حروب أميركا في القرن الـ 21.. التلفاز ينتصر على السينما في معركة الواقعية
نمرُّ في هذا الشهر بالذكرى الـ15 لهجمات سبتمبر الإرهابية، التي حصدت أرواح 2996 شخصاً في نيويورك، وقسمت العالم حسب رؤية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن إلى فريق معه أو ضده، ودشنت حقبة تاريخية وسياسية جديدة، سميت ما بعد 11 سبتمبر، ونتج عن تلك الهجمات غزو أفغانستان، في ما عرف بالحرب على الإرهاب، وتمت إطاحة نظام طالبان في نوفمبر 2001، المتهم بإيواء المطلوب رقم 1 في العالم آنذاك أسامة بن لادن، وعرفت تلك بأنها الحرب الأطول في تاريخ أميركا (أكتوبر 2001 – اليوم).
كان الغضب الأميركي لايزال في أوجه في صيف 2002، عندما بدأت إدارة بوش التحرش السياسي بنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، واتهمته بامتلاك أسلحة دمار شامل دون أدلة، وأعلنت نيتها إطاحة نظامه، وضمته إلى ما عرف بمحور الشر مع إيران وكوريا الشمالية. ولم يستسغ العالم تلك الاتهامات، وقامت تظاهرات في دول كثيرة، بما فيها الولايات المتحدة، قبل قرار غزو العراق وبعده، إلا أن إدارة بوش لم تأبه لأحد، واحتلت العراق (مارس 2003 - ديسمبر 2012).
الحرب على الإرهاب، وغزو العراق، كانا مصدر إلهام لهوليوود في أفلام عدة، برزت كلها في العقد الماضي من هذا القرن. الأفلام سواء كانت موجهة سياسياً مع أو ضد الحرب، تميزت بقصص مستمدة من عناوين الأخبار. المفاجأة أن تلك الأعمال لم تحظَ بنجاحات جماهيرية، رغم أن الجيش الأميركي كان يخوض حرب شوارع في أفغانستان والعراق. السبب كان تشبع الجمهور من أخبار ومآسي الحربين، التي وردت من خلال وسائل الإعلام خصوصاً التلفاز، حيث كان مراسلو وسائل الإعلام على ظهور الدبابات، وهنا انتصر التلفزيون في معركة الواقعية على السينما.
فيلم Collateral Damage من بطولة آرنولد شوارتزينيغر عام 2002 كان أول ما افتتح أفلام الحرب على الإرهاب. وكان من المفترض طرحه في أكتوبر 2001، إلا أن قرار تأجيله إلى فبراير 2002 كان بالإجماع بسبب وقوع ضربات سبتمبر. في العام نفسه طرح ريدلي سكوت فيلمه عن إسقاط مروحية أميركية في الصومال، وتعرض جنودها للهجوم والسحل في الشوارع عام 1993 بعنوان «بلاك هوك داون»، وكان من أجمل وأقوى الأفلام التي سجلت فظاعة حرب الشوارع.
المخرج سبايك لي طرح فيلم 25 ساعة، الذي ناقش موضوع الكراهية العرقية في عالم ما بعد 11 سبتمبر، من خلال شخصية تاجر مخدرات مونتي بروغان (إدوارد نورتون)، يواجه حكماً بالسجن سبعة أعوام. الفيلم اشتهر بأحد أشهر مشاهد المونولوغ في تاريخ السينما، حيث وقف نورتون أمام مرآة، وأخذ في إطلاق انتقادات لاذعة وشتائم عنصرية.
- رغم وجود بعض الاستثناءات، فإن التردد كان يسري في أوساط رواد السينما بالولايات المتحدة، ويثنيهم عن مشاهدة أفلام تدور حول فظائع تلك الحرب. - الحرب على الإرهاب، وغزو العراق، كانا مصدر إلهام لهوليوود في أفلام عدة، برزت كلها في العقد الماضي من هذا القرن. - «المنطقة الخضراء» أول فيلم لهوليوود ينظر إلى حرب أميركية بطريقة مختلفة، لم يمجد بطولات الجنود بل ليقول الحقيقة. |
أما الفيلم الأول عن ضربات 11 سبتمبر الإرهابية تحديداً، فكان في الذكرى الخامسة للهجمات عام 2006، بعنوان «يونايتد 93» للمخرج بول غرينغراس. وكان هناك فيلم آخر لأوليفر ستون بعنوان (وورلد تريد سنتر) في العام نفسه، عن شرطيين (نيكولاس كيج ومايكل بينا)، من سلطة الموانئ، يتم إخراجهما من تحت الأنقاض.
