يرسم صورة إنسان بطل دون مبالغة في تمجيده
وولبيرغ ينجو من بئر الجحيم في «ديب ووتر هورايزون»
للمرة الثانية، خلال شهر، لدينا فيلم يستمد قصته من عناوين الأخبار. الفيلم السابق كان «سولي» عن الهبوط المثير للجدل للطيار الأميركي، تشيسلي سولينبرغر، في نهر هدسون في نيويورك. واليوم أمامنا فيلم «ديب ووتر هورايزون» المستند إلى قصة حقيقية؛ وهي حادثة انفجار منصة النفط البحرية التابعة لشركة «بريتيش بتروليوم»، المعروفة اختصاراً BP، في 20 أبريل 2010 بخليج المكسيك، مخلفة 11 قتيلاً، والتي عرفت إعلامياً بأكبر وأسوأ كارثة نفطية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.
خلال ثلاثة أشهر من الانفجار، تدفق أكثر من 200 مليون غالون من النفط في مياه خليج المكسيك؛ ما تسبب في كارثة بيئية دمرت الثروة السمكية، وأثرت حتى في حركة السياحة.
شخصيات جافة
أفضل لقطة في بداية هذا الفيلم مشهد حواري بين مايك وابنته (ستيلا آلين) حول فروضها المدرسية، تشبّه فيه الابنة النفط بوحش كامن في أعماق البحر ويجب احتواؤه، الجميل أن بيرغ يأخذ الفيلم من هذه النقطة، ويبني أجواءه مثل أفلام الوحوش بتصوير لقطات مظلمة ومخيفة لأنابيب وقواعد المنصة تحت الماء، حيث يبدو كأن هناك بالفعل وحشاً كامناً ينتظر لحظة الانقضاض (لقطة وقوع الانفجار)، وبقدر ما هي مرعبة فهي كذلك أفضل لقطة في الفيلم. |
الفيلم يبدأ بمايك ويليامز (مارك وولبيرغ)، عامل يصل إلى منصة «ديب ووتر هورايزون» البحرية، ليبدأ مناوبة جديدة في عمله لمدة ثلاثة أسابيع. مايك بالكاد يجد الوقت لتبديل ملابسه عندما يأمر رئيسه جيمي هاريل (كورت راسل) بعمل اختبارات تتعلق بسلامة المنصة وسط اعتراضات من دونالد فيلدرين (جون مالكوفيتش) أحد المديرين التنفيذيين في «بريتيش بتروليوم».
تتسبب الاختبارات في حالة قلق بين ثلاثة موظفين يديرون العمليات في المنصة، أندريا فليتاس (جينا رودريغيز)، كاليب هولواي (دايلان أوبرايان)، وجيسن أندرسون (إيثان سوبلي) لأن قراءة المؤشرات على الكمبيوتر تشير إلى تكون حالة ضغط عالٍ، بينما لا يظهر أي اكتراث على مديري الشركة الذين يشكون تأخر العمل في مشروعهم 43 يوماً.
في تلك الأثناء، وبينما مايك يتحدث مع زوجته فيليشا (كيت هدسون) عبر «سكايب»، وجيمي يستحم، فجأة يندفع النفط عبر أنبوب، ثم يقع انفجار ضخم وتتحول البئر النفطية إلى جحيم، وتشتعل النيران في المنصة.
الساعة الأولى من الفيلم مليئة بشروحات تقنية عن الأجهزة والمعدات الموجودة في المنصة، ويتضمن ذلك جدلاً شديداً حول كيفية التعامل مع خطة الصيانة وإجراءات السلامة، خصوصاً في ظل وجود الكثير من الأجهزة المعطوبة؛ وهو ما يعطي الفيلم الكثير من الواقعية في التفاصيل، لكن يتسبب في إصابة عملية التأسيس لبناء الشخصيات بجفاف.
فمثلاً، لا نرى الشخصيات إلا في إطار وظائفها على المنصة، لا توجد شخصية واحدة تتميز بشيء نتذكرها بسببه في يوم الكارثة، وهذا يعطل عملية خلق الرابط العاطفي معها، ولا نملك لهم سوى الأمل بنجاتهم، لكن من دون التعلق بشخصية معينة، طبعاً باستثناء بطل القصة ويليامز ورئيسه هاريل.
