«لايتس آوت».. صديقة الماضي تتحول إلى شبح عند انطفاء الأنوار

فيلم Lights Out أو «انطفاء الأنوار»، المقتبس من فيلم قصير بالاسم نفسه، وللمخرج السويدي نفسه، ديفيد ساندبيرغ، يعتبر مثالاً جيداً على توظيف فكرة قديمة بأسلوب جديد.

الفيلم يستند إلى حقيقة نفسية، وهي خوف الإنسان من الظلام، وهي حقيقة موجودة في كل المجتمعات في العالم، حيث لايزال هناك أشخاص يخافون من فكرة إطفاء النور في غرفهم أثناء النوم. هي خدعة نفسية أكثر من حقيقة، وهو استغلال أكثر من كونه استناداً، لن يستطيع أي شخص تذكر أي فيلم استغل الفكرة أولاً، لكن «لايتس آوت» استغلها واستثمرها بطريقة صحيحة.

غموض عالم الجن والشياطين أو الأشباح، حسب المفهوم الغربي، هو ما يثير فضول البشر، وبعض الأشياء من الأفضل أن تترك غامضة، خصوصاً هذه المتعلقة بعالم ما وراء الطبيعة، إلا أن هوليوود لديها رأي آخر، فقررت إعطاء الجن (الشياطين)‏ الأشباح سير ذاتية وهويات وقصصاً في أفلامها!

«ديانا»

بداية جيدة

سينما الرعب توجت هذا العام بفيلم The Conjuring 2، الذي تفوق على الجزء الأصلي، وكان ملحمة في سينما هذا الصنف، أما «لايتس آوت» فهو فيلم متواضع، يعكس جهوداً كبيرة لعرض فكرة بسيطة بطريق ذكية واحترافية.

«لايتس آوت» هو تمرين وبداية جيدة جداً بالنسبة لساندبيرغ كأول فيلم طويل، ومن المأمول أن نرى فيلماً أفضل من هذا المخرج مستقبلاً.

100

مليون دولار إيرادات الفيلم الذي حقق نجاحاً ضخماً غير متوقع.

القصة عن روح شريرة أو جنية بمفهومنا، أو شبح بمفهوم المجتمعات الغربية، تعاني نفوراً شديداً من الضوء. هذه الجنية اسمها «ديانا»، دائماً متعطشة للدماء، ومن علامات وجودها في مكان ما انطفاء نوره فجأة، دون سبب، أو يبدأ في الخفوت بسرعة قبل الانطفاء، وحالما يغرق المكان في الظلام تهجم «ديانا» كوحش كاسر، وتنقض على ضحيتها بمخالب تشبه تلك التي في شبح The Conjuring، ولا غرابة مادام جيمس وان، مخرج ذلك الفيلم، هو أحد منتجيه.

بعد مشهد المقدمة الجميل الذي تقضي فيه «ديانا» على ضحيتها الأولى، ينتقل ساندبيرغ إلى بطلة الفيلم ريبيكا (تيريزا بالمر)، التي هجرت منزلها بعد أن بدأت والدتها صوفي (ماريا بيلو) في التصرف بغرابة شديدة بعد وفاة والدها (والد الأم)، ووصل الأمر إلى حد أن صوفي أصبحت تحدث نفسها، أو تتخيل وجود صديق وهمي.

ريبيكا لديها أخ أصغر غير شقيق يدعى مارتن (غابرايل بيتسمان)، الذي بدأت تظهر عليه أعراض غريبة بعد وفاة والده. مشكلة صوفي تتمحور حول إصرارها على أن صديقة الماضي المتوفاة «ديانا»، التي كانت تعاني مرضاً جلدياً يجعلها تتأثر بالضوء، ما أجبرها على عيش كل حياتها في قبو، حيث الظلام الدامس، لاتزال موجودة في حياتها.

«ديانا» الشبح تهرب في حال تعرضها لأي ضوء، سواء معلقاً في السقف أو محمولاً في اليد أو حتى لو كان ضوء السيارة أو «نيون»، بالضبط مثل مصاصي الدماء، وهنا تجلت عبقرية ساندبيرغ في استغلال هذه النقطة لصنع مشاهد الفيلم حولها.