الفيلم التسجيلي المبتكر «Voices of Iraq» أو «أصوات العراق» عام 2004، صنع بتوزيع 150 كاميرا فيديو رقمية خفيفة ورخيصة الثمن على مجموعات من المواطنين العراقيين. كانت الحصيلة الأولية أكثر من 400 ساعة من اللقطات، تم مونتاجها واختصارها إلى أقل من 80 دقيقة، ورغم أنها لم تكن متحيزة إلا أنها قدمت وجهة نظر إيجابية عن الولايات المتحدة.
رغم أن التردد كان يسري في أوساط رواد السينما في الولايات المتحدة، ويثنيهم عن مشاهدة أفلام تدور حول فظائع تلك الحرب غير الشعبية، ووصل الأمر لدرجة أن كلمات مثل «العراق» أو «حرب» لو وردت في سياق الحملة الدعائية لأي فيلم تكون سبباً للنفور منه. وتراجع الكثير من الاستوديوهات عن صنع أعمال تتعلق بتلك الحرب معظم العقد الماضي.
أساليب موت
بالتوازي مع حروب القرن الـ21 للولايات المتحدة، كانت هناك سلسلتا أفلام طرحتا في العقد الماضي: الأولى سلسلة Final Destination أو «الوجهة النهائية» (2000-2011)، التي تخصصت في التفنن في ابتكار أساليب موت لمجموعة شخصياتها، كان أشهرها مشهد انفجار الطائرة الأيقوني بعد دقائق من إقلاعها، والذي بث الرعب في قلوب الجماهير، وكان تذكيراً بهجمات الطائرات يوم 11 سبتمبر 2001، رغم أن الفيلم كان قبل الهجمات بعام كامل. سلسلة أفلام الوجهة النهائية، استغلت عامل الرعب - الذي كان سائداً طوال العقد الماضي في كل دول العالم - من احتمالية وقوع هجمات إرهابية عشوائية، بتصويرها مشاهد موت شخصياتها بطرق غير متوقعة إطلاقاً، ما دفع الجماهير إلى دور السينما، التي وجدوا فيها قيمة ترفيهية عالية، حيث يكتفون بمشاهدة الموت على الشاشة دون أن يخرج إليهم. تعذيب
السلسلة الثانية كانت لأفلام (Saw) أو «المنشار» (2004-2010)، التي أطلقها جيمس وان، وهي صاحبة الإيرادات الأعلى في تاريخ سينما الرعب. هذه السلسلة اشتهرت بمشاهد تعذيب فظيعة، استلهمت من فضائح التعذيب التي وقعت أثناء حربي أفغانستان والعراق، وكان أشهرها فضيحة سجن أبوغريب عام 2004، وفضيحة التعذيب بالإيهام بالغرق التي أثارت جدلاً، عندما طبقت على سجناء تنظيم القاعدة الإرهابي، وكذلك ما حدث في سجن غوانتانامو. السلسلة المذكورة آنفا ألهمت، بدورها، أفلاماً أخرى عن الموضوع نفسه (التعذيب)، كان أشهرها هوستيل وThe Devil’s Rejects و«وولف كريك» عام 2005 وThe Collector عام 2009. |
لكن كانت هناك دائماً استثناءات: فيلم (Home of the Brave) أو «موطن الشجعان» لإروين وينكلر عام 2006، كان عن أربعة جنود أميركيين (ساميول إل جاكسون، جيسيكا بيل، برايان بريسلي، و50 سنت)، يتعرضون لكمين في مهمتهم الأخيرة في العراق، وبالتالي يتعرضون لأزمة جسدية ونفسية بعد عودتهم إلى الحياة المدنية في واشنطن. كان موطن الشجعان أول فيلم لهوليوود عن عودة جنود إلى موطنهم من تلك الحرب، ورغم ميزانية الفيلم المتواضعة بالنسبة لأفلام الحروب (12 مليون دولار)، فإنه أخفق بشدة ولم تبلغ عوائده مليون دولار في الولايات المتحدة أو حتى في الأسواق الخارجية، لكنه عوض خسائره من مبيعات الفيديو حيث حقق أربعة ملايين دولار.