سرعة وإثارة
المخرج بيتر بيرغ له باع طويل في أفلام الأكشن والمغامرات، إذ كان خلف فيلم The Rundown مع دواين جونسون الملقب بـ«ذا روك»، وكذلك فيلم هانكوك، وLone Survivor أو «الناجي الوحيد» عام 2013.
أفلام بيرغ تتميز بالسرعة والإثارة، وتؤسس الشخصية المحورية فقط لربطها بسياق القصة، لكن من دون التعمق فيها. بيرغ وفريقه التقني هنا بنيا عملاً جباراً من خلال إعادة صنع أحداث الكارثة، ورسم صورة الجحيم الذي عاشته الشخصيات من خلال الانفجار الضخم.
الحقيقة أن المشاهد قد يصدم من هول اللقطات التي ظهرت في الفيلم، وأن موت 11 شخصاً فقط في انفجار ضخم محصور في منطقة صغيرة مثل هذه المنصة النفطية هو أشبه بمعجزة، فرغم أننا نعلم عدد القتلى إلا أن المشهد لا يوحي بنجاة أحد.
على صعيد النص، فإن «ديب ووتر هورايزون»، وهو فيلم يمزج صنف الكارثة ودراما النجاة، يتفوق كثيراً على «سنودن» من ناحية القضية التي يناقشها، رغم أنه يطبق معادلة أفلام الكوارث المستهلكة (أحداث قبل الكارثة - وقوع الكارثة - عملية الإغاثة)، ولو أنه بدأ من مرحلة التحقيق كما فعل كلينت إيستوود في «سولي»، لربما شاهدنا فيلماً مثيراً للاهتمام أكثر من هذا.
مارك وولبيرغ يعطي الشخصية بعداً إنسانياً جميلاً جداً، وبيرغ يركز على شجاعة الرجل (ويليامز) واهتمامه بإغاثة زملائه، ما يرسم صورة إنسان بطل من دون المبالغة في تمجيده، وهو بالضبط ما فعله إيستوود في «سولي».
زوجات.. مهمّشات
كورت راسل يرتقي بأي فيلم يظهر فيه؛ وهو هنا في دور قائد العاملين المحبوب، وإضافته لطاقم الفيلم مثالية. أما كيت هدسون (في الحقيقة هي ابنة كورت راسل بالتبني وهذا أول ظهور لهما معاً في فيلم)، فهي غير مستغلة، وهنا مسألة تستحق النقاش وهي مسألة زوجة البطل في الأفلام التي تجمع بين السيرة الذاتية والأزمات والكوارث، حيث تظهر مهمشة لا عمل لها سوى التعبير عن القلق!
دعونا نستعرض أمثلة عدة على ذلك: أولاً، كيت هدسون في دور زوجة مايك ويليامز في هذا الفيلم كانت في معظم المشاهد تتواصل مع زوجها عبر «سكايب»، ثم عندما ينقطع الاتصال نراها قلقة تتصل بمركز الشرطة أو تجلس متوترة!
ثانياً، لورا ليني، في دور زوجة الطيار سولي، كانت تظهر في لقطات عبر الهاتف لا عمل لها سوى النوح والبكاء! (شخصية هدسون بها عمق أكثر من شخصية ليني).
ثالثاً، شيلاين وودلي في دور صديقة سنودن، لا عمل لها سوى الاعتراض والبكاء والمشاجرة معه حسب ما يحدث له!
رابعاً، آنا دي آرماس، في دور زوجة ديفيد باكوز في فيلم War Dogs أو «كلاب الحرب»، لا عمل لها سوى تفهم ما يفعله زوجها أو رفضها مؤقتاً ثم تفهمها مرة أخرى لقراراته!
خامساً، آنا دي آرماس مرة أخرى في فيلم «هاندز أوف ستون» في دور زوجة الملاكم دوران لا دور لها سوى تغطية عينيها عندما يخسر أو الهتاف له ومعانقته عندما يفوز ثم تركه عندما يتشاجران!
لا نعلم لماذا أدوار المرأة سطحية جداً في هذه الأفلام، لم لا تعطى المساحة المطلوبة أو ما يكفي لدفع القصة إلى الأمام! في كل الأفلام المذكورة آنفاً لو ألغينا أدوار الزوجات لما تأثر أي فيلم!
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news