العمل ضعيف مثل الجزأين السابقين

هانكس يخفق في حل شيفرة رتابة «إنفيرنو»

صورة

«إنفيرنو»، أو «الجحيم»، هو الجزء الثالث في سلسلة أفلام بروفيسور علم الرموز الدينية والتاريخية، روبرت لانغدون، التي بدأت منذ 10 أعوام بفيلم «ذا دا فينشي كود» ثم «أينجلز آند ديمنز» عام 2009، واليوم هذا الفيلم، هذه الثلاثية مقتبسة من روايات المؤلف الأميركي، دان براون، بالعناوين نفسها.

دعونا أولاً نتفق على حقيقة أن العمل الأدبي شيء، والعمل السينمائي شيء آخر، ومن هذا المنطلق سيتم الحكم على هذا الفيلم، فيلم «ذا دا فينشي كود» لم يكن لينجح لولا ذلك الجدل الذي أحدثه بسبب تشكيكه في ثوابت عقائدية، وهي الفكرة الموجودة في الرواية. وجميعنا نذكر الضجة التي حدثت في ذلك الوقت، عندما دعت الكنيسة الكاثوليكية أتباعها إلى مقاطعة الفيلم.

هذه الفوضى أحدثت زخماً غير مستحق منذ 10 أعوام، أما اليوم فقد أصبحت مضجرة لأن هوارد مشغول بحل ألغاز لا تعني أحداً، وكان الأجدر أن يحل لغز رتابة هذا الفيلم الرديء.

لكن كعمل سينمائي هو ليس سوى فيلم بوليسي من الدرجة الثانية، وهذا الحكم ينطبق على الجزء الثاني وهذا الفيلم (ينبغي ملاحظة أن أينجلز آند ديمنز هو الفيلم الثاني سينمائياً لكن الأول كرواية).

سمات الأفلام البوليسية من الدرجة الثانية هي: أولاً سهولة توقع كل الأحداث وكأن المشاهد رأى الفيلم سابقاً.

ثانياً: لن يحدث شيء لو انشغلت عن الفيلم لأن كل الشخصيات تكرر المعلومات نفسها لدرجة الضجر.

ثالثًا: تستطيع كشف الشخصية الخائنة قبل أن يعلنها المخرج بنصف ساعة.

رابعاً: البطل هو الضحية دائماً.

بحث عن الذاكرة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/10/93291_EY_16-10-2016_p25.jpg

«إنفيرنو» يبدأ بالبروفيسور لانغدون (توم هانكس) الذي يستيقظ بمستشفى في مدينة فلورنسا الإيطالية فاقداً ذاكرته، تدخل عليه الطبيبة سيينا بروكس (فيليستي جونز) وتخبره أنها تعرفه قبل أن تساعده على استرجاع ذاكرته أولاً، ثم يتعاونان في حل مجموعة ألغاز مرتبطة بدانتي شاعر العصور الوسطى العظيم، من أجل إحباط مؤامرة لنشر فايروس لإبادة نصف سكان العالم، دبّرها الملياردير برتنارد زوبريست (بن فوستر) ذو التوجهات المتطرفة.

طبعاً رغم أنه مصاب إلا أنه يقفز من فراشه فوراً عندما تهاجمه القاتلة المأجورة فينثا، ثم بعد ذلك تبدأ مطاردات وتنكشف مؤامرات وأشياء أخرى لا تمت للواقعية بصلة.

هناك محاولات عدة لمقارنة شخصية عالم الرموز، البروفيسور روبرت لانغدون، بشخصية عالم الآثار الملقب بإنديانا جونز، وهي في الحقيقة مقارنة غير عادلة. فلنناقشها قليلاً، أولاً شخصية لانغدون هي أضعف شخصية أداها هانكس، وهي الشخصية الوحيدة التي كررها مرتين. الناس تتذكر هانكس غالباً بشخصية فوريست غامب التي حاز عنها جائزة أوسكار أفضل ممثل لعام 1994.

بالمقارنة فإن إنديانا جونز هي أقوى شخصية أداها هاريسون فورد في حياته، بل أصبحت أيقونة كلاسيكية.

