الأحداث تحيد عن الواقع لصالح الهزلية

الحكومة تطارد نيل ودينيسون في «هانت فور ذا ويلدربيبول»

صورة

هناك ممثلون أطفال يتركون انطباعاً هائلاً بسبب براعتهم وعفويتهم في تقمّص شخصياتهم السينمائية، كأنهم نسخ مصغرة من النجوم الذين يشاركونهم المشاهد في أي فيلم. وهناك أطفال لا يتمتعون بمهارات مصقولة كالنوع الأول؛ لكن لديهم القدرة على حمل الفيلم، إما بهيئتهم الجسدية أو بأصواتهم، أو حتى بأسلوب أداء معين يلتزمون به.

فيلم مشابه

هناك فيلم مشابه من ناحية الشخصيات (صداقة بين رئيس أميركي يضيع في غابة في فنلندا، ويستعين بفتى مراهق للهروب من مطارديه)، شاهدناه العام الماضي بعنوان Big Game أو لعبة كبيرة؛ لكنه يُعد ضعيفاً مقارنة بفيلم «هانت فور ذا ويلدربيبول».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/10/546617.jpg


للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

الأمثلة كثيرة، ولعلنا نذكر مكولي كلكن (هوم ألون) وجوناثان ليبنيكي (جيري ماغواير) من التسعينات، ثم هيلي جويل أوسمنت (الحاسة السادسة) وأبيغيل بريسلين (ليتل مس سنشاين) من عقد الألفية، وماديسون وولف (ذا كونجورينغ 2) أخيراً. اليوم نحن أمام النيوزيلندي الجديد جوليان دينيسون ذي الصوت المبحوح في فيلم Hunt for the Wilderpeople (هانت فور ذا ويلدربيبول) القادم من نيوزيلندا كذلك عن علاقة صداقة بين رجل وفتى مراهق تنشأ في أغرب ظرف ممكن للمخرج النيوزيلندي تيكا ويتيتي (اخرج ماذا نفعل في الظلال).

الفيلم مقتبس من رواية لمواطنه باري كرمب بعنوان «وايلد بورك آند ووتركريس»، التي اقتبسها ويتيتي بنفسه للشاشة. الفيلم يبدأ بفتى اسمه ريكي (دينيسون) يودع في حضانة والديه بالتبنّي بيلا (ريما دي وياتا) وزوجها ذو المزاج السيئ هيك (سام نيل) اللذين يعيشان في كوخ ناءٍ.

مغامرة

ريكي فتى مشاغب بعض الشيء قد يكون مزعجاً، لكن بالإمكان ضبط سلوكه. ريكي يرفض العيش مع والديه بالتبنّي، لكن بيلا الملحّة تقنعه.

بيلا تغادر الفيلم باكراً تاركة شعوراً أن ويتيتي ربما يكون قد قوّض القصة قليلاً، خصوصاً أن شخصيتها مثيرة للاهتمام بفضل أداء وياتا، لكن نعلم أن مغادرتها لإخلاء الفيلم لمغامرة ريكي وهيك.

المغامرة تنطلق عندما تعلم الحكومة ممثلة بوزارة رعاية الأطفال أن بيلا اضطرت للمغادرة، فتعود موظفة الوزارة بولا (ريتشيل هاوس) لاسترجاع ريكي، وعندما لا تجده تفترض أن هيك اختطفه فتقرر البحث عنهما.

في تلك الأثناء هرب ريكي إلى الغابة لعلمه أن السلطات تبحث عنه ولحق به هيك لإحضاره، لكن يقع ظرف فيضطران للبقاء معاً فترة امتدت إلى خمسة أشهر. الفيلم ينقسم إلى أجزاء عدة، ويتكون من طرفين: ريكي وهيك من جهة، والسلطات من جهة أخرى.

الفيلم يركز على صعوبة تأقلم فتى المدينة المشاغب ريك - المتأثر بموسيقى الراب والثقافة الأميركية بشكل كبير - مع حياته الجديدة في ذلك المكان النائي. في الوقت نفسه يركز على سلوك هيك المزاجي المحروم من الأطفال، وكيف يتأقلم هو الآخر مع ريكي في ضوء تلك الظروف الغريبة: المطاردة.

