اللقطتان من أروع وأقوى مشاهد الفيلم، وتعكسان حقيقة واحدة يريد أن يقولها الفيلم ولو بطريقة شبه تهكمية: الشرير الوحيد في الفيلم هو البنك. في السياق نفسه يبدو ريف تكساس كأنه مدينة أشباح (الفيلم صور في نيو مكسيكو)، لا توجد تقنية حديثة، الناس تستخدم الفاكس بدلاً من البريد الإلكتروني. هناك مشروعات منهارة، رجل يركب على ماشيته، ويسخر من أسلوب تأديته لعمله في القرن الـ21. لقطة لكتابة على الحائط لجندي يئس من تأديته ثلاث جولات في العراق، دون الحصول على أي مساعدة من الدولة لتسديد ديونه.

كلها مشاهد معبرة ومؤثرة، هي مؤثرة من شدة واقعيتها لأنها اقتربت من الناس، ولأنها ظهرت على شكل مشاهدات من الواقع وليست محاضرات كما نرى في الدراما الخليجية، كل تلك اللقطات توحي بالآثار المدمرة للأزمة المالية على هذه الشريحة.

أداء بارع

لو انتقلنا إلى الأداء فبإمكاننا قول التالي: أولاً، جيف بريجز ظهر كأنه ولد ليؤدي هذا الدور، ومن شدة براعته فإن كاتب هذه السطور يعجز عن أن يحدد لو كان بريجز يؤدي دوراً رئيساً أم مساعداً، وقد يترشح للأوسكار في أي الفئتين.

ثانياً: بين فوستر هو أفضل ممثل شخصيات غير تقليدية حالياً على كوكب الأرض. ثالثًا: كريس باين فاجأ كاتب هذه السطور بهذا الدور خارج عالم ستار تريك، وهو أفضل دور له على الإطلاق.

رابعاً: كل الشخصيات الهامشية التي ظهرت في هذا الفيلم في لقطة واحدة أو لقطتين، كلها مكتوبة بطريقة مختلفة فيها نوع من العمق، ولم تظهر شخصية واحدة كاريكاتورية. وعلى رأس تلك الشخصيات نادلة مطعم تي بون صاحبة السؤال الغريب: «ما الذي لا تريد أن تأكله؟»، والتي أدتها مارغريت بومان.

الأكثر مشاركة