ثانياً شخصية لانغدون نخبوية جداً، ومستوى تفكيره أعلى بكثير من مستوى قراء الروايات أو مشاهدي الأفلام، والألغاز التي يحلها عصية على الفهم وتتطلب تعمقاً شديداً في الدين والتاريخ، بينما ألغاز إنديانا جونز يغلب عليها الطابع الشعبي أكثر، ويتم طرحها في الأفلام بمستوى يحاكي عقول الناس.

ثالثاً لانغدون شخصية جادة وتتعامل مع المآزق بجدية وقلة حيلة، بينما إنديانا جونز لا يأخذ نفسه بجدية وواسع الحيلة في التعامل مع المآزق. ورغم أن الشخصيتين تعيشان في عالم خيالي خاص بكل واحدة منهما، ولها قوانينها الخاصة إلا إن إنديانا جونز هي الأقرب إلى الواقعية.

المعادلة نفسها

الآن نعود للفيلم، «إنفيرنو» يتبع معادلة الجزأين السابقين نفسها بكل عناصرها، الفرق هنا أن لانغدون يستيقظ مصاباً في مستشفى بينما في الجزأين السابقين يرسلون إليه طلب مساعدة. في الأجزاء الثلاثة تكون شريكته امرأة ويتم استغلاله في حل الألغاز، ثم يكتشف المؤامرة بعد مرور ساعة ونصف من الفيلم، وتظهر شخصية الخائن، لكن المشاهد، الذي يضطر إلى دخول تجربة عذاب مشاهدة الفيلمين السابقين، سيكشف الخائن في «إنفيرنو» وهو نائم!

ليست هناك فكرة واحدة أصلية في الفيلم بأكمله، فلانغدون يحل المزيد من الألغاز كما كان يفعل في الفيلمين السابقين، والمشكلة أن الألغاز مستحيلة الفهم، وليس هناك سبب يدعونا إلى الاهتمام بها، فهي كلها متعلقة بلوحة فنية في متحف، ومرتبطة برمز عن الجحيم كما تخيله ذلك الشاعر، أو كما صوره ذلك الفنان! حتى نابغة مثل آينشتاين لن يستطيع فكها، بل ولا حتى عبقري السياسة والتاريخ مكيافيللي سيتمكن منها!

مشكلة ثانية أن لانغدون يستيقظ في المستشفى ليبدأ محاولات استرجاع ذاكرته المفقودة، أليست تلك مشكلة العميل، جيسن بورن، نفسها في الأجزاء الثلاثة الأولى من سلسلة أفلامه!

والمشكلة الثالثة أن شرير الفيلم زوبريست ملياردير، ويبدو أن هوليوود مولعة جداً بجعل أشرار أفلامها من الأغنياء، فلدينا ملياردير شرير في فيلم باتمان فيرسز سوبرمان، وآخر في «إكس ماكينا» و«كينغزمين» و«سبايدرمان» وحتى في أفلام جيمس بوند!

والمشكلة الرابعة مرتبطة بالثالثة؛ وهي أن المخرج القدير، رون هاوارد، يضيع ممثلاً محترفاً وموهوباً مثل بن فوستر في شخصية زوبريست التعيسة التي لا تظهر سوى في مشاهد معدودة!

نضيف إلى المشكلات أن القاتلة المأجورة فينثا هي الوحيدة التي تبدو خارج السياق، وهي من المفترض أن تكون في عالم جيسن بورن، لكنها ضلت الطريق ووصلت هنا!

هذا الفيلم ضعيف مثل الجزأين السابقين (للتذكير نتحدث عن الأفلام وليس الروايات) وهو من النوع الذي يصور منظمة الصحة العالمية كجهاز استخبارات يخترق سيادة الدول! والحكومات بالطبع نائمة ولا تستيقظ إلا حين ينتهي لانغدون من مهمته!

«إنفيرنو» كالجزأين السابقين يعاني رتابة شديدة، ويفتقد المنطق، ويحوي الكثير من المشاهد الغبية والمبتذلة والتي تعد في شرعه مفاجآت! وتنبغي الإشارة إلى أن الفيلم يحوي أغبى مشهد لهاتف متحرك يفقد إشارات الإرسال في تاريخ السينما! طبعاً ذلك لا يحدث إلا في اللحظات الأخيرة!

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر