البداية بلهاء.. والنهاية تفوقها بلاهة
«ماسترمايندز».. فيلم مشتت يسطو على وقت وأموال المشاهدين
مقولة: «الضحك بلا سبب قلة أدب»، أصبحت تنطبق على الأفلام الكوميدية الهزلية المنتجة في هوليوود. فمن أيام فيلم «غبي وأغبى» في التسعينات ونحن نشاهد النكات نفسها معادة. معظم هذه النكات حول فكرة خادشة للحياء أو تلاعب بالألفاظ، بحيث تكون الكلمة مزدوجة المعنى، أو حول موقف عن الفضلات الخارجة من جسم الإنسان.
«الفيلم يخفق في أن يكون مثيراً كفيلم جريمة، ويخفق في الجانب الهزلي أي كأنه يتبجح بإضاعة وقتنا». «كريستين ويغ ضائعة تماماً في الفيلم، فهي العقل المدبر للسرقة لكن الفيلم لا يعطيها ما يكفي من الوقت، ولا يمكن فهم دوافع شخصيتها أو طريقة تفكيرها». «رغم أن الفيلم مليء بنجوم الكوميديا إلا أن تجربة مشاهدته أشبه بجلسة تعذيب ». |
هناك قصة جيدة مدفونة في فيلم Masterminds أو «عقول مدبرة»، للأسف لا تجد لها أسلوب معالجة مناسباً وسط الفوضى. الفيلم مستند إلى قصة حقيقية حدثت عام 1997، عن عملية سطو على بنك «لوميس فارغو» بولاية كارولينا الشمالية، من الموظف المكلف بقيادة السيارة المصفحة المستخدمة في نقل الأموال، والذي سرق مبلغ 17 مليون دولار، ما اعتبرته وسائل الإعلام آنذاك ثاني أكبر عملية سطو على بنك في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.
لا نظن أن القصة الحقيقية حدثت بالطريقة البلهاء نفسها، التي شاهدناها في الفيلم، لكن لو لم يكن الأمر كذلك فإن هذه الحادثة تستحق إعادة تصوير الفيلم لأجلها، ليكون جاداً أكثر من السيرك الهزلي في «ماسترمايندز».
رغم أن الفيلم مليء بنجوم كوميديا، أمثال زاك غاليفياناكيس وكريستين ويغ، إلا أن تجربة مشاهدته أشبه بجلسة تعذيب، أو اختبار قدرة تحمل فيلم ثقيل الظل مدة 94 دقيقة.
ورغم طبيعة القصة التهريجية، فإن معظم النص (كتبه إميلي سبايفي، وكريس بومان، وهابل بالمر)، يلتزم بالحقائق كما وردت في الواقعة الأصلية للبطل سيئ الحظ ديفيد غانت (زاك غاليفياناكيس)، وخطته التعيسة للاستيلاء على أموال البنك. في الفيلم وهو من إخراج جاريد هيس (أخرج نابليون داينمايت)، ديفيد حسب رؤية المخرج أو ربما رؤية استوديو الإنتاج رجل وحيد وفاشل، تقنعه زميلته كيلي كامبل (كريستين ويغ) بتنفيذ العملية. اقتناع ديفيد بكلام كيلي وقرار تنفيذ العملية أتيا نتيجة حبه لها، وعدم قدرته على مقاومتها، وهو مستعد لعمل أي حماقة لإرضائها.
تحصل فكرة كيلي على دعم من صديق طفولتها ستيف (أوين ويلسون)، وهي: ديفيد يمضي قدماً في السطو على البنك، ثم يسلم الأموال، ويطلق الجميع سيقانهم للريح!
هيس له تاريخ طويل في التعامل مع شخصيات حمقاء أو ساذجة نياتها طيبة. وهذا التاريخ نجده ممتداً في هذا الفيلم من خلال ديفيد، وهو شخصية مكتوبة ليتم الإشفاق عليها والسخرية منها وتجريحها من قبل الشخصيات الأخرى، وهي إحدى سمات أفلام الكوميديا الهزلية أو الغبية.
