تميّز بتصوير جميل وإخراج قوي

«كافيه سوسايتي».. العجوز وودي آلين في ذروة عطائه

صورة

«كافيه سوسايتي» يبدأ بمشهد يحدد أجواء الفيلم واتجاهه: لقطة خلابة لحوض سباحة صافٍ في وقت الغسق محاط بمجموعة أشخاص يرتدون ملابس أنيقة جداً ورسمية. نسمع صوت وودي آلين الواهن - وهو كاتب ومخرج الفيلم - يروي لنا ما يجري في المشهد، ويخبرنا أننا في هوليوود ثلاثينات القرن الماضي.

مصمم الديكور للفيلم سانتو لكواستو، والمصور فيتوريو ستورارو الأسطوري الفائز بجائزة أوسكار أفضل مصور ثلاث مرات (أبوكاليبس ناو 1979، ريدز 1981، والإمبراطور الأخير 1987) يعملان مع آلين للمرة الأولى على مشروع يتم تصويره بكاميرا سوني 4 كيه الرقمية، ومن الواضح أن لديهم رؤية جيدة عن وضع هوليوود في حقبة الثلاثينات.

آلين في سن الـ80 من القلائل الذين مازالوا يصنعون أفلاماً جيدة رغم كونهم طاعنين في السن، مثله كمثل كلينت إيستوود وروبرت ريدفورد، هؤلاء لا يجمعهم سوى الشغف الشديد بالسينما والموهبة.

آلين حالة خاصة جداً، إذ تحمل أفلامه سمة تلك المستقلة بعكس إيستوود وريدفورد القريبين أكثر من الاستوديوهات. أفلام آلين تتميز أيضاً بأنها تتخذ من الماضي زماناً ومكاناً لأحداثها، خصوصاً أفلامه الأخيرة، كأنه غير مهتم بما يحدث هذه الأيام.

جنّة.. الموهوب

نهاية تشبه البداية

إخراج وودي آلين مصدر قوة «كافيه سوسايتي»، والنهاية تشبه البداية، إذ نشاهد شخصيات تحتفل بليلة رأس السنة حين تلتقي الشخصيات المحبطة مع نظيرتها الطموحة في مشهد جميل بالضبط كالمشهد الأول عند حوض السباحة.


47

«كافيه سوسايتي» هو الفيلم الـ 47 في مسيرة وودي آلين.

آلين صرّح، العام الماضي، أنه لا يأخذ إجازات ولا يفكر في التقاعد، لأنه مولع بصناعة الأفلام ويعتبرها جنته، وتصريحه ينعكس في هذا الفيلم تماماً، إذ نشاهد الرجل يبرز موهبة غير طبيعية من شخص في سنه. آلين يوظف ألمع النجوم الشباب في قصة من الماضي تحمل مزاجه وأسلوبه ولمساته.

من ناحية أخرى؛ فإن الممثلين الذين يختارهم آلين لأفلامه يعتبرون أنفسهم محظوظين جداً، ولا يستطيعون رفض طلبه لأسباب عدة، منها أن أفلامه تحمل لمسات من هوليوود القديمة، وأيضاً آلين لا يتدخل في طريقة أداء الممثل، بل يتركه وحده يؤدي دوره كما يراه الممثل صحيحاً.

إضافة إلى ذلك، فإن آلين حتى لو لم تنجح أفلامه فإنها تكون فرصة لا تعوض للعمل مع ممثلين محترفين وطاقم بارع، وأيضاً آلين له نجاحات غير متوقعة، مثل فوز كيت بلانشيت بجائزة أوسكار أفضل ممثلة عن فيلم «بلو جاسمين» عام 2013، وقبلها بينيلوب كروز في فيلم «فيكي كريستينا برشلونة» عام 2008.

عن القصة

القصة في «كافيه سوسايتي» عن فيل ستيرن (ستيف كاريل) لاعب رئيس في هوليوود تأتيه مكالمة من شقيقته روز (جيان برلين) في نيويورك، وتبلغه أن ابنها الأصغر بوبي (جيسي آيزنبيرغ) قادم إليه، وأن عليه مساعدته، رغم أن بوبي نفسه ليست لديه أدنى فكرة عن الوظيفة التي يريدها. (المشهد يذكّر كثيراً بأحداث فيلم «راديو دايز» لآلين نفسه عام 1987).

شقيقة بوبي تدعى إيفيلين (ساري لينيك) متزوجة من فيلسوف أكاديمي، بينما شقيقه الأكبر بن (كوري ستول) رجل عصابة. الخال فيل مشغول جداً، أو غير مهتم بوجود ابن شقيقته بوبي، فيؤجل مقابلته ثلاثة أيام، فيضطر بوبي للبقاء في الفندق لوحده ومصادقة فتاة شارع مؤقتاً في مشهد يذكر بفيلم آخر لآلين هو Deconstructing Harry عام 1997.

عندما يقرر فيل مقابلة بوبي يعينه في وظيفة مندوب، ويكلف سكرتيرته فيرونيكا أو فوني (كريستين ستيوارت في أحد أجمل أدوارها إن لم يكن الأجمل، وفي ثالث فيلم لها مع آيزنبيرغ)، بمهمة الاهتمام به وتعريفه بالمدينة. يخرج بوبي وفوني معاً، ولأن هذا فيلم وودي آلين نعلم أن أحدهما سيقع في حب الآخر، وبالفعل تتولد مشاعر رومانسية عند بوبي؛ لكن فوني تخبره بأنها مرتبطة برجل غامض يعمل في الصحافة يسافر كثيراً، لكنه لا يأخذها معه أو ربما لأنه متزوج. يتجول الاثنان ويذهبان لمشاهدة الأفلام معاً في مقطع قد يجعل أي شخص مغرم بهوليوود القديمة أو الأفلام الكلاسيكية يبكي من النوستالجيا، ومشاهدة ملصقات أفلام باربرا ستانويك وجنجر روجرز.

تخمين.. ومفاجآت

من دون التوغل في تفاصيل الفيلم أكثر، لكن إذا لم تستطع توقع ما سيحدث فإنك بالتأكيد لم تشاهد الكثير من أفلام وودي آلين. أفلام آلين لها نمط واحد، فهي كلها سهلة التخمين في بعض الجوانب، لكن «كافيه سوسايتي» له مفاجآته الخاصة. يترك بوبي فوني وهوليوود خلفه، ويعود إلى نيويورك ليبدأ حياة جديدة هي إدارة النادي الليلي الذي يمتلكه شقيقه بن، بينما تتزوج فوني في هوليوود. هذا الانفصال الذي يقع بينهما هو موضوع الفيلم الرئيس والحزين، الذي يصل ذروته في المشهد الأخير.

في فيلم آلين السابق Irrational Man، العام الماضي، قد يبدو للمشاهد أن آلين في هذه الفترة من حياته أفضل كمخرج أكثر من كونه كاتباً. مفاجآت القصة والحوار في ذلك الفيلم كانت مألوفة جداً إلى درجة أنها قد تبدو قديمة، لكن اللافت كان عمل آلين مع ممثليه واختيار لقطاته، وعملية التوازن بين أجزاء الفيلم كلها كانت جيدة جداً، ونجحت في جعل الفيلم مؤثراً لدرجة كبيرة.

بالمقارنة مع «كافيه سوسايتي»، وهو الفيلم الـ47 لآلين، فإن هذا مكتوب بصورة مصقولة أكثر، على الرغم أن المتابع لأفلام آلين سيلاحظ وجود نكات مكررة.

أداء آيزنبيرغ هنا هو الأفضل منذ ستة أعوام؛ أي منذ فيلم «ذا سوشال نيتوورك»، ولفترة ظننا أننا لن نشاهده في أي فيلم جيد، خصوصاً بعد دوره الباهت في فيلم «باتمان فيرسز سوبرمان» أخيراً. وكان أفضل مشهد له في الفيلم عندما رأى فوني مجدداً في نيويورك بعد فترة غياب طويلة.

هذه نقطة تستحق الوقوف عندها قليلاً، وهي التحول الذي تمر به شخصية بوبي من فتى خجول ساذج في هوليوود إلى شاب واثق من نفسه يتمتع بكاريزما، خصوصاً في المشهد الذي تدخل فيه فيرونيكا أخرى (بليك لايفلي) حياته، وتنشأ بينهما علاقة.

لايفلي رغم دورها المحدود إلا أنها ظهرت أفضل وأجمل من نجمات هوليوود اللواتي شاهدناهن في الجزئية التي كان فيها بوبي يقيم هناك عند خاله. وبالتأكيد أفضل من دورها التافه في فيلم «ذا شالوز».

تويتر