«المحاسب».. انعدام المنطق وسقوط مدوٍّ في حسابات النهاية
تعريف جيسن بورن: عميل الاستخبارات المركزية الأميركية، تعرض لفقدان الذاكرة، يحاول كشف الحقيقة، ماهر جداً في الفنون القتالية واستخدام الأسلحة النارية، يعيش في عالمنا الواقعي ودائماً وحيد، وكلما يقابل فتاة تتعرض للقتل.
الفيلم ليس للمشاهد المتمرس، ولا للذي يهتم بعامل المنطق في القصة. مفاجأة «هندية» في الختام هناك مفاجأة (أو المفروض أن تكون كذلك) في النهاية نسفت الفيلم بأكمله، بل هي غاية السُّخف والهراء، علمنا بالتخمين أنها ستحدث قبل النهاية بساعة كاملة! ونعود مرة أخرى لنقطة المشاهد المتمرس، ونضيف: الذي شاهد الكثير من الأفلام الهندية، نقول الكثير جداً من الأفلام الهندية، في فترة الثمانينات والتسعينات، ربما تجد هوليوود هذا النوع من المفاجآت جديداً أو مبتكراً، لكن حتماً ليس كذلك على جمهور الشرق الأوسط، مفاجأة النهاية هي بالضبط ما يحدث في الأفلام الهندية في تلك الحقبة، وربما اليوم، لا يهم. |
تعريف جاك ريتشر: ضابط سابق في الجيش الأميركي يأتي لحل قضايا يعلم أنه الوحيد القادر على حلها، بارع جداً في الفنون القتالية واستخدام الأسلحة النارية، يعيش في عالمنا الواقعي، دائماً وحيد ولا يبدو أنه مهتم بالنساء، على الأقل حتى آخر فيلم.
تعريف كريستيان وولف أو «المحاسب»: رجل مصاب بالتوحد، متمرس جداً في الفنون القتالية واستخدام الأسلحة النارية عن طريق والده الضابط في الجيش الأميركي، يعيش في عالمنا الواقعي، دائماً وحيد ولا يبدو أنه مهتم أو سيهتم بالنساء.
نكاد نجزم أن كاتب نص فيلم The Accountant أو «المُحاسِب»، بيل ديبيوك، كان يحك رأسه حيرةً ويضرب أخماساً في أسداس، وربما دخل في جلسات عصف ذهني للإجابة عن سؤال واحد: كيف يجعل فيلماً بوليسياً عن السرقات المالية حابساً للأنفاس أو مشوقاً أكثر من المعتاد؟
مذبحة أولى
فيلم «المحاسب» يبدأ بمشهد مذبحة مرتكبة من قبل رجال عصابات حدثت في وقت ما في الماضي، حسب نوع اللقطة المخضبة بلون بني، اللقطة تحمل علامات اقتناع تام من المخرج، غافين أوكونور، بجدية الفيلم أو فلنقل قوة تأثيره.
المشهد التالي يعود بنا لعام 1989، حيث نشاهد مدير مركز متخصص في معالجة الأطفال المصابين بأمراض عصبية، نرى طبيباً طيب القلب يشرح لأب حاد الطباع وأمّ سريعة الغضب، لكن بدرجة أقل من الأب، كيف أن ابنهما «المختلف» قد يحظى بفرصة أفضل للتكيف مع العالم لو أمضى صيفاً واحداً في العلاج بذلك المركز.
ثم ينتقل بنا المخرج أوكونور إلى الزمن الحالي، حيث نشاهد محاسباً اسمه كريستيان وولف (بين أفليك)، مصاباً بالتوحد، رجل بوجه جامد (الحقيقة أن أفليك يجتهد كثيراً ليبدو بتلك الصورة ولا يستطيع إخفاء ذلك)، وعبقري في العمليات الحسابية، وولف يتحدث مع بعض زبائنه عن بعض الأمور المتعلقة بالحسابات المالية، ثم نعلم أنه متخصص في كشف الاختلاسات المالية الكبرى للعصابات والمنظمات الإجرامية، وأحياناً تتطور المهمة لتصل إلى حد تصفية أفراد المنظمة، كل تلك المهام تأتيه من خط هاتفي آمن بصوت امرأة تتحدث بلهجة بريطانية.
حكاية ثانية
ننتقل إلى القصة الثانية في الفيلم، وتجري في وزارة الخزانة الأميركية، حيث نرى المسؤول عن إنفاذ القانون ومدير إدارة الجرائم الاقتصادية، رايموند كينغ (الرائع دائماً جي كي سيمنز)، على وشك التقاعد، يتحدث مع محللة تدعى ميريبيث مادينا (سينثيا أداي روبنسون)، ويبتزها لتساعده في العثور على «المحاسب» أو تواجه فضائح ماضيها.
وكأن ذلك لا يكفي، ثم ينتقل بنا ديبيوك وأوكونور في هذا النص اللغز إلى القصة الثالثة، حيث ترشد المرأة ذات اللهجة البريطانية «المحاسب» إلى مهمة قانونية هذه المرة، وهي كشف عملية اختلاس في شركة تصنيع أعضاء صناعية بشرية، يرأسها لامار بلاكبيرن (جون ليثغو) الذي يرسل إحدى المحاسبات لديه، اسمها دانا (آنا كيندريك - في دور غير رومانسي في أجواء رومانسية)، لمساعدة «المحاسب» الذي ليس بحاجة إليها بالطبع لأنه عبقري! عفواً؛ نسينا أن نذكر أن هناك قاتلاً مأجوراً (جون برنثال) يظهر بين الحين والآخر لإضافة بعض البهارات على القصة لا أكثر!
هناك مشاهد فلاش باك نرى فيها «المحاسب» عندما كان صغيراً (يؤديه سيث لي)، يتعلم الفنون القتالية في إندونيسيا بصحبة شقيقه براكس، ويستمعان إلى محاضرات من والدهما (روبرت سي تريفيلر).
«المحاسب» يبدأ بصورة جيدة ولو أنها معتادة جداً، ثم بمجرد أن تتعقد القصة قليلاً، أو فلنقل تصبح دسمة أكثر، يبدأ الفيلم في السقوط التدريجي ثم السريع إلى الهاوية! كالطائرة التي تسقط في خط رأسي على مقدمتها! قد يتبادر إلى ذهن القارئ لماذا هذا الحكم تحديداً، وسنوضح له ذلك في السطور التالية.
هذا الفيلم ليس للمشاهد المتمرس الذي مرّ على كل أنواع الأفلام، وكذلك ليس للمشاهد الذي يهتم بعامل المنطق في القصة. الفيلم يتطلب إيقافاً كاملاً لعملية اللاتصديق وتقبّل كل ما يحدث في الفيلم. وأيضاً مطلوب من المشاهد الذي يريد الاستمتاع ألا يحاول تخمين أي شيء، لشدة غباء الحبكة التي سيتمكن المشاهد المتمرس من تخمينها في أول 45 دقيقة! كيف ذلك؟ المخرج أوكونور بكل بساطة لديه أسلوب غير حكيم يكشف كل المفاجآت قبل حدوثها بساعة على الأقل!
أفلام مثل «جيسن بورن» و«جاك ريتشر» نعلم نهايتها بشكل عام، لكن ليس ممكناً تخمين التفاصيل بدقة، لكن هنا أوكونور لا يحاول حتى مفاجأتنا، نجده يركز بعدسته على رجل غير معروف فترة طويلة ثم يقطع إلى (دانا)، فنعلم أن مكروهاً سيحصل لها، وبالفعل نجد الرجل يركب معها المصعد، ثم ينتقل أوكونور بسرعة إلى أفليك أو «المحاسب» فنعلم أنه قادم لنجدتها. وبالفعل يقتحم المبنى ويضرب كل أفراد العصابة التي تعترض طريقه، حتى يصل إلى شقتها ويوسع الجميع ضرباً ويخرجها ويهربا معاً! على الأقل جيسن بورن أخذ نيكي بارسونز معه في مطاردة مثيرة على دراجة نارية وسط مظاهرات وأحداث شغب! أوكونور يكرر ذلك كثيراً فيخمن المشاهد كل شيء قبل حدوثه بوقت طويل غالباً، أوكونور لا يحاول إطلاقا إضفاء أي إثارة!
أفليك وكندريك وليثغو وسيمنز كلهم ممثلون درجة أولى، وجميعهم غير مستغَلين في هذا الفيلم. أفليك ربما لطبيعة الدور أو تحضيراً لفيلم باتمان المقبل. أما الباقون فواضح أنهم موجودون لقبض الأجور وليس لإعطاء أداء جيد.
قصة رايموند كينغ هي الأجمل لكنها هامشية جداً، ولو بدأ أوكونور بها بدل قصة المحاسب الضعيفة لربما كان هذا فيلماً أفضل.