النقطة المثيرة للاهتمام هنا، هي أن ديفيد من الممكن أن يكون شخصية مرحة وخفيفة الظل ويتم الضحك معه بدل الضحك عليه! لكن «ماسترمايندز» يتمحور حول السخرية من ديفيد، عندما تكون جريمته في كونه أحمق وساذجاً! السؤال هو كيف تمكن شخص أحمق لا يبدو أنه يستطيع ربط حذائه أن يسرق هذا المبلغ الضخم من البنك الذي يعمل به؟! القصة الحقيقية لا تستوي مع الشخصية المكتوبة لهذا الفيلم.
هل يجب أن نوقف عملية اللاتصديق حتى نتقبل ما يحدث؟! لو فعلنا ذلك فمن غير المعقول أن تكون هذه القصة حقيقية، لكنها كذلك. في الحقيقة الفيلم قد يشتت المشاهد لأنه نفسه مشتت يريد الذهاب في اتجاهين في الوقت نفسه: الأول اتجاه القصة الحقيقية، والثاني اتجاه الهزلية الغبية، لكنه يبقى مكانه، ولا يذهب في أي اتجاه.
النتيجة ليست صعبة التخمين، فبعد كل الازدراء الذي يظهره الفيلم لديفيد، فإنه يتحول إلى كبش فداء لستيف وكيلي، عندما يتم كشفه ويضطر للهرب والاختفاء في المكسيك بمبلغ صغير جداً حتى تهدأ الأمور! أو بكلمات أخرى فإنهم لن يعطوه حصته! وبينما ديفيد مختبئ هناك، فإن ستيف يستمتع بحياته الجديدة خصوصاً بعد غسله الأموال، أما كيلي فدخلت في صراع نفسي بين مشاعرها لديفيد وإحساسها بالذنب، نتيجة تحريضها له على ارتكاب فعلته! هذا كله لايزال في سياق فيلم كوميدي.. عفواً تهريجي بالدرجة الأولى!
كان من الممكن عرض هذه القصة الحقيقية بصورة ترفيهية جيدة، كما حدث في فيلم Pain and Gain أو «ألم ومكسب»، لكن قرار هيس أو الاستوديو أخذه جهة الكوميديا التهريجية السخيفة. وما زاد الطين بلة إدخال شخصية أسوأ قاتل مأجور (جيسن سوديكيس)، فهناك مشهد تتكون فيه صداقة بينه وبين ديفيد، هو تحديداً أكثر المشاهد إصابة بالضجر، ثم كيت مكينون تهاجم ويغ في متجر! وهي كلها مشاهد تنحدر بمستوى الفيلم أكثر فأكثر ما يجعلنا نتساءل: ألم يتمكن هيس وكتابه الثلاثة من استشعار كل هذا الإسفاف، وحذف كل تلك الفوضى من الفيلم؟!
ويستمر مسلسل الإسفاف: مشهد مقرف في حوض سباحة (شاهدناه في فيلم ذا فيكيشن العام الماضي)، ديفيد يخبئ بعض الأموال في ملابسه الداخلية وعندما يخرجها ليدفع بها.. لا داعي لإكمال وصف بقية اللقطة. ليزلي جونز في دور المحققة تتم الإشارة إليها كرجل! وكل مشهد به مسدس يجب أن تنطلق منه رصاصة خطأ!
كريستين ويغ ضائعة تماماً في الفيلم، فهي العقل المدبر للسرقة أساساً، لكن الفيلم لا يعطيها ما يكفي من الوقت، ولا يمكن فهم دوافع شخصيتها أو طريقة تفكيرها.
لايبدو أبداً أن جاريد هيس كانت لديه رؤية أو رأي في اتجاه سير الفيلم، خصوصاً أن هذا النوع من الأفلام التي تفتقد وجود أي عنصر فني فيها وتخفق في عرض قصة جيدة ترسخ في الأذهان، يتم فرضه من الاستوديو على المخرج. هيس معروف أنه يكتب أفلامه، وبما أن اسمه موجود في خانة الإخراج فقط فذلك يعني أنه هنا ليقبض فقط! ولِمَ لا؟ أقل جهد مقابل مكافأة سخية!
الفيلم إجمالاً يخفق في أن يكون مثيراً كفيلم جريمة، ويخفق في الجانب الهزلي كذلك، أي كأنه يتبجح بإضاعة وقتنا. الشيء الوحيد الإيجابي في الفيلم أنه ينتهي بسرعة بين بداية بلهاء ونهاية تفوقها بلاهة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news