كان هناك العديد من أفلام حرب العراق، أصيبت بمجرد وصولها لشباك التذاكر، خصوصاً في 2007، حيث كان هناك فيلم لبول هيغيس بعنوان (In the Valley of Elah)، عكس الحيرة والمعاناة الناتجة عن فظائع الحرب على محارب متقاعد من أيام فيتنام (تومي لي جونز)، يبحث عن ابنه المختفي بعد عودته من جولة في العراق. في هذا الفيلم كانت حرب العراق سياقاً وليس موضوعاً رئيساً.
في العام نفسه فيلم حزين لمايكل وينتربوتوم، بعنوان A Mighty Heart، عن قصة اختطاف الصحافي دانيال بيرل في باكستان عام 2002، وزوجته ماريان (أنجلينا جولي) التي تبحث عن الحقيقة. المخرج الجنوب إفريقي غافين هود صنع فيلماً عن الحرب على الإرهاب Rendition عام 2007، عن زوجة أميركية حامل (ريز ويذرسبون) يتهم زوجها مهندس الكيمياء المولود في مصر خطأ بالإرهاب، وتم اعتقاله وتعذيبه في سجن سري بشمال إفريقيا.
ولانزال في عام 2007 نفسه، حين جاء فيلم (Lion for Lambs) المرصع بالنجوم (توم كروز وميريل ستريب وروبرت ريدفورد ممثلاً ومخرجاً)، كان عملاً متقداً بالمشاعر عن الحروب الأميركية في الشرق الأوسط من ثلاث وجهات نظر مختلفة (جنديان في أفغانستان، سيناتور جمهوري (كروز)، مراسلة تلفزيونية معارضة (ستريب)، وبروفيسور تاريخ من الساحل الغربي (ريدفورد) يتحدى أحد طلابه الواعدين.
أيضاً في 2007، طرح المخرج الأميركي برايان دي بالما فيلمه التسجيلي المعارض للحرب (Redacted) أو «منقح» مع جملة فرعية شهيرة: الحقيقة هي أول مصاب في الحرب، وكان قصة خيالية مقتبسة من أحداث حقيقية في العراق (تضمنت حادثة قتل واغتصاب فتاة عراقية مراهقة من قبل جنديين أميركيين). كان الفيلم محاولة جريئة لإعادة خلق الأحداث، وتقديمها بصورة منقحة.
فيلم المخرج جيمس ستراوس (Grace is Gone) أو «رحيل غريس» عام 2007، عن أب من مينيسوتا (جون كيوزاك) يأخذ ابنتيه إلى فلوريدا، حيث يزورون مدينة ملاهي، قبل أن يخبرهم بأن والدتهم المرابطة في العراق قتلت هناك.
فيلم المخرجة كيمبرلي بيرس «ستوب - لوس» عام 2008 عن الأمراض النفسية التي يصاب بها الجنود بسبب الحروب، والتي زادت حدتها جراء سياسة الحكومة الأميركية بتمديد عقود خدمة الجنود في العراق، والتي أطلقت عليها تسمية ستوب – لوس.
وكان هناك الفيلم الحائز جائزة الأوسكار (The Hurt Locker) أو «خزانة الألم» للمخرجة كاثرين بيغولو عن الأيام العصيبة التي عاشتها فرقة إبطال متفجرات في العراق، وهو الفيلم الذي أطلق شهرة الممثل جيريمي رينر.
أما الفيلم الأخير عن الحرب في العراق، خلال العقد الماضي، فكان بعنوان (Green Zone) أو «المنطقة الخضراء» عام 2010، من بطولة مات ديمن، وإخراج بول غرينغراس، وهو أول فيلم لهوليوود ينظر إلى حرب أميركية بطريقة مختلفة. ليس ليمجد بطولات الجنود، بل ليقول الحقيقة، وهي أن أسلحة الدمار الشامل غير موجودة في العراق ولم تكن هناك أبداً، وأن الحرب بأكملها كانت فبركة المحافظين الجدد في إدارة بوش الابن.