بين الظلام والضوء

نقطة قوة الفيلم تتركز في بساطة فكرته، وهي النقطة نفسها التي لعب عليها المخرج فيد ألفاريز في فيلم «دونت بريث»، الذي ناقشناه الأسبوع الماضي. ألفاريز استغل عمى صاحب المنزل الذي اقتحمته العصابة لجعل كل المواقف معتمدة على عامل الصوت، أو حاسة السمع بالنسبة للرجل. وهنا ساندبيرغ يستغل عامل الظلام ونقيضه الضوء في رسم مواقف الشخصيات وتعاملهم مع شبح «ديانا»، حيث إن على كل شخصية البقاء في بقعة ضوء لحماية نفسها من ظلمات «ديانا»، أو حتى لا تبقى تحت رحمة ذلك الشبح من جهة، أو لتبقى تحت رحمة مصادر الضوء المتعددة، ومن هنا تأتي متعة الفيلم.

نتيجة لذلك أصبحت مشاهد الفيلم بأكمله عبارة عن أماكن مظلمة، تتوزع فيها بقع ضوء هنا وهناك، وهنا تجلت جمالية الصورة وعملية صناعة اللقطات بالاعتماد على الإضاءة وحركة الكاميرا والظلال، ما عزز فنيات الفيلم بشكل كبير.

الضوء ليس ضرورياً لإبقاء الشخصيات حية فقط، وإنما هو ضروري لنا كمشاهدين لرؤية «ديانا» ذات المخالب الحادة على شكل خيال تجسدها الممثلة أليسيا فيلا بيلي المغطاة بطبقة ثقيلة من الميك آب (هناك مشاهد مجازفة أو أكروباتية كالقفز أو التعلق في السقف أدتها ممثلة بديلة متخصصة).

«ديانا» مرعبة في كل أفعالها، من طريقة مشيها واستعراض مخالبها إلى طريقة ربوضها على الأرض، وأروع حركة هي نهوضها من الأرض، واستواؤها قائمة كالغول في مشهد يعيد إلى الأذهان غول فيلم ذا بابادوك.

فنيات الفيلم متميزة ولا غبار عليها، إنما عيوبه تتركز في قصته، خصوصاً الجزئية المتعلقة بالمصادفات غير المنطقية، أو تفوق الشبح على البشر من ناحية الذكاء في عالمهم، أي في عالم البشر.

نقطة واحدة شرحها الفيلم بإيجاز شديد دون التوسع فيها، وهي قصة الأم صوفي، التي تستحق أن تكون فيلماً لوحدها، نظراً لأداء بيلو المرعب في آخر الفيلم.

الفيلم جيد رغم بعض الكليشيهات (أشهرها عندما يغلق باب الغرفة خلف الشخصية بعد دخولها)، لكن ساندبيرغ يجتهد في تجنبها، وتحسب له تلك الاجتهادات. على سبيل المثال هذا فيلم عن بيت مسكون، لكن دون المشهد الأزلي الذي نرى فيه عميل شركة العقارات يشيد بالمنزل لعائلة تستأجره قبل أن تكتشف أنه مسكون.

مثال آخر: في هذا الفيلم لا نرى أي مشهد أو إشارة لدور الدين في طرد الأرواح الشريرة، ليس هناك أي ذكر لكتاب مقدس أو رمز ديني يرتعب منه الشبح، كما جرت العادة في أفلام الأشباح، بل إن الفيلم يلتزم بقوانينه وفكرته التزاماً تاماً، وهذا دليل على ثقة ساندبيرغ بنفسه وبفكرته ونقطة تحسب لمصلحته تماماً.

نهاية الفيلم كذلك تصب في مصلحة ساندبيرغ الذي أثبت جرأة بوضع نهاية حاسمة للقصة، لا تدل على إمكانية عمل جزء ثان (هناك خطط لصنع جزء ثانٍ، خصوصاً بعد النجاح الضخم غير المتوقع للفيلم، إذ تجاوزت إيراداته 100 مليون دولار).

الأكثر مشاركة