معالجة حكيمة

ريكي وهيك بالطبع يأخذان كل مساحة الفيلم، لكن على الجهة الأخرى هناك السلطات التي تحاول العثور عليهما ممثلة بالموظفة بولا التي تريد إثبات نفسها على حساب ريكي (تحاول تشويه صورته خلال مقابلة تلفزيونية)، وكذلك من خلال جملتها التي ترددها طوال الفيلم: لا تترك طفلاً خلفك! على شاكلة: لا تترك جندياً خلفك التي يقولها الجنود في أفلام الحروب الأميركية، خصوصاً حرب فيتنام.

مع بولا هناك شرطي (أوسكار نايتلي) هو نقيضها تماماً، إذ يبدو غير مهتم بما يحدث إطلاقاً، ويستمتع بالأكل وسط المطاردة. هناك حقيقة ينبغي الاعتراف بها هو أن هذا الفيلم لم يكن لينجح لولا معالجة ويتيتي الحكيمة للنص، فهو يروي قصة تبدو مألوفة جداً من خلال شخصيتين مكتوبتين بشكل جيد وحوارات ظريفة وتصوير جميل جداً وسرد مبتكر للقصة، لأنه من الصعب جداً رواية هذه الحكاية دون الوقوع في كليشيهات.

هيك غير مستعد لوجود ريكي ولا لتلك المغامرة، فهو لا ينجب، ويجب عليه التأقلم مع طفل، أو فلنقل صبي في أول مراهقته، وتلك أصعب سن في حياة الإنسان. لكن نيل يؤدي الشخصية بالشكل المطلوب، فهو يتعاطف مع ريكي، لكن دون المبالغة في إظهار تلك العاطفة، لأنه من الداخل لايزال مكابراً في نفسه أنه لا يحتاج لوجود صبي في حياته، ويرفض حتى تسمية «عمي». وتلك حقيقة بشرية، كون هيك لم يشهد طفولة ريكي، وبالتالي من الصعب جداً قبوله كمراهق فجأة دون تمهيد.

في الوقت ذاته هيك يقبل ريكي كصديق بحاجة إلى رعاية وسط ظروف صعبة، فنجده يعلمه من تجربته دون محاضرات أو تفلسف أو حتى سرد لقصص من الماضي، وهنا مربط الفرس، خصوصاً أن هيك شخص غير متعلم ومنبوذ من المجتمع.

ريكي يحنّ لحياة المدينة وحداثتها (مشهد صنع سماعات رأس بأوراق الأشجار والرقص على أنغام موسيقى وهمية). ولو كان هذا الفيلم بين يدي مخرج آخر لكانت الشخصيتان كالتالي: ريكي صبي أحمق ثرثار كي نضحك عليه، وهيك يرفضه في البداية ثم يقبله وهو يذرف الدموع! لكن ويتيتي يبرع تماماً في خلق التوازن المطلوب للشخصيتين وبينهما في الفيلم. والنتيجة أنهما يعكسان عمق شخصياتهما الحقيقية دون الاصطدام بالنمطية.

ويتيتي أيضاً يوازن طرفي الفيلم بشكل جيد قبل أن يلتقيا في المشهد الأخير بشكل مبالغ فيه جداً. لكن تبقى هناك مشكلات لم يعالجها ويتيتي، وهي أولاً النهاية المبالغ فيها جداً حدثت دون تمهيد منطقي لها، فلو كان لدينا شخصان مفقودان مدة خمسة أشهر في دولة متقدمة، مثل نيوزيلندا، لكان هناك تحقيق شامل من قبل الحكومة وليس بالطريقة الكرتونية التي شاهدناها تتحول فجأة إلى مشهد مرعب في آخر الفيلم. للعلم أن مجرد مشاهد نشرات للأخبار المحلية لم يكن كافياً لحدث بهذا الحجم.

ولو عدنا بالذاكرة للخلف عندما علق عمال منجم ذهب تحت الأرض في تشيلي كان هناك اهتمام عالمي بالحادث (شاهدنا فيلم 33 يتناول ذلك الحدث العام الماضي).

ثانياً: ريكي فتى سمين ربما لأنه كان يعيش في المدينة، هل يعقل أنه بعد خمسة أشهر من المطاردة والركض والحركة المستمرة في الغابات يظل سميناً كما هو! خصوصاً بعد أن تغير الطعام عليه، وأصبح من لحوم حيوانات الغابة المشوية!

هذا الفيلم جيد، رغم أن أحداثه تحيد عن الواقع تدريجياً، وتتخلى عنه لصالح نهاية أقرب إلى الهزلية منها إلى الواقعية.

تويتر