«هاندز أوف ستون».. دراما ملاكمة من الوزن المتوسط تفتقد الضربة القاضية

روبيرتو دوران هو أعظم وأشهر ملاكم من فئة الوزن الخفيف في التاريخ، لكن على عكس أساطيرالملاكمة، مثل محمد علي وشوغار راي ليونارد ومايك تايسون، فإن دوران الهجين (من أب أميركي وأم بنمية) لم يتفرد بأسلوب معين أو طريقة يتميز بها. دوران كان مثلاً أعلى لسرعة الغضب والعناد، وإصراره على القضاء على الخصم بمزاج حاد، ممزوج بغضب نابع أحياناً من موقف شخصي، أو حتى سياسي.

■■«هاندز أوف ستون» ينجز مهمته بأداء قوي من راميريز، وروبرت دينيرو، لكن لا يضيف جديداً.

■■من الجميل رؤية دينيرو في دور جاد، بعيداً عن الأدوار الكوميدية غير المضحكة، التي تورط فيها.

■■ ينطلق الفيلم، وهو من كتابة وإخراج الفنزويلي جوناثان جيكوبويتز، بطريقة تقليدية جداً، أي سيناريو الصعود والأفول.

فيلم Hands of Stone أو «اليدان الصلبتان»، هو السيرة الذاتية للملاكم روبيرتو دوران (إدغار راميريز)، الذي يستعير عنوانه من اللقب الذي اشتهر به الملاكم.

ينطلق الفيلم، وهو من كتابة وإخراج الفنزويلي جوناثان جيكوبويتز، بطريقة تقليدية جداً، أي سيناريو الصعود والأفول. هذه النقطة تستحق النقاش كون أن هناك أفلام ملاكمة سابقة، رفعت سقف المنافسة كثيراً مقارنة بهذا العمل. فعلى سبيل المثال كلاسيكية مارتن سكورسيزي (Raging Bull)، أو «الثور الهائج» عام 1980، تعتبر أحد أفضل أفلام القرن الماضي، وقد وصف بأنه فيلم شيكسبيري بالنسبة لأفلام الملاكمة «الثور الهائج» يحوي أفضل مشاهد قتال حتى اليوم، وكل أفلام هذه النوعية، التي ظهرت في السنوات الأخيرة أخذت منه مثل فيلم «ذا فايتر- 2010»، الذي صورت مشاهده بكاميرا محمولة، نقلت المشاهدين إلى داخل الحلبة، وفيلم «كريد - 2015» الذي تميز بلقطات طويلة.

«هاندز أوف ستون» ينجز مهمته بأداء قوي من راميريز، وروبرت دينيرو، لكن لا يضيف جديداً، فمن الصعب تناسي الشعور الذي يراودنا أثناء مشاهدته، شعور بأننا نشاهد فيلماً روتينياً جداً، يلتزم بالمعادلة حتى آخره، لدرجة أن المشاهد بعد انتهائه سيتساءل عن جدوى صناعته أو ما الجديد!

دعونا نستعرض تلك المعادلة:

1- هناك طفل يعاني الفقر في بلاده، ويقرر خوض مباريات ملاكمة «شوارعية»، يكسب منها قوت يومه ويطعم عائلته.

2: يكبر الطفل، ويصبح شاباً في مقتبل العمر، ويقرر اتخاذ الملاكمة مهنة له، ويصبح بطلاً قومياً في بلده.

3: النقطة التي لا مهرب منها، يرى الشاب فتاة ويلاحقها ويحصرها في زاوية في منتصف الشارع في وضح النهار، ويقول لها: تزوجيني! قالها بعد 30 ثانية من مشاهدته لها في هذا الفيلم!

4: الفتاة هنا (آنا دي آرماس)، ترفض في البداية، وتقول له إنهما غير مناسبين قبل أن توافق فوراً، لا نعلم إن كانت القصة الحقيقية هكذا، أم أنه قرار مخرج شاهد الكثير من أفلام الملاكمة قبل صنع هذا الفيلم!

5: يتعرف إلى رجل له باع طويل في التدريب، ويرفض الرجل تدريبه قبل أن يوافق.

6: ينجبان أطفالاً، ويشق هو طريقه، ليصبح بطلاً عالمياً شهيراً.

7: يستفز البطل خصمه في مؤتمر صحافي، ويتلفظ بكلمات نابية لزوجة الخصم.

8: يخسر وتبدأ مرحلة السقوط، وتتركه زوجته التي ترتدي ملابس زاهية جداً داخل المنزل.

9: البطل يتخاصم مع مدربه، قبل أن يعود إلى رشده، ويعود للحلبة من جديد.

10: النهاية السعيدة دائماً.

من ناحية الفنيات، المعادلة أيضاً حاضرة، من خلال مشهدين لا غنى عنهما في كل أفلام الملاكمة: الأول هو مشهد البطل يلاكم كيس الرمل، أو يلاكم تلك الكرة المعلقة بما يشبه الزنبرك، وتهتز بشدة عندما يلاكمها. والثاني: مشهد المونتاج السريع، الذي يظهر تحضيرات البطل بين مختلف التمارين الرياضية المتعلقة بهذه الرياضة العنيفة، مثل الجري والقفز على الحبل.

لا تقتصر محدودية الفيلم على تلك المعادلة المهترئة، بل تمتد لتطال البطل، وتعزله عن المشاهد فلا نشعر بأي نوع من الارتباط معه، لأنه عنيد لا يستمع إلا لصوته، مزهو بنفسه ومغرور ومتعجرف وعدواني، وقصير النظر، فضلاً عن أننا لا نعلم لِمَ هو يقاتل، هل من أجل اسمه أم لأسباب سياسية؟ حيث تعكس ردود أفعاله في اللعبة، خصوصا ضد خصمه الأميركي، كرهاً لسياسة واشنطن تجاه موطنه بنما. والمعروف أن دور الرياضة التقريب وليس التنفير بين المتنافسين.

وهنا تحضر نقطة مهمة، ينبغي شرحها هي أن صفات دوران هنا مشابهة إلى حد كبير لصفات الملاكم جيك لاموتا في فيلم «الثور الهائج»، لكن الارتباط بالشخصية يحصل في ذلك الفيلم وليس هذا. السبب يعود إلى الفرق في قوة الأداء بين الممثلين، وهما راميريز هنا وروبرت دينيرو هناك.

الطريف أن دينيرو يعود إلى حلبة الملاكمة هنا في دورالمدرب راي آرسيل، ومن الجميل جداً مشاهدة هذا الممثل القدير في دور جاد، بعيداً عن الأدوار الكوميدية غير المضحكة، التي تورط فيها في السنوات الأخيرة.

دينيرو قوي جداً في الدراما، وإعطاؤه مساحة أكثر من كافية مشكلة كبيرة تسببت في التشويش على البطل، وذلك خطأ المخرج الذي ربما كان غير مصدق لوجود دينيرو معه، فوسع له المساحة بإدخال جوانب من حياة آرسيل الزوجية، ليستفيد من خبرته، فتساوت مساحته مع مساحة البطل، ما أفقد الفيلم التوازن.

المشكلة نفسها بالضبط حدثت مع الملاكم المنافس شوغار راي ليونارد (المغني آشر ريموند)، عندما ضخم المخرج قصته، فتزاحم مع البطل، بل إن آشر ظهر نسخة تقريباً من الملاكم الحقيقي، فضلاً عن أدائه الجميل.

ومن الغريب جداً مرور الفيلم مرور الكرام على أهم حدث في حياة الملاكم دوران، وهو الحدث الشهير باسم «لا مزيد»، عندما غضب الأول من أسلوب شوغار، وهو يتراقص أمامه في الحلبة في مباراة الإعادة عام 1980، فقرر الانسحاب من المباراة قائلاً: لا مزيد، وهو ما سجله التاريخ كأغرب مباراة ملاكمة في العالم.

جيكوبويتز لا يكلف نفسه حتى استكشاف هذا الجانب، ويكتفي فقط بالقول إن دوران أنكر قول ذلك! أَوَ ليست أغرب مباراة ملاكمة في التاريخ تستحق تعمقاً أكثر والبحث خلف كواليسها؟!

ونتساءل: كيف ظهرت زوجة دوران رشيقة جداً، بعد إنجابها أربع مرات! والسؤال نفسه ينطبق على دوران، الذي يقول الفيلم إنه زاد 16 كيلوغراماً، قبل مباراة الإعادة أمام شوغار، لكن الممثل كان رشيقاً في كل اللقطات!

ونختم: المعادلة تسببت في اهتراء أفلام الملاكمة اهتراءً شديداً، وهي بحاجة إلى تجديد، وإلا فإننا سنضطر لأن نقول لهذه الأفلام: لا مزيد.

الأكثر مشاركة