ليفيت يكشف سرّ الأداء في «سنودن»
سبق أن ذكرنا العناصر العشرة للمعادلة المهترئة بالنسبة لأفلام السير الذاتية من خلال قراءتنا لفيلم «هاندز أوف ستون» (الإمارات اليوم 7 سبتمبر). ومنذ ذلك اليوم شاهدنا فيلمي سيرة ذاتية، الأول «سولي»، والثاني «سنودن» الذي سنناقشه هنا.
- «التاريخ سيعترف بأوليفر ستون كأحد أهم المؤرخين السينمائيين الذين صنعوا أعمالاً عن شخصيات وأحداث شكلت مراحل مفصلية من التاريخ الأميركي». - «الجزء الأوسط في الفيلم هو الصادم، إذ يكشف حقائق مقلقة للذين لم يشاهدوا الفيلم التسجيلي أو لم يقرأوا قصة سنودن كما وردت في وسائل الإعلام منذ 3 سنوات». - «ظهور نيكولاس كيج في هذا الفيلم بدور صغير يشرح لسنودن ما يحدث في الـ(سي آي إيه) هو تذكير بأن هذا الممثل يستطيع أن يبدع أكثر عندما لا يلاحق أجور أدوار البطولة». |
«سولي» من إخراج المخضرم كلينت إيستوود عن قصة الطيار تشيسلي سولينبيرغر الذي قرر مخالفة تعليمات برج المراقبة بالعودة إلى مطار لاغورديا وهبط اضطرارياً في نهر هدسون في نيويورك في حادثة أطلقت عليها وسائل الإعلام اسم «المعجزة» في 15 يناير 2009.
«سنودن» من إخراج المخضرم أيضاً أوليفر ستون، وهو عن قصة محلل المعلومات السابق إدوارد سنودن، والمسؤول عن أكبر خرق استخباراتي في تاريخ أميركا الحديث.
إيستوود يميني متشدّد ينتمي للحزب الجمهوري، ويعتبر شخصية محافظة جداً ومناصراً للمؤسسة العسكرية الأميركية، ورأينا ذلك من خلال فيلمه «قناص أميركي». أما ستون فهو يساري متشدد، وهو ذلك المشاغب والمثير للجدل يميل أحياناً لنظريات المؤامرة كما شاهدنا في فيلمه «جي إف كي» عام 1991.
إيستوود تعامل مع شخصيتيه (القناص وسولي) كبطلين، الأول بطل لأنه شارك في حرب العراق وأسهم في حماية الأمن الوطني الأميركي، وهي وجهة نظر جمهورية محافظة. أما سولي فهو بطل لأن قراره الحكيم والصائب أنقذ حياة 155 راكباً كانوا معه على متن الطائرة.
ستون تعامل مع «سنودن» أيضاً كبطل، ولو أنه لا يقول ذلك بشكل مباشر، لكن سنودن هو بطل عند اليساريين، وخائن عند المحافظين، ومبادئه تلتقي كثيراً مع مبادئ ستون، ومن المستحيل تصور إيستوود يخرج فيلماً عنه.
المهم هنا هو أن الاثنين تناولا عملين سينمائيين من صنف السيرة الذاتية دون المرور بالمعادلة المهترئة. الاثنان اجتازا الاختبار، لكن إيستوود كان أفضل ربما لأن موضوعه أخف بكثير من مادة ستون الثقيلة والمثيرة للجدل.
التاريخ بالتأكيد سيعترف بستون كأحد أهم المؤرخين السينمائيين الذين صنعوا أعمالاً عن شخصيات وأحداث شكلت مراحل مفصلية من التاريخ الأميركي، من فيتنام إلى نيكسون وأحداث سبتمبر الإرهابية. لذلك الخطوة المنطقية بالنسبة له بعد توقف دام أربع سنوات، وعقد تقريباً منذ آخر فيلم سياسي له عن الرئيس بوش الابن، هو فيلم عن إدوارد سنودن الذي كشف أسرار الحكومة الأميركية في عالم ما بعد 11 سبتمبر. ستون مثل إيستوود، اختار التركيز على آخر تسع سنوات من حياة سنودن، منذ دخوله إلى الجيش إلى أن فجر الفضيحة وخلال هذه السنوات شاهدنا التغيير الكبير الذي طرأ على الشخصية. ستون اختار غوردون جوزيف ليفيت من الممثلين الشباب أسّس وأثبت نفسه جيداً في السينما من خلال أدوار متنوعة، وهذا ثاني دور سيرة ذاتية له من بعد تقمصه شخصية فيليب بيتيت في فيلم «ذا ووك» العام الماضي. ليفيت هنا تخفى تماماً في شخصية سنودن لدرجة تقليد صوته.
الفيلم يبدأ من نهاية القصة حين التقى سنودن سراً صانعة الأفلام التسجيلية لورا بويتراس (ماليسا لوو- جميل جداً مشاهدة لوو في دور امرأة صالحة بعد تجسيدها شخصية المرأة المعقدة المشكوك في أمرها في فيلم «سجناء»)، والصحافي غلين غرين وولد (زاكاري كوينتو) وإيوان مكاسكيل (توم ويلكنسون) في هونغ كونغ. وهي كلها شخصيات حقيقية لصحافيين قابلوا سنودن، وتم عرض اللقاء من خلال الفيلم «سيتيزن فور» الحائز جائزة أوسكار أفضل فيلم تسجيلي عام 2014.
أثناء تلك المقابلة ينطلق فيلم «سنودن» في ثلاثة اتجاهات متوازية ومتقاطعة حسب النص الذي كتبه كيران فيتزجيرالد وأوليفر ستون: الأول: قصة اكتشاف سنودن تورط حكومة الولايات المتحدة في التجسس على حكومات وشركات عالمية. الثاني: قصة العلاقة الرومانسية بين سنودن وصديقته ليندسي ميلز (شيلاين وودلي)، وكيف تأثرت العلاقة بوظيفته.
الثالث: قصة كشف سنودن للمعلومات، كما وردت في الفيلم التسجيلي المذكور آنفاً.
الجميل أن الاتجاهات أو القصص الثلاث جاءت بممثلين معروفين في أدوار صغيرة، وهو ما فعله ستون في فيلم «جي إف كي».
في البداية نرى الأيام الأولى لإدوارد سنودن عندما كان جندياً وطنياً في الجيش، والجميل أن ستون لا يضيع وقتاً ويدخل مباشرة إلى قصة سنودن مع وكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه»، وكيف تمكن بموهبته وذكائه من الصعود وتخطي زملائه.
في الحقيقة أن هذا الجزء وهو الأوسط في الفيلم هو الصادم، إذ يكشف حقائق مقلقة للذين لم يشاهدوا الفيلم التسجيلي أو لم يقرأوا قصة سنودن كما وردت في وسائل الإعلام منذ ثلاث سنوات. حسب الفيلم فإن العمليات السرية للحكومة الأميركية لها القدرة على اختراق أجهزة الكمبيوتر المحمولة وتشغيل الكاميرا دون علم المستخدم. وكلما يتعمق سنودن في اكتشاف المزيد مما تفعله الحكومة، يبدأ أداء ليفيت في التحول إلى استثنائي، خصوصاً حين يبدأ الصراع النفسي بين سنودن ومبادئه التي لا تتفق مع كل ما تفعله الحكومة من التجسس على الناس إلى عمليات الطائرات دون طيار في وزيرستان.
من أجمل ما يميز أداء ليفيت قدرته على إبراز رد فعل الشخصية على ما تراه من صدمات، فمثلاً نرى ستون يركز الكاميرا على عين ليفيت وهو ينظر إلى شاشة الكمبيوتر يقرأ معلومات كأنه يراها للمرة الأولى في حياته.
لكن ستون يتعثر بشدة في العلاقة الرومانسية بين سنودن وليندسي (الأمر الذي أدرك إيستوود كيف يتحاشاه في «سولي»)، العلاقة الرومانسية هنا حسب رؤية ستون وغيره ضرورية لإبراز العامل الإنساني والعاطفي على الشخصية من جهة، ولإضفاء التوازن المطلوب مع مشاهد القصة الرئيسة، حيث لا نرى شخصية تعمل طوال الفيلم كالروبوت.
المشكلة هنا أن ليفيت ووودلي غير منسجمين ويفتقدان التفاعل المطلوب كأن هذه المشاهد تعود لفيلم آخر، بل هي شكلت عامل إلهاء عن القصة الرئيسة، وبدت إلزامية أكثر من عفوية. هذا الجزء كان الأضعف تحديداً أيضاً بسبب افتقاده لحيوية الأجزاء الأخرى. الغريب في الأمر أن ستون وضع مشهداً لا يمت للفيلم بصلة، وهو لقطة لليندسي تعطي درساً في الأكروبات لمجموعة طالبات وسنودن لا يظهر فيه! نتساءل ما أهميته في القصة؟
هذا فيلم جيد ويمكن اعتباره عودة موفقة لأوليفر ستون، وختاماً لدينا ملاحظة: ظهور نيكولاس كيج في هذا الفيلم في دور صغير يشرح لسنودن ما يحدث في «سي آي إيه» هو تذكير بأن هذا الممثل يستطيع أن يبدع أكثر عندما لا يلاحق أجور أدوار